IMLebanon

هل يُعيد لقاء دار الفتوى التوازن إلى الحياة السياسية اللبنانية؟

كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

غالبية المآسي والنكبات التي تصيب اللبنانيين هذه الفترة تقع في المناطق التي يتواجد فيها المسلمون «السنة» تحديدا، خصوصا حوادث الموت المجاني التي لحقت بأبناء الشمال، من جراء غرق الزوارق التي تنقلهم تهريبا باتجاه السواحل الأوروبية.

كما أن معظم المشاكل الأمنية التي تحصل بين الحين والآخر، تقع في المدن والبلدات التي يتواجدون فيها مثل صيدا وسعد نايل وطرابلس وعكار.

وقد تفاقمت الصعوبات المعيشية والإنسانية بغياب تأثير فاعل لممثلي هذه الطائفة الأساسية. والمتقدمون فيها لا يفضلون استخدام تسمية «طائفة» بل يفضلون التعبير عنها بعبارة الأمة.

ويطلق رسميا على رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى «مفتي الجمهورية» على اعتبار أن دار الفتوى هي دار للمسلمين جميعا، وقد أثار تصريح السفير الإيراني مجتبى أماني بعد زيارته للمفتي عبد اللطيف دريان نهاية أغسطس الماضي، ضجة كبيرة، لأنه استخدم في تصريحه عبارة «مفتي أهل السنة» وهو توصيف غير متداول من قبل.

من الواضح أن اختلالا أصاب التوازن الوطني في لبنان، وكان على حساب حضور الخط الذي يمثل الاعتدال العربي والإسلامي، وغلبت كفة خط الممانعة الذي حضر بقوة من خلال «الثنائي الشيعي – أمل وحزب الله» والتيار الوطني الحر، والأحزاب الموالية لهم، وهؤلاء يتلقون المساعدات المالية والعسكرية من الذين يقودون هذا الخط في المنطقة، بينما القوى السيادية والوسطية، وما كان يعرف بقوى ثورة الأرز، تركوا من دون أي مساندة طوال فترة حكم الرئيس ميشال عون، لأن بعض هذه القوى ارتكب أخطاء استراتيجية أخلت بالتوازنات، وقدمت هدايا سياسية مجانية للتيار الوطني الحر ولحزب الله بمشاركتها بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية قبل 6 سنوات.

لقاء دار الفتوى للنواب «السنة» برعاية المفتي دريان حمل أبعادا وطنية واسعة، وسيساهم بطبيعة الحال في إعادة التوازن السياسي المفقود على الساحة الوطنية، خصوصا لأنه يأتي بالتزامن مع إعادة تحريك المبادرات العربية والدولية الهادفة لمساعدة لبنان للنهوض من الهوة السحيقة التي دفع اليها، في ظل أسوأ إدارة سياسية عاشتها البلاد منذ اعلان ولادة لبنان الكبير قبل ما يزيد على مائة عام.

المفتي دريان كان واضحا في خطابه أمام 24 نائب حضروا اللقاء، وهو طالب بضرورة وقف النزف القاتل للاقتصاد الوطني، والذي يؤدي الى نزوح المواطنين وتشردهم عبر البحار الى أي ملجأ في الخارج هربا من الجحيم الذي يعيشون فيه، ومن الواضح أن هناك من يدفع ببعض هؤلاء الى ترك البلاد.

وحدد المفتي دريان الثوابت الوطنية التي يجب أن يلتزم بها رئيس الجمهورية الجديد، وأهمها التمسك بدستور الطائف وبالعروبة وباعتماد إدارة رشيدة تنفذ خطة انقاذ اقتصادي ومالي ناجعة، وطالب بطي صفحة الاشتباك حول الصلاحيات الدستورية، خصوصا أن اتفاق الطائف حددها بجلاء، وهي تستند الى مبدأ فصل السلطات وتعاونها، وبذلك يكون دريان قد أوضح أكبر جوانب الخلاف مع عهد الرئيس عون، لأن فريق العهد اعتمد مبدأ التعطيل والمناكفة واثارة النعرات، وهذه السياسة أدت بدورها الى انهيار البلد واقتصاده.

واذا كنا لا نحبذ استخدام تعبير «الطائفة المنكوبة» الا أن ذلك لا يعني تجاهل الويلات التي أصابت المسلمين السنة على وجه الخصوص، واللبنانيين عامة من جراء النكبات المتتالية، لاسيما بعد سياسة التردد والانكفاء التي اعتمدها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في الفترة الماضية.

فهل يعيد لقاء دار الفتوى الحضور الفاعل لطائفة مؤسسة في الاستحقاقات الدستورية القادمة، وبالتالي يعيد بعض التوازن الوطني المفقود الى البلاد؟ بانتظار الساعة المناسبة لإعلان الغاء الطائفية السياسية التي تعتبر علة العلل في النظام اللبناني.