IMLebanon

أحد الناجين من “زورق طرطوس” يروي تفاصيل “رحلة الموت”

كتب فؤاد بو غادر في “النهار”:

“وقت انطلقنا بالمركب، حطيت إيدي على الخشب، قلتلهن يا شباب سامعين بمركب الموت؟ إيه هيدا نحن عليه”، بغصّة كبيرة وبصوت خافت يستذكر الناجي من قارب الموت في طرطوس جهاد مشلاوي (31 سنة، فلسطيني الجنسية) اللحظات المشؤومة التي عاشوها

ضاقت الأوضاع الاقتصادية بجهاد، ليجد نفسه على القارب بعدما نصحه أصدقاؤه بـ”أبو علي” الذي وصلوا من خلاله إلى ألمانيا. “قاربه مرتّب وعدد الأشخاص على متنه محدود وفيه كمّية كافية من المحروقات والمؤونة”، هي العبارات التي تردّدت على مسمع جهاد، قبل أن يجد الواقع معاكساً تماماً.

سدّد جهاد مبلغ 7 آلاف دولار، 3 آلاف عند حجز المهرّب مقعداً له، والمبلغ الباقي عند الوصول إلى المركب. جُمع المبلغ بعدما باعت والدته ما تملك من ذهب، وطلبوا المساعدة من أخواله الموجودين في أوروبا ومن شريك والده في مصلحة بيع الأنتيكا، بينما أشار إلى أنّ هناك أشخاصاً سدّدوا مبالغ أكبر، “مثلاً عائلة مكوّنة من 4 أفراد سدّدت 30 ألف دولار، وهناك شخص من مخيّم شاتيلا باع منزله وسيّارته لتأمين المبلغ اللازم”.

يشكّك جهاد في عدد الجثث التي صرّحت عنها الجهات الرسميّة، فعند وصوله قبل يومين فاق عدد الجثث 110. “الجثث تتحلّل، وفي طريقي إلى لبنان هناك أب لم يتمكّن من التعرّف إلى جثّة ابنته قبل إجراء فحص الحمض النووي الـDNA. المهرّب، بلال محمد ديب، الملقّب بـ”أبو علي” يعرف عدد الموجودين على متن المركب ولا يصرّح عنه لـ”تضييع الطاسة”.

يروي جهاد اللحظات العصيبة التي عاشوها على المركب قبل انطلاقه، فعند وصول القبطان أسامة امتنع عن القيادة “هالمركب رايح على الموت، ما بطلع فيه. أفضّل الموت على أن نضحّي بـ150 شخصاً”. هدّده “أبو علي” بقتل أولاده أمام أعينه وشهر السلاح في وجههم، “زوجة أسامة جلست على الأرض تصرخ وتبكي”، ثمّ طلب أسامة طبيباً بحرياً كحجّة لتأخير الانطلاق”.

بعد بضع دقائق، اضطرّ أسامة للانطلاق بعدما أخبره المهرّب بأنّ الجيش قد يصل في أيّ دقيقة ويلقي القبض عليهم. “الوضع كان كتير تعيس والحمولة مخيفة. معه 4 طن مازوت و2 طن مياه و2 طن معلبات وطن خبز، عدا عن وزن أكثر من 150 شخصاً وحقائبهم، ووصل الوزن إلى نحو 20 طنّاً”.

لم تمضِ عشر دقائق على الانطلاق حتّى توقّف محرّك المركب، أعادوا التشغيل وانطلقوا. تكرّر هذا السيناريو أكثر من مرّة واتّصلوا بالمهرّب الذي “طمأنهم” قائلاً: “هذا المركب يعمل على المازوت اتركوه وعاودوا تشغيله بعد قليل”. استمرّ الوضع على ما هو عليه لنحو 5 ساعات، ليقف المركب نهائياً بعدما تجاوز مسافة لا تزيد عن 25 كلم “كنّا لا نزال ضمن المياه الإقليمية اللبنانية”.

تأرجح المركب يميناً ويساراً بين الأمواج حتى سقط. لا ينسى جهاد اللحظات الأولى التي رافقت سقوط المركب “صراخ الأطفال والأمّهات لا يفارق أذنيّ، لم تمضِ دقائق حتى عامت أجساد أكثر من 80 شخصاً على وجه البحر”. مات كلّ من كان في غرفة القبطان والغرفة في الطابق الأسفل بعدما حاصرتهم المياه، حيث كان فيها أطفال ونساء. “أصحابي ماتوا على صدري وفي حضني خلال السباحة، وبعد 13 ساعة وصلت إلى الشاطئ الرملي في طرطوس. حاولت إنقاذ شخص اسمه عمرو (25 سنة)، لكن الله لم يكتب له العمر وتُوفي قبل الوصول بوقتٍ قليل”.

بغصّة كبيرة، روى جهاد تلك الساعات التي لن تفارق ذاكرته قطّ، “صارلي 3 أيام لا قادر نام ولا قادر آكل”.

هي شهادة من عشرات، خلفها الكثير من المأساة غير المصرّح عنها، وغيرها شهادات غرقت مع القارب ولن تصلنا. بات لبنان يضيق بالقاطنين فيه، إلّا أنّ هذه الشهادات ينبغي أن تكون نصب عينَي من يفكّر، ولو لحظة، في الهجرة غير الشرعية مع مافيات المراكب.