IMLebanon

هل يكون للترسيم ثمار في مؤتمر دولي مرتقب؟

كتب ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:

الترسيم تمّ. وما يجب النّظر إليه بموضوع هذه الصفقة ليس التفاصيل التي تمّ الاتّفاق عليها بل الحيثيّات التي رافقت هذا الملفّ، إضافةً إلى أداء المفاوِضَين اللبناني والاسرائيلي، مع الأخذ بعين الاعتبار دور الأميركي، راعي هذه الصفقة. ولا يمكن في مقاربة هذا الملفّ إغفال الوضع اللبناني المتأزّم والذي على ما يبدو من معطيات خارجيّة لن يُترَكَ لأطراف النزاع في لبنان ملء الحرّيّة لاستغلاله في الحسابات السياسيّة الدّاخليّة.

الترسيم صار أمراً واقعاً منجَزاً، مع تحذيرٍ إسرائيليٍّ يميني باعتباره من الصفقات السيئة، على حدّ ما صرّح رئيس الوزراء السابق نتانياهو. ولم تكن هذه الصفقة لتتمّ لو لم تؤخذ ضمانات من الراعي الأميركي لضبط أداء منظمة حزب الله.

وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الضمانات قد طلبها لبنان أيضًا، ولعلّ موضوع الضمانات هو العائق الوحيد الذي أخّر توقيع هذا الاتّفاق حتّى الساعة. والخشية الاسرائيليّة تكمن في عدم الثقة بأخذ الضمانات إلا من قبل الدّولة اللبنانيّة. هذه الدّولة العاجزة اليوم عن استعادة استقامتها الدّستوريّة التي نجحت المنظمة المسلّحة بتعطيلها بالتّعاون مع منظومة الفساد برئاسة هذا العهد.

وفي السياق عينه طالبت شركة توتال المفاوض الأميركي بضمانات لتتمكّن من بدء التنقيب في المنطقة الاقتصاديّة للبنان فور الاتّفاق النهائي، على حدّ ما صرّح رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أمس من بعبدا. وواشنطن قدّمت هذه الضمانات.

ذلك كلّه والحلّ المقترح من المفاوض الأميركي سيسمح للبنان باعتبار خطّ الطفافات منطقة متحفّظ عنها. وهذا ما سيجعل هذه المنطقة بحكم المعلّقة، وقد تبقى ورقة ضغط بيد منظمة حزب الله. مع الأخذ بعين الاعتبار دائماً تسويق أمين عام هذه المنظمة بأنّ منظمته بحركتها المقاوِمة، كما يعتبرها هو نفسه، هي خلف الدّولة بكلّ ما قد تقرّره سلطتها الدّستوريّة. وبالطبع ما هذا القبول إلا لأنّ سلطته وسطوته على هذه الدّولة باتت فاقعة جدّاً.

وعلى حدّ ما سرِّبَ من الاعلام الإسرائيلي حول إمكانيّة توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في العشرين من تشرين الأول في مقر قيادة اليونيفيل في الناقورة مع التأكيد اللبناني الذي صدر من نائب رئيس مجلس الوزراء الياس بو صعب بأنّ « الترسيم لا يعني التطبيع»، فهل قبول إسرائيل بهذه الصفقة سيبقى مرهوناً في حال وصول نتانياهو إلى الحكم بعد الانتخابات الاسرائيليّة المرتقبة في الأوّل من تشرين الثاني المقبل، والتي ستكون الخامسة في غضون 3 سنوات ونصف، حيث فشل خلالها نتنياهو ثلاث مرات بتشكيل حكومة؟ وهل ستستمرّ الحكومة المقبلة بهذا الاتّفاق أم ستعمل على تطييره ضاربة عرض الحائط الضمانات الأميركيّة والفرنسيّة كلّها؟

أمّا على صعيد الأزمة اللبنانيّة فيترقّب لبنان غدًا زيارة وزيرة الخارجيّة الفرنسيّة « كاترين كولونا» التي ستحمل رسائل تحذيريّة من عمليّة فرض الفراغ في موقع الرئاسة الأولى. وذلك من منطلَق تقاسم الأدوار في السياسة الخارجيّة بين فرنسا والولايات المتحدة.

فلا يمكن أن تقبل فرنسا بنجاح الأميركي في إدارة ملفّ مفاوضات الترسيم على وقع ارتفاع احتمال فرص الفراغ الرئاسي، الملفّ الذي توليه فرنسا الشأن الأبرز، أمرًا واقعًا بعد آخر التصريحات للنواب الجدد الذين على ما يبدو قد حسموا أمرهم بعدم السير بالمرشّح الرئاسي الذي تدعمه المعارضة اللبنانيّة أي النائب ميشال معوّض.

ولا يمكن في السياق الرئاسي القفز فوق مواقف منظمة حزب الله المعلنة بضرورة الانتهاء من الموضوع الحكومي. وما كتبه نائب الأمين العام الشيخ أمين قاسم في موقع تويتر أنّ»الآن أصبح هذا الاهتمام بالنسبة إلينا أكثر لأنَّ المهمة الأولى لهذه الحكومة أن تنقذَ لبنان من التخبط السياسي الذي يمكن أن يقع عندما يأتي وقت الاستحقاق الرئاسي»؛ هذا مؤشّر مؤكّد وحاسم على رفض منظمة حزب الله ابتزاز رئيس حركة عون – باسيل لها، حتّى تقدّم الموضوع الحكومي على الموضوع الرئاسي وصار البحث في كيفيّة إدارة هذا الفراغ شبه المؤكّد.

هذا كلّه، وتشهد علاقة حلف 6 شباط 2006 توتّرًا جديدًا بعدما عيّن دولة الرئيس برّي الخميس 13 تشرين موعدًا لجلسة الانتخاب. فهل سيسير حزب الله حليف مسبّب 13 تشرين معه، ويدعمه بمقاطعة الجلسة فتطيير النّصاب؟ ولعلّ هذا ما قد يعيد الجدل الدّستوري حول قضيّة النصاب في الجلسة المقبلة حول دستوريّة الثلثين، إذا ما تمّت.

ومن الممكن بهذا الصدد ألا يسير الحزب مع حليفه لأنّه ليس في وارد ضرب مصداقيّة الرئيس برّي الدوليّة، الحليف السرمدي له. ما قد يدفع بنوّاب التيار إلى الحضور والمقاطعة خارج البرلمان لتسجيل موقف لا يتخطّى الحدود الشعبويّة كما اعتدنا على ذلك.

وممّا لا شكّ فيه أنّ زيارة الوافدة الفرنسيّة ليست زيارة ودّيّة بقدر ما قد تكون زيارة تحذيريّة. فالفرنسي ليس مستعدًّا أن يغامر أكثر برصيده في السياسة الخارجيّة الذي هو من الأساس غير مرضيٍّ عنه دوليًّا. ومن الممكن أن يتمّ استغلال هذه الناحية من قبل سلطة إيران في لبنان في محاولة للذهاب إلى مؤتمر دوليّ ما، قد يكون أقلّ من الطائف وأكثر من الدّوحة لتثبيت ما وُعِدَت به منظمة حزب الله بعد تقديمها التنازلات، ومن حساب اللبنانيّين طبعاً، في ملفّ مفاوضات الترسيم.

ويبدو في هذا السياق أنّ مختلف الأطراف اللبنانيّة باتت على استعداد شبه تام لهكذا مؤتمر، وهي تترقّب اللحظة المؤاتية دوليًّا وإقليميًّا. وممّا لم يعد خافياً على أحد أنّ لمنظمة حزب الله ممثلة إيران في لبنان مشروع المثالثة، بينما البطريركيّة المارونيّة قد طرحت جهاراً مشروع حياد لبنان وتطبيق اتّفاق الطائف، مقابل تشديد الفريق السيادي على طرح اللامركزيّة الموسّعة، مع ارتفاع أصوات المطالبين بالمشاريع الفدراليّة الإتّحاديّة على وقع شيطنتها من قبل سلطة إيران في لبنان، والتسويق على أنّها مشاريع تقسيميّة؛ فيما على ما يبدو أنّ الطرح الكونفدرالي قد يكون بديل المثالثة والفدراليّة المقبول من الأطراف كلّها، شرط أن يقرّ حياد السلطة المركزيّة.

وتزامن ذلك مع مواقف واضحة من الخارجيّة الأميركيّة تؤكّد على «انتخابات رئاسية في موعدها مع حكومة قادرة على السير بالاصلاحات السياسية والاقتصادية الضرورية لإحداث تغيير والترويج لحكم رشيد ينقذ الاقتصاد اللبناني، ويعيد الانتظام لمؤسسات الدّولة.» فهل التغيير الذي يلمح إليه الأميركي يتناسب مع أجندة وزيرة الخارجية الفرنسيّة؟

يبقى الترقب سيّد الموقف مع ازدياد نسبة مؤيّدي المرشّح الرئاسي ميشال معوّض الذي نجح بفرملة الاندفاعة الرئاسيّة لسلطة إيران في لبنان؛ مع احتمال بروز أسماء جديدة سيطرحها النواب الجدد.

ذلك كلّه بوجه ورقة بيضاء معطِّلَة للمومنتم الرئاسي، ومعطَّلَة بانتظار التسويات والمفاوضات الدّوليّة. فهل سيقدر الفريق السيادي اللبناني أن يحافظ على قدرته في لبننة استحقاق رئاسة الجمهوريّة وبعده الجمهوريّة برمّتها؟ أم سيخضع هذا الفريق أيضاً لعصف المؤتمرات الدوليّة لحلّ القضيّة اللبنانيّة بعدما دَوَّلَها ملفّ الترسيم؟