IMLebanon

معوض وفرنجية من الصراع على زعامة زغرتا إلى الرئاسة

كتب سعد الياس في القدس العربي:

لم تفض الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس جديد للبنان عن أي رئيس، لكنها سجّلت تقدماً لمرشح الكتل السيادية النائب ميشال معوض بعدد الأصوات التي ارتفعت من 36 صوتاً في الجلسة الأولى إلى 42 في الجلسة الثالثة وكان يمكنها أن تصبح 44 لولا غياب نائبين مضمونين.

وما زالت القوى السيادية متمسكة بترشيح معوض وتطالب النواب التغييريين والمترددين بالانضمام في الجلسة الرابعة المقررة غداً الاثنين للتصويت لمعوض فينال حوالي 65 صوتاً الأمر الذي يعزّز أوراقه ويتيح التفاوض بقوة مع فريق 8 آذار الذي ما زال ينظر إلى معوض كمرشح تحد من دون أن يكشف عن هوية مرشحه بسبب عدم حسم الأمر بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ولذلك يستعيض هذا الفريق عن إعلان مرشحه بالتصويت بورقة بيضاء.

ومعوض هو نجل الرئيس التاسع للجمهورية اللبنانية ونجل ثاني رئيس منتخب يتعرّض للاغتيال بعد الرئيس بشير الجميل. وقد انتخب والده بين حربين: حرب التحرير التي أعلنها الجنرال ميشال عون كرئيس للحكومة العسكرية وقادت إلى اتفاق الطائف وحرب الإلغاء التي أعلنها عون أيضاً وقادت إلى دخول الجيش السوري إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع. وقد وقع الاختيار حينها على معوض بعد اتفاق الطائف نظراً لعلاقاته الشخصية وقدرته على التفاوض والحوار، ولحيازته على ثقة مختلف الفاعليات وخصوصاً القيّمين على مقاليد الحكم في لبنان، إضافة إلى وضوح خطه الوطني وتشبثه بالثوابت والمسلمات الوطنية.

ولم تكن جلسة انتخاب رينيه معوض شبيهة بجلسات انتخاب نجله ميشال، إذ لم تشهد أي تعطيل للنصاب وكان فيها أكثر من مرشح. وفي بداية الجلسة التي انعقدت في مطار القليعات بعد 409 أيام من الفراغ الرئاسي أعلن النائب مخايل الضاهر أنه غير مرشح، فيما استمر النواب رينيه معوض وجورج سعادة والياس الهراوي بالترشح. فنال معوض 35 صوتاً وسعادة 16 صوتاً والهراوي 5 أصوات. وجرت على الأثر دورة ثانية أعلن خلالها النائبان سعادة والهراوي انسحابهما ففاز معوض بأكثرية 62 صوتاً ووجدت 6 أوراق بيضاء.

قبل جلسة الانتخاب، لم ينشط رينيه معوض كثيراً في انتخابات الرئاسة عام 1988 وترك الأمر لمرشحين آخرين، لكنه نشط منذ إعلان حرب التحرير وكأنه توقّع أن تؤدي هذه الحرب إلى انتخابات رئاسية. وعندما اجتمع النواب في الطائف راح معوض يتصرف وكأنه واثق من النجاح. ولم يكن أحد من نواب الطائف يعلم من سيكون رئيس الجمهورية الذي سينهي الفراغ الحاصل في سدة الرئاسة، ولكن البعض القليل منهم توقّع اسم النائب الذي سيكون الرئيس من جراء تعامل رئيس مجلس النواب حسين الحسيني معه.

إذاً كانت العلاقة جيدة بين رئيس المجلس النيابي آنذاك والنائب رينيه معوض خلافاً للعلاقة العادية القائمة حالياً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب ميشال معوض، حيث أن الرئيس بري تربطه علاقة جيدة وقديمة بالقطب الزغرتاوي الآخر سليمان فرنجية وكان يتمنى انتخابه منذ عام 2016 بدلاً من الرئيس ميشال عون الذي التزم به حزب الله ووعده بانتخابه رئيساً. ومن المعروف أي دور يمكن لرئيس مجلس النواب لعبه لتزكية مرشح رئاسي مع الكتل خصوصاً أنه يُمسك بمفاصل اللعبة السياسية والبرلمانية، فكيف مع الرئيس بري الذي يقيم تحالفاً متيناً مع حزب الله، لكنهما لا ينظران كثنائي شيعي بعين الرضى لشخصية ميشال معوض ولا لمواقفه الواضحة غير الملتبسة وغير الرمادية من موضوع بناء الدولة ومن سلاح الحزب.

ولعلّ الثنائي الشيعي يدرك ما حصل بين معوض الأب ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام بعد انتخابه، إذ إن أول طلب للرئيس معوض من خدام كان أن تقوم دمشق بسجب جيشها من منطقة البترون وزغرتا لتثبت بالدليل الحسي أن اتفاق الطائف لا يرمي إلى تشريع وجود الجيش السوري في لبنان إلى الأبد، بل إلى برمجة انسحابه تدريجياً. كما أن معوض الأب لم يرُق له أن يطلب منه خدام توزير عدد من الأسماء في أول حكومة للعهد حيث خرج الرئيس المنتخب من الاجتماع وعلامات عدم الارتياح بادية على وجهه. لذلك يفضّل حزب الله الابتعاد عن مرشح لا يساوم على المبادئ ولا على السلاح خارج الدولة لصالح مرشح يغطّي سلاحه مسيحياً كما فعل الرئيس عون، ولذلك يميل حزب الله أكثر إلى سليمان فرنجية الذي يجاهر بالدفاع عن «الخط».

أما ميشال معوض فهو أخذ عن والده مفهومه للدفاع عن الدولة وسمع منه أهمية رئيس الجمهورية كرمز للدولة، وهو الذي كان يقول بعد انتخابه «أريد أن أعيد إلى الرئاسة الصورة التي كانت تتحلّى بها قبل الحرب» رافضاً البقاء لاجئاً في مقر مؤقت في الرملة البيضاء ومتطلعاً إلى مكانه الطبيعي في القصر الجمهوري في بعبدا. ولما كان رينيه معوّض يعيش هاجس الاغتيال بدون أن يترك هذا الهاجس يتحكّم بعقله وتصرفاته، فهو أوصى نجله ميشال بتحمّل المسؤولية عندما قال له في اللقاء الأخير «يمكن بكرا ينتخبوني وبعدها يغتالوني، أنت مسؤول يا ميشال، عن أمك وأختك».

وهكذا بدأ معوض الابن الإعداد والاستعداد للمستقبل مروراً بمرحلة انتقالية حملت فيها والدته النائبة والوزيرة السابقة نائلة معوض المشعل إلى حين نضوج الظروف التي سمحت لابنها بالانخراط في العمل السياسي حيث شارك في «لقاء قرنة شهوان» الذي رعاه البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في وجه الوصاية السورية وأسّس «حركة الاستقلال» وانضم إلى قيادة قوى 14 آذار، ليخوض بعدها تجربة الانتخابات النيابية في قضاء زغرتا حيث الصراع على الزعامة المارونية في الدائرة بينه وبين فرنجية والذي تحوّل إلى صراع على الرئاسة.