IMLebanon

حكومة لزوم ما لا يلزم

كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء  :

يتفق عدد كبير من أساتذة القانون الدستوري على أن شغور مركز رئاسة الجمهورية بسبب عدم قدرة مجلس النواب على انتخاب رئيس، هو العلة الأساسية، ويقول هؤلاء: إن أي حكومة موجودة إبان مرحلة الشغور يمكن أن تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، مهما كان نوعها، سواء كانت عادية او حكومة تصريف أعمال او حكومة مؤلفة حديثا ولم تتمكن من عرض بيانها الوزاري على مجلس النواب، وبالتالي ليست حاصلة على الثقة، لكن خطورة تأليف حكومة جديدة لا تتمكن من الحصول على ثقة البرلمان في غياب رئيس للجمهورية، كبيرة جدا، لأنها ستعتبر مستقيلة حكما وفقا لما جاء في الدستور، وعند ذلك قد يقع المحظور القانوني، لأنها لا يجوز أن تصرف الأعمال في هذه الحالة، لأن تصريف الأعمال تكليف ينيطه رئيس الجمهورية بالحكومة عندما تستقيل، او عندما تعتبر مستقيلة، والمبدأ لا يسمح بأن تعطي الجهة ذاتها صلاحية لنفسها، وبالتالي فإن وضعية استمرارية المرفق العام قد لا تنطبق على مثل هذه الحالة، خصوصا عند وجود نص دستوري واضح.

يجهد التيار الوطني الحر، ومن خلفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تأليف حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس في 31 من الشهر الجاري، ويساعدهم حزب الله بكل قواه، وهدفهم الحصول على أكبر عدد من الوزراء الموالين، وبالتالي الإمساك بصلاحيات رئيس الجمهورية التي ستتولاها الحكومة وكالة، لأن رئيس التيار النائب جبران باسيل بدأ منذ الآن يسوق لنظرية تحريضية تقول: إنه لا يجوز لرئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي تولي مهام الرئاسة الأولى. وفي هذه المقاربة تأكيد من باسيل أن انتخاب رئيس جديد مسألة بعيدة المنال حاليا.

أما حزب الله الذي يمارس الضغط على الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة الجديدة قبل انتهاء ولاية عون يهدف من وراء هذا الضغط إرضاء حليفه المسيحي جبران باسيل من جهة، ويضمن قدرة تعطيل أي قرار يمكن أن تتخذه حكومة ميقاتي نيابة عن رئيس الجمهورية في مواضيع حساسة، ومنها مسألة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وملف الكهرباء وطلب توسيع مهام القوات الدولية وتحقيقات تفجير مرفأ بيروت.

المعلومات المؤكدة تشير الى عدم قدرة ميقاتي على التصدي للضغوطات الهائلة التي يتعرض لها للقبول بتأليف الحكومة، لكنه يجهد لرفض بعض الشروط القاسية التي تطلب منه، وأهمها تغيير عدد من الوزراء وتعيين موالين لباسيل بدلا عنهم. ومنهم المستشار الرئاسي سليم جريصاتي، وفرض توزير درزي ثان من حصة حلفاء التيار الوطني الحر بديلا عن وزير المهجرين عصام شرف الدين، وهو ما يتنافى مع قواعد النظام البرلماني، لكون حلفائه فشلوا في الانتخابات من جهة، ومن جهة ثانية قد تتعرض الحكومة لخلل ميثاقي إذا حجب كل النواب الدروز الثقة عنها.

الأولوية يجب أن تكون لانتخاب رئيس للجمهورية، لأن تأليف حكومة جديدة لزوم ما لا يلزم، وهي محاولة جديدة لفرض استبداد سياسي على اللبنانيين يشبه ما عاشوه في السنوات الثماني الماضية، وأدى الى ما أدى إليه من تعطيل وانهيار وخراب. فحكومة تصريف الأعمال الحالية أقوى مشروعية من حكومة جديدة لا تعبر عن التمثيل الذي أفرزته الانتخابات النيابية الأخيرة. والقوى الجديدة ترفض مشاركة باسيل بحكومة له فيها ثلث معطل يتحكم بعملها، على غرار ما حصل مع حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2019، بحيث كان باسيل يعطل نصاب أي اجتماع لمجلس الوزراء لا يرضى عن قراراته مسبقا، وكان يمنع وزراءه من الحضور.

باسيل يهدد بالفوضى وبضرب الاستقرار إذا لم تشكل حكومة جديدة، لكنه سيكون أول من يدفع ثمن الفوضى إذا ما حصلت، لا قدر الله.