IMLebanon

بعد إضاعة سنوات.. عون يغادر ولبنان يطوي أسوأ العهود

كتب سعد الياس في “القدس العربي”:

يغادر الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم قصر بعبدا مسلّماً البلد إلى فراغ بعد 6 سنوات على اعتلائه سدة الرئاسة الأولى التي تسلّمها باعتباره «الرئيس القوي» لكنه لولا إنجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في نهاية ولايته الذي تحقق بضغط أمريكي ومساعدة فرنسية وقطرية لكان عون خرج من الرئاسة مستحقاً لقب «الرئيس الأضعف» أو «العهد الأسوأ».

فقد صحّ قول عون إننا ذاهبون إلى «جهنّم» وشهد عهده بين 2016 و2022 أسوأ انهيار للاقتصاد ولليرة وللمصارف وللمستشفيات والمدارس، وشهد أكبر سقوط للبنانيين في الفقر وأوسع هجرة شرعية عبر المطار وأوسع هجرة غير شرعية عبر قوارب الموت. ولم يترك هذا العهد حليفاً له إلا حزب الله الذي نمَت دويلته على حساب الدولة، فهو استعدى كل الأطراف السياسية ومارس أبشع السياسات الكيدية مع الخصوم وعزل لبنان عن محيطه العربي وعن العالم وكاد يتسبّب بتهجير اللبنانيين العاملين في دول الخليج نتيجة مواقفه وبسبب تغطيته حملات حزب الله ضد الدول العربية والخليجية.

إلا أن اللافت رغم كل الفشل والانهيارات والأزمات التي رافقت هذا العهد هو حالة الإنكار التي ما زال يعيشها الرئيس عون وتياره برئاسة جبران باسيل الذي بلغ به الأمر حد القول إنه «الرئيس عون دخل التاريخ قبل أن يدخل إلى بعبدا» قافزاً فوق كل الأزمات التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها إلا في عهد عون وأبرزها تفجير مرفأ بيروت.

وليس سراً أن جبران باسيل لعب الدور الأبرز في الولاية الرئاسية وكان «الرئيس الظل» الذي تمر من خلاله العلاقة مع «الرئيس الأصلي» وتحمّل مسؤولية الكثير من الأخطاء والخطايا واستحق صفة أكثر شخصية مستفزّة خصوصاً بعد انقلابه أولاً على اتفاق معراب ثم على الرئيس سعد الحريري وتسبّبه بحادثة قبرشمون مع الحزب التقدمي الاشتراكي ووصفه رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ «البلطجي».

قبل كل تلك الانقلابات، أمكن للعهد تحقيق بعض الأمور المضيئة وفي طليعتها رفض السير بقانون الانتخاب المقر عام 2000 المعروف بقانون غازي كنعان أو بقانون 1960 القائم على الأقضية بسبب انتقاصه من صحة التمثيل المسيحي واتفاقه مع القوات اللبنانية في حزيران/يونيو 2017 على إقرار قانون الانتخاب الحالي على أساس 15 دائرة وفق النظام النسبي الذي بات يسمح للمسيحيين أن ينتخبوا بأنفسهم نحو 57 نائباً من أصل 64.

ثم كانت معركة فجر الجرود التي قام بها الجيش اللبناني في شهر آب/أغسطس عام 2017 ضد مسلحي «تنظيم الدولة الإسلامية» في جرود القاع ورأس بعلبك على الحدود اللبنانية السورية وتمكّن من تحريرها.

بعد تلك الانقلابات، بدأت مسيرة الإخفاقات وسقوط الشعارات الرنانة وأخذ النمو يتراجع رغم الانفاق العشوائي، وانتشرت روائح الفساد والصفقات من استئجار البواخر التركية ومشاريع السدود الفارغة من المياه، وحلّت المحاصصة وشهوة السلطة والتسلّط مكان الإصلاح والكفاءة، وانقطعت الكهرباء وغابت الاستثمارات الخليجية وضُربت السياحة وانتشرت طوابير الذل أمام محطات الوقود والأفران.

أما الشعار الزائف بالدفاع عن حقوق المسيحيين فكاد يوقع البلد أكثر من مرة في فتنة مع رؤساء الحكومات المتعاقبين بهدف ضرب اتفاق الطائف فيما الهدف الحقيقي كان الدفاع عن حقوق التيار. وتسبّب عناد العهد وصهره وحروبهما الالغائية وسياسة النكايات في تضييع ثلاث سنوات بين تكليف وآخر. وإذا كان الرئيس سعد الحريري شكّل حكومته الأولى خلال 46 يوماً فقد استغرق تشكيل حكومته الثانية 253 يوماً وكذلك حصل مع الرئيس حسان دياب ثم مع الرئيس نجيب ميقاتي.

والمستغرب أن العلاقة الجيدة التي طبعت علاقة العهد بالرئيس الحريري الذي مشى بالتسوية الرئاسية التي أوصلت عون إلى بعبدا، وكان من وجوهها دفاع رئيس الجمهورية وصهره عن الحريري إثر أزمته في السعودية وطلب الحريري من مناصريه التصويت لصديقه جبران، عادت وتدهورت بشكل كبير خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر مع تقديم الحريري استقالة حكومته خلافاً لرغبه عون وباسيل وحزب الله.

وفي آخر اطلالات عون الإعلامية أصرّ على غسل يديه من الفشل والزبائنية ملقياً اللوم على المنظومة التي حاول التبرؤ منها ومن فسادها مردداً مقولة «ما خلّونا» ورغم ذلك تعمّد الظهور بمظهر القوي وأنه «جنرال متمرّد» مهدداً كما خلال توليه الحكومة العسكرية الانتقالية بين عامي 1988 و1990 بفوضى من خلال إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة، مطلقاً الاجتهادات الدستورية حول الصلاحيات وكأنه يطلق آخر الرصاصات على مؤسسات الدولة.

وتتمثل حالة الانكار بمحاولة التيار الوطني الحر تنظيم احتفال شعبي من بعبدا إلى الرابية مقر الجنرال الجديد الذي يتردّد أن تكاليف بنائه بلغت 6 ملايين دولار، ويرفع التيار منذ أيام في معظم المناطق اللبنانية اللافتات والشعارات التي تحمل صورة عون يوم كان قائداً للجيش وصورته يوم بات رئيساً مع عبارة «معك مكملين» للدلالة على الشعبية التي ما زال يتمتع بها. ولكن بعدما كانت مجموعات معارضة تتحيّن الفرصة لرشق موكب عون بالبيض والبندورة أثناء سلوكه طريق العودة إلى الرابية، لفت تعميم داخلي من حزب القوات اللبنانية إلى مناصريه لعدم المشاركة في أي تحركات أو احتفالات بإنتهاء ولاية عون تجنباً لأي استفزازات قد تُستغل لإثارة اضطرابات أمنية، فيما عمد البعض في المناطق السنية إلى تمزيق صور رئيس الجمهورية ولاسيما في طرابلس وعكار.

يبقى أن لبنان سيكون أمام مرحلة جديدة وعهد جديد بعد خروج عون من بعبدا ولن تجدي نفعاً محاولات التيار لتحويل نهاية العهد البائسة والخاوية إلى بداية في ظل التراجع وحال الانكماش داخل البيئة المسيحية والتي أظهرتها أخيراً نتائج الانتخابات النيابية.