IMLebanon

لبنان في مأزق لا مخارج متوافرة له؟

كتب فارس خشّان في “الحرة”:

تُهيّئ دول عدّة نفسها للدخول على خط الدفع بالقوى السياسيّة اللبنانيّة إلى “التوافق” من أجل ملء الشّغور الرئاسي المستمر منذ الحادي والثلاثين من تشرين الاول الماضي، تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة ميشال عون.

ودخلت فرنسا، بتوقيت مبكر على الخط، لكنّها لا تزال، على الرغم من الاتصالات التي تُجريها، في طور “تجميع الأفكار”، ولذلك فإنّ الطامحين إلى شغل منصب رئيس الجمهوريّة، وما أكثرهم في لبنان، يتوافدون شخصيًّا أو يرسلون موفدين عنهم الى العاصمة الفرنسيّة، من أجل أن يكونوا في “اللائحة القصيرة” التي سوف تعمل الخليّة الدبلوماسيّة في قصر الإليزيه، بعد اعتمادها بالصورة النّهائيّة، على تسويقها، لبنانيًّا وإقليميًّا، بمساعدة مصريّة وقطريّة.

كلّ ذلك يبدو جيّدًا، طالما أنّ الانقسام اللبناني بلغ مستوى الفوضى، فالمكوّنات الكبرى التي يفترض بها أن تكون في وضعيّة التنافس عاجزة عن توحيد قواها: “حزب الله” فقَد القدرة على التوفيق بين مرشّحه المفضّل سليمان فرنجيّة وحليفه المفضّل “التيّار الوطنيّ الحر” الذي يتزعّمه النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهوريّة المنتهية ولايته ميشال عون، في وقت ثبت فيه عجز القوى المناوئة لـ”حزب الله” عن الاتفاق في ما بينها على مرشّح واحد، فمنها من يرفع لواء النائب ميشال معوّض، ومنها من يفضّل “الورقة الملغاة” ومنها من يبدّل أسماء مرشّحيه كلّ جلسة.

ولكنّ هذه المساعي الدوليّة، وإن كانت بالمطلق “حميدة”، إلّا أنّها تخفي في طيّاتها مشكلة كبيرة سوف يدفع اللبنانيّون ثمنها كما سبق لهم أن تكبّدوا خسائرها الهائلة يوم رُمي بهم في الجحيم.

إنّ التدخّل الخارجي، بصيغته الفرنسيّة، يريد أن يأخذ في الاعتبار مصالح “حزب الله” الاستراتيجية، وهذا يعني أنّ أيّ مرشّح، حتى يصلح للتسويق، يجب أن يُراعي هذا الشرط.

الإشكاليّة في هذا النهج تكمن في أنّ المصالح الاستراتيجية لـ”حزب الله” التي هي جزء من المصالح الإقليميّة لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران”، هي المسؤولة الأساسية عن الانهيار الذي يعاني منه لبنان، إذ إنّها أفسدت العلاقات اللبنانيّة-الخليجيّة “الثمينة جدًّا” ناهيك عن العوائق التي تطرحها، في كواليس المفاوضات بين الدولة اللبنانيّة “الأسيرة” والصناديق والبنوك الدوليّة التي تشترط أن تحرّر الدولة نفسها من قبضة السلاح غير الشرعي، حتى تطمئن الى المستقبل.

وهذا يعني أنّ “المال المحجوب” الذي يحتاج إليه لبنان لبدء مسيرة الإنقاذ الصعبة والشائكة، في ظل وصول الاحتياط الاستراتيجي في مصرفه المركزي إلى مستويات خطِرة للغاية، وفي حال وصول رئيس يراعي شروط “حزب الله”، لن يجد طريقه إلى “بلاد الأرز”.

وعلى هذا المستوى، فإنّ التدخّل الخارجي لدفع اللبنانيّين الى التوافق على “إنتاج” رئيس لهم، حتى يكون فعلًا حميدًا حقًا، يُفترض به، بادئ ذي بدء، إمّا أن يحسم موقف “حزب الله” من المسائل التي تثير الغضب على لبنان، بحيث يعزل نفسه عن الأجندة الإيرانيّة وصراعاتها وحروبها، أو يعدّل في موقف الدول الحيويّة بالنسبة للبنان، بحيث تضع جانبًا ضغوطاتها الهادفة الى دفع السلطات المختصة إلى وضع حدّ لـ”حزب الله” و”تطويعه”.

وإذا كان هذان الطرحان مستحيلين، فماذا يمكن أن يقدّم التدخّل الخارجي، حتى لو نجح، أو يؤخّر، إذا فشل؟

المشكلة الثانيّة، وهي أقلّ تعقيدًا من المشكلة الأولى، تتجلّى في أنّ الدخول الخارجي على خط انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة اللبنانيّة، سيكون عبر بوّابة المبادرة الفرنسية نفسها. هذه المبادرة التي كان قد أطلقها، عقب انفجار مرفأ بيروت الدامي في الرابع من أغسطس 2020 الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من العاصمة اللبنانيّة.

وقد جرى إفشال هذه المبادرة على أيادي من راهنت عليهم، إذ استغلّها “حزب الله” ومعه المنظومة السياسية في لبنان للتعويم، بعدما كانت هذه القوى في أدنى دركاتها، بفعل الضغوط التي أنتجتها ثورة 17 تشرين الاول 2019.

وهذا يعني أنّ القوى التي سبق أن كانت تُمسك بالسلطة في لبنان وتسبّبت في انهياره أو فشلت في منع انهياره، سوف تكون هي المسؤولة عن المرحلة المقبلة، الأمر الذي بدل أن يفتح طريق الإنقاذ سوف يزيد نار جهنّم اتّقادًا.

هل هذا يعني أنّ لبنان في مأزق لا مخارج متوافرة له؟

من حيث المبدأ الجواب عن هذا السؤال تحسمه “نعم” مزعجة، ولكن في الواقع، فإنّ ثمة أفكارًا كثيرة لا بد من التمعّن فيها، فطالما أنّ التدخّل الخارجي “حاصل” و”مقبول”، فإنّ الحل هو بتخصيبه حتى يُنتج مسارً جديدًا، على غرار ما يقترحه البطريرك الماروني بشارة الراعي لجهة عقد مؤتمر دولي من أجل وضع تصوّر متكامل للحلّ في لبنان، بما يُراعي المطالب الداخليّة، من جهة ويأخذ في الاعتبار الضغوط الخارجيّة، من جهة ثانية، فيرسم، بذلك، خارطة طريق واضحة لتطبيق القرارات الدوليّة التي يستحيل على لبنان، بوضعيّته الراهنة، أن يُنفّذ حرفًا واحدًا من حروفها، طالما أنّ المقصود بها سلاح “حزب الله” وهيمنة “حزب الله”.