IMLebanon

في لبنان: “العنف الجنسي” ضد الأطفال يتفاقم… وهؤلاء المتهمون!

كتبت أسرار شبارو في “الحرة”:

“والدي يلمسني ويقبلني في أماكن حساسة من جسدي.. هو الخبر الذي أطلعتني عليه ابنتي ذات الأعوام السبعة مشكّلاً صدمة لي. لم أصدقه بداية ثم حاولت إنكاره الى ان تقبلت الواقع بأن من يفترض أن يكون الأمان لابنتي كان المتحرش بها”.. كلمات قالتها سناء (اسم مستعار)، التي روت أفظع ما يمكن أن تعيشه أم وطفلتها في مجتمع الحديث فيه عن العنف الجنسي لا يزال “تابو” (أمر محرم).

في أحد أيام شهر أيلول الماضي، كانت سناء تجلس مع ابنتها، حين أطلعتها أنها عندما تكبر ستخبرها بأمر ما، فكان جواب الأم أخبريني الآن لأساعدك فربما عندما تكبرين لن أتمكن من ذلك، فبدأت تسرد لها ما يفعله والدها معها، تقول الوالدة لموقع “الحرة” “تعاملت بداية مع الأمر بهدوء، وضعت إمكانية أن تكون صغيرتي كاذبة، لكن التفاصيل التي تحدّثت عنها لا يمكن لطفلة أن تعلم بها ما لم تكن فعلاً قد حصلت معها، عندها جن جنوني وقررت مواجهة والدها، الذي وضعتها وشقيقها بعهدته بعد انفصالي عنه قبل سنتين”.

لم ينكر الوالد، البالغ من العمر 33 عاماً، ما كان يقوم به مع ابنته، لكن تبريره كان أفظع من فعلته حيث قال لطليقته “كنت أراك بها”، والأفظع منه كما تشير سناء “أهله الذين طلبوا مني التكتم على الموضوع وعدم إحداث بلبلة، لكني سارعت إلى المخفر وتقدمت بشكوى ضده، سُئلت إن كان لدي إثبات على ما أدعيه، لاسيما أن الطبيب الشرعي أكد عدم تعرض طفلتي للاغتصاب، لكن كيف لي أن أثبت أن والدها تحرش بها على مدى سنتين، ليتم بعدها الاستماع إليها من قبل حماية الأحداث، وإلى الآن لم يحضر طليقي إلى المخفر للتحقيق معه”.

بدأت ابنة سناء (من طرابلس شمال لبنان) جلسات علاج نفسي، وتقول “بدأ يظهر عليها ردود فعل عنيفة، ربما من باب محاولة إثبات الذات وأنها قوية الشخصية، في حين لم تعد تذكر اسم والدها، وها أنا أعمل كل ما في وسعي لكي أساعدها على تجاوز هذه المرحلة الصعبة جداً من حياتها، بسبب والد مدمن على المخدرات، لم يخجل من فعلته، وبكل وقاحة يطلب رؤيتها وشقيقها الذي يكبرها بعامين، وهو ما أرفضه بشدة خوفاً عليهما منه”.

رصدت جمعية “حماية” تزايد حالات العنف الجنسي ضد الأطفال من %10 عام 2020الى12% عام 2022، حيث سجلت الجمعية، 2193 حالة عنف في العام 2020، منها 248 حالة عنف جنسي، ووصل الرقم في العام 2021 الى 2111 حالة منها 80 حالة عنف جنسي، وحتى أيلول من هذا العام تم تسجيل 1725 حالة من بينها 203 عنف جنسي.

وتوزعت حالات العنف المسجلة هذا العام بين 46% للإناث و54% للذكور، وقد ظهر أن غالبية المعنَّفين هم من الأطفال السوريين بنسبة %74، يليهم اللبنانيون بنسبة 25 % و1 % من جنسيات أخرى، كما ظهر ان %51 من حالات العنف الجنسي المسجلة في الجمعية خلال عامي 2021 و2022 قام بها مقربون من الاسرة.

وفي حزيران الماضي قال ممثل “اليونيسف” في لبنان إن “المعلومات والتقارير التي يتم تداولها في وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي عن ممارسات عنفية جنسية وجسدية جسيمة في حقّ الأطفال، هي مؤشر إضافي إلى تزايد مظاهر العنف ضد الأطفال في لبنان”.

أسباب ازدياد العنف الجنسي
يتكون العنف الجنسي بحسب الأمم المتحدة “من مجموعة من الأفعال الجنسية الممارسة ضد الطفل، منها، على سبيل المثال لا الحصر، الانتهاك الجنسي للأطفال، وسفاح المحارم، والاغتصاب، والعنف الجنسي في سياق المواعدة/العلاقات الحميمة، والاستغلال الجنسي، والانتهاك الجنسي عبر الإنترنت، والانتهاك الجنسي دون اتصال”.

أسباب عدة أدت إلى ارتفاع نسبة العنف الجنسي ضد الأطفال في لبنان، منها كما تقول باسمة رماني بلوط، (من قسم المناصرة والحماية القضائية في جمعية حماية)، “ازدياد نسبة التفكك الأسري من انفصال وطلاق وغيرهما، والأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على عدد كبير من المجتمعات، والاستعمال غير الموجه لوسائل التواصل الاجتماعي من قبل الأطفال وسهولة استغلالهم واستدراجهم من قبل البعض للقيام عبر هذه الوسائل بأعمال جنسية”.

تشرح رماني في حديث لموقع “الحرة” أن “والدي الطفل اللذين يفترض أن يستمعا له، شغلهما همّ تأمين قوت العائلة، وبالتالي لم يعد بإمكانهما إعطائه نوعية الوقت التي يحتاجها، كذلك الحال في العائلات الميسورة حيث إن مشاغل أخرى تلهيهم عن أطفالهم، لكن في ذات الوقت ظهر من خلال تقييمنا الحالات التي ترد إلى الجمعية أن نسبة الوعي لدى الأطفال ارتفعت، حيث أصبحوا يميزون إن كان ما يمارسه الآخرون تجاههم محبة أم تحرش واعتداء”.

وسبق أن حذرت “اليونيسف”، في تقرير أصدرته في كانون الثاني 2021، بعنوان “بدايات مظاهر العنف”، من “تزايد حالات العنف ضد الأطفال والشباب الذين يتعرّضون للعنف والاستغلال الجسدي أو العاطفي أو الجنسي، بحيث تكافح الأسر للتعامل مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد”، وأضافت “ما من شيء يبرّر العنف ضد الأطفال، ومن غير المقبول إساءة معاملة الأطفال وارتكاب العنف ضدهم”.

كذلك أكدت رئيسة “الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان”، أميرة سكر، ارتفاع عدد ضحايا الأحداث الذين يعانون من العنف الجنسي تحديدا، قائلة في حديث لموقع “الحرة” “عندما نتحدث عن الأطفال نقصد الذكور والإناث على حد سواء، أما الأسباب التي تؤدي إلى ذلك فهي غياب الوالدية الايجابية والمراقبة من قبل الأهل، وتفاقم القدرة على الوصول إلى المواقع الإباحية عبر الإنترنت من دون رقابة، بالتالي إمكانية التحرش بالأطفال واستغلالهم بمواضيع مخلة بالآداب والحشمة، مما يؤثر على صحتهم النفسية، من هنا أدعو إلى ضرورة انتباه الأهل على أطفالهم وتشديد رقابة القوى الأمنية على هذه المواقع”.

وكانت الأمم المتحدة لفتت إلى أن “الأطفال يقعون ضحايا للانتهاك والاستغلال الجنسيين باستخدام شبكة الإنترنت. وقد سُجلت زيادة في البث المباشر للانتهاك الجنسي باستخدام شبكة الإنترنت، والابتزاز الجنسي، والاستمالة. وقد أضحى الأطفال أيضا عرضة، بشكل متزايد وباستخدام شبكة الإنترنت، لمواد الاعتداء الجنسي على الأطفال والمحتوى غير اللائق مثل المواد الإباحية”.

ينتشر العنف الجنسي، كما تقول أخصائية علم النفس هيفاء السيد، على نطاق واسع حول العالم، “فهو من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً وشيوعاً، حيث يقع في مختلف الظروف، في السلم والحرب، وان كانت الحروب تساهم في تأجيج هذا النوع من العنف نتيجة انعدام سيادة القانون والإفلات من العقاب”.

وبعد أن عرّفته بأنه “شكل من أشكال التواصل الجنسي سواء كان لفظياً أو بدنيّاً، ينفذه المعنّف، أو يهدد، أو يحاول تنفيذه دون موافقة الضحية”، وأكدت لموقع “الحرة” أن أسبابه متعددة، إذ “تشمل الظروف الاجتماعية غير المستقرة وتدهور الوضع الاقتصادي إضافة إلى المتعة الجنسية والاعتلال النفسي والسادية وفرض السلطة ومواقف ضد الضحية وضغوطات تطورية”.

عقوبة غير رادعة
نصت المادة 34 من الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل التي صادق عليها لبنان، على تعهد الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال والانتهاك الجنسي، واتخاذها جميع التدابير لمنع إكراه الطفل على تعاطي أي نشاط جنسي أو استغلاله في الدعارة او غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة والاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة.

وتعاقب المادة 505 من قانون العقوبات اللبناني كل من جامع قاصراً دون الخامسة عشرة من عمره بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تنقص عن خمس سنوات، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان الولد لم يتم الثانية عشرة من عمره، ومن جامع قاصراً أتمّ الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة عوقب بالحبس من شهرين الى سنتين.

أما المادة 506، فتنص على أنه إذا جامع قاصراً بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة أحد أصوله شرعياً، كان أو غير شرعي أو أحد أصهاره لجهة الأصول، وكل شخص يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية أو أحد خدم أولئك الأشخاص، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة.

ويُقضى بالعقوبة نفسها إذا كان المجرم موظفاً أو رجل دين أو كان مدير مكتب استخدام أو عاملاً فيه فارتكب الفعل مسيئاً استعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدها من وظيفته.

وتعتبر رماني أن “العقوبة القضائية في لبنان ليست بمستوى حجم الجريمة، خاصة أن السجون اللبنانية عقابية وليست تأهيلية، عدا عن أن بعض المحققين يطلبون الدليل في قضايا التحرش، وهو أمر صعب جدا، حيث يقتصر الأمر على كلام الطفل مقابل كلام المتحرش الذي ينكر دائما فعلته، لذلك نطالب بأن تكون التحقيقات متعددة الوجوه والأبعاد وأن تكون أكثر جدية”.

وتشير إلى اعتكاف القضاة، وتأثيره سلباً على سير العدالة، “إذ للأسف لا تتدخل النيابات العامة إلا في حال وقوع جريمة كبرى كاغتصاب وقتل ضحية ما، حتى وإن تدخلت في قضايا التحرش فإن الأمر يستغرق وقتاً أطول، كي يستجيب المدعي العام ويوافق على متابعة القضية”.

كما أن تعريف العنف فضفاض في القانون 422/2002 الذي تطالب جمعية حماية، كما تقول رماني، تعديل العديد من مواده بما يتوافق مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، حيث تعتبر المادة 25 منه أن الحدث مهدد في حالات محددة منها “إذا وُجد في بيئة تعرّضه للاستغلال أو تهدد صحته، أو سلامته أو اخلاقه أو ظروف تربيته، وإذا تعرّض لاعتداء جنسي أو عنف جسدي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي.”

وعلى رأس المواد التي تطالب الجمعية بتعديلها، كما تقول رماني “تلك المتعلقة بإسقاط الجرم بمرور الزمن، وذلك لكي يتمكن الأشخاص الذين تعرضوا للاعتداء أو التحرش في طفولتهم من معاقبة المجرم متى قرروا اتخاذ هذه الخطوة، حتى ولو مرّ على الجريمة ما يفوق العشر سنوات”.

كذلك يجب أن ينص القانون، كما تشير على “اتخاذ إجراءات جذرية بحق الأهل الذين يهملون حاجات أطفالهم، بحيث تصبح القرارات الصادرة عن قاضي الأحداث إلزامية، سواء فيما يتعلق بجلسات تمكين الاهل حول موضوع القدرات الوالدية أو الزامهم بمتابعة نفسية واجتماعية، كونهم في مكان ما قد يكونون جزء من المشكلة من حيث طريقة تعاملهم مع طفلهم”.

من جانبها دعت سكر “كل الأشخاص العاملين في أماكن تضم أطفالاً إلى الانتباه من وجود متحرش يظهر المحبة وفي باطنه الشر، والى تشديد عقوبة التحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال، والتي تتدرج بين الجنحة والجناية أي أن عقوبتها بين أشهر وسنوات معدودة، في حين أن الطفل يعاني من آثار هذا العنف مدى الحياة”.

آثار وتحذيرات
تظهر الآثار النفسية للعنف الجنسي على الطفل كما تشرح هيفاء “بكثرة الكوابيس أثناء النوم والقلق والرعب المستمران، العزلة والانطواء وتدني التحصيل الدراسي، والصدمة والشعور بالخجل ووصمة العار التي ترافق الضحية، عدا عن خطورة الإصابة بأمراض جنسية معدية، Yضافة إلى آثار اقتصادية وجسدية تظهر بعواقب نفسية طويلة الأمد في حال لم يعالج الضحية من الصدمة، منها اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق والعزلة وصعوبة الثقة بالآخرين أو تكوين صداقات، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأكل والنوم وقلّة النظافة والعداء، لأن العنف الجنسي يخلق بيئة من الخوف والاضطهاد”.

كذلك دعت رماني الوالدين إلى “الانتباه لأي تغيير في الروتين اليومي لأطفالهم، فالطفل يحاول التعبير عما حصل معه بطريقة معينة، فإذا لم يعبّر لفظيّاً، فإن جسده قد يعبّر أحياناً بحالات مرضية معينة، أو انكفاء عن الاصدقاء كما يمكن أن يصبح عنيفاً، أو حين يصبح لديه سلوكيات معينة كالوعي الجنسي المبكر نسبة لسنّه، فكل ولد يتأثر بطريقة معينة ويعبّر عن ذلك بطريقة مختلفة عن الآخر”.

تشير الأمم المتحدة إلى أن الصمت والوصم “يحيطان بالعنف الجنسي ضد الأطفال اللذان يستندان إلى الأعراف الاجتماعية الضارة وعدم المساواة بين الجنسين. ونتيجة لذلك، لا يفصح العديد من الضحايا عن تجاربهم أو لا يلتمسون المساعدة. ومرد ذلك إلى أسباب شتى، لكنها يمكن أن تشمل الخوف من الانتقام، والتجريم، والشعور بالذنب، والشعور بالعار، والارتباك، وانعدام الثقة في القدرات أو عدم استعداد الآخرين للمساعدة، والافتقار إلى المعرفة بما يكون متاحا من خدمات الدعم”.

وتؤكد المنظمة الأممية أن “الممثلة الخاصة تعمل مع طائفة واسعة من الشركاء بغية تعزيز اتخاذ إجراءات أقوى لإنهاء العنف الجنسي ضد الأطفال والدعوة إلى ما يلي: وضع أطر قانونية شاملة لحماية الأطفال وضمان مساءلة الجناة وكفالة وصول الضحايا إلى سبل الانتصاف، واتخاذ تدابير لمكافحة الأعراف الاجتماعية التي تديم العنف الجنسي؛ وتقديم خدمات متكاملة ومراعية للضحايا من الأطفال، ووضع آليات لتقديم الشكاوى والإبلاغ تكون مناسبة للأطفال، واتخاذ تدابير بغرض التثقيف والتوعية”.

لابد، بحسب رماني ،من “توعية الطفل وتشجيعه للحديث عما يتعرض له، واخباره بأنه ليس الوحيد الذي تعرض لذلك وبأن لا ذنب له بما حصل، ولا بد كذلك من متابعته اجتماعيا ونفسيا لمعالجة الاثار المترتبة عن العنف الجنسي الذي تعرض له”، داعية الأهل إلى الاستماع إلى هواجس أطفالهم، إذ كما تقول “عندما يشعر الطفل بأن لمسة أحد ما حتى لو كان أحد أقاربه ليست مريحة، يجب الإنصات إلى مخاوفه وأخذها بعين الاعتبار والبناء على أساسها والتنبه لما يدور، لا أن نسخف مشاعره”.

ويمكن محاربة العنف الجنسي، كما تشدد هيفاء “من خلال القيام بحملات توعية عامة توّفر معلومات بشأن كيفية ومكان الإبلاغ عن العنف المشتبه به، وسن المزيد من القوانين الرادعة، إضافة إلى تعزيز مهارات الأبوة والأمومة لضمان نمو صحي للأطفال من خلال تعليم مهارات التربية وأساليب العلاقات الأسرية، مع زيادة الوعي بشأن العنف والتوجه إلى مراكز دعم للأسرة والأطفال، وتوسيع وتحسين الخدمات الاجتماعية والتعرف على المشكلات النفسية وعلاجها، بالإضافة إلى السيطرة على تعاطي الكحول والمخدرات، كل ذلك من أجل حماية هذه الفئة، التي تعتبر الأساس في تكوين مجتمع خال من العنف في المستقبل”.