IMLebanon

قائد الجيش لا يتلقّى رسائل رئاسيّة!

كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:

من «السذاجة» بالنسبة الى جهات كثيرة، تصديق رواية «حزب الله» عن أنّ «غضب الأهالي» أدّى الى مقتل جندي إيرلندي من «اليونيفيل» العاملة في الجنوب، خصوصاً بعد نفي وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي «ذريعة أنّ «الحادث من فعل الأهالي… بل من يقف وراءه لا يخفي نفسه». لذلك يُقرأ هذا «الاعتداء» على أنّه رسالة من «حزب الله» متعدّدة الأهداف الخارجية، مفادها، بأنّ «الاستقرار في يدي وليس في يد «اليونيفيل» أو الجيش أو قائده».

رسالة «الحزب» هذه، قد تكون تستهدف مجلس الأمن الدولي أو رسالة «إيرانية» للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قد يزور كتيبة بلاده في الجنوب. كذلك قد تكون «رسالة رئاسية» إلى المعنيين، هدفها «إضعاف» موقع الجيش اللبناني وبالتالي قائده العماد جوزاف عون، مع ارتفاع حظوظه الرئاسية على المستويين الداخلي والخارجي. لكن مهما كان هدف «حزب الله»، علماً أنّه سارع الى نفي ضلوعه في هذه الحادثة، إلّا أنّ قائد الجيش، وفق مؤيديه، «لا يتلقّى» الرسائل الرئاسية لا من البوابة الجنوبية ولا من أي بابٍ آخر. وهو يعتبر أنّه غير معني لا بالرسائل ولا بتحليلاتها، فهو أساساً لم يعلن ترشّحه ولا يعمل للوصول الى سدّة الرئاسة الأولى، لكي يهتم بأي رسائل و»تفكيك شيفرتها»، بل يتمنّى ألّا «تُرمى» هذه المسؤولية على عاتقه، كما يؤكد عارفوه، أمّا إذا وصلت إليه فـ»لكلّ حادث حديث».

مسار العماد جوزاف عون في قيادة الجيش وتعامله مع الاستحقاقات الأساسية والمفصلية، يشيران بوضوح، بحسب مؤيديه وجهات سياسية عدة، الى أنّه يعمل كقائدٍ للجيش وليس كمشروع رئيس، إذ إنّ من يطمح الى الرئاسة لا يمنع التدخلات السياسية في المؤسسة العسكرية، ما خلق حالة «عداوة» بينه وبين بعض السياسيين، إضافةً إلى طريقة تعامله مع «انتفاضة 17 تشرين الأول 2019». أمّا أبرز دليل على «ترفُّع» قائد الجيش عن الدخول في البازار الرئاسي، فهو تعامل الجيش مع ملف ترسيم الحدود البحرية، لجهة «رفع السقف» الى الخط 29، ما أزعج جميع المعنيين بالملف، إلى حدّ سحب السلطة هذا الملف من يد الجيش.

لكن على رغم عدم ترشُّح العماد جوزاف عون للرئاسة، يعتبر معارضو انتخابه رئيساً، ومن بينهم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، أنّ «الأزمة الآن ليست أمنية بل اقتصادية ومالية وسياسية، فما هو المشروع هنا؟». الذين يعرفون قائد الجيش يردّون على السؤال بسؤال: «الذي يتمكّن من قيادة مؤسسة تضمّ 80 ألف عسكري غير المتقاعدين وتخطّت كلّ الاستحقاقات ولا تزال صامدة في هذا الظرف، ألن يتمكّن من إدارة بلد؟». كذلك يشير هؤلاء الى أنّه لم يعلن ترشّحه، وبالتالي كيف يُمكن أن يعلن أي رؤية رئاسية، فيما قائد الجيش لا يزال ينفّذ رؤيته للمؤسسة العسكرية، وينحصر كلّ تركيزه في استمراريّتها، إذ «بلا جيش، لا بلد». ويردّ قائد الجيش على زوّاره الذين يبدون تمنياتهم في انتخابه رئيساً، بأنّ «ما يهمنا أن يبقى الجيش واقفاً على رجليه لكي يبقى البلد، ودورنا الآن أن نوفر الحماية الأمنية لكلّ الاستحقاقات، على غرار الانتخابات النيابية، وأولويتنا الحفاظ على الأمن الاجتماعي».

وانطلاقاً من قيادة العماد جوزاف عون الجيش والإصلاحات التي أجراها في المؤسسة العسكرية، من وقف «شراء» الدخول الى الكلية الحربية، وتفعيل المحاسبة الداخلية، وضبط صرف الأموال، إلى منع أي تدخل سياسي في التشكيلات والتعيينات، و»إغلاق الهاتف» أمام أي حزب أو رئيس تيار أو حتى مسؤول كبير، عند تنفيذ المهمات، بحيث يبقى الخط الأحمر الوحيد هو «السلم الأهلي»، وهذا ما تظهّر في حوادث الطيونة وخلدة وقبرشمون وخصوصاً «ثورة 17 تشرين»، يؤكد من يعرفون قائد الجيش، أنّه إذا وصل الى سدة الرئاسة الأولى، سيحمل معه النهج الإصلاحي نفسه. لكن هذا لا يعني أنّه يكفي أن يحمل أي مشروع رئاسي، فالسلطة التنفيذية في لبنان ليست في يد رئيس الجمهورية والصلاحيات المناطة به بحسب الدستور لا تسمح له أن «ينفّذ ما يفكر به». بل الأهم من أي رؤية، أن يكون هناك تضافر ونوايا وطنية من القوى السياسية كافةً لمساعدة أي رئيس سواء كان قائد الجيش أم غيره، فالرؤية سهلة، لكن التنفيذ ليس بيده، وفي ظلّ التعددية الطائفية والمذهبية والسياسية والحزبية في البلد، من الصعب إنجاز أي شيء «بلا توافق».

لكن قائد الجيش ليس في وارد الكلام عن الموضوع الرئاسي الآن. أمّا توقيت «كسر الصمت»، فيكون عندما يُفاتح رسمياً وجدياً بانتخابه رئيساً. وانطلاقاً من أنّه لا يقبل تولّي أي مهمة لن ينجح فيها، كما حصل في قيادة الجيش، ولأنّه لا يسعى الى الرئاسة، يؤكد عارفو قائد الجيش أنّه لن يتولّى رئاسة الجمهورية من دون إمكانية تحقيق أي إنجاز، وبلا تسهيلات ومساعدة وتعاون من قبل جميع الأفرقاء السياسيين. أمّا «الزعامة» أو تشكيل «تيار عوني» جديد، فليسا من بين أهداف قائد الجيش، كما «يخشى» البعض، بل سيكون «منطق الدولة» هو الغالب في رئاسته للجمهورية تماماً كما في قيادته المؤسسة العسكرية، وفق عارفيه.