IMLebanon

المساعدات… درءاً لأسوأ السيناريوهات

كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:

هي مناسبة شهدها مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الطبي في السادس عشر من الشهر الحالي. عنوانها استلام المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي هبة من أدوية الأمراض المزمنة مقدّمة من الهلال الأحمر القطري. الهبة بحدّ ذاتها مشكورة وتأتي في وقت لا يمكن لأي مساعدة من أي نوع كان إلّا أن تكون موضع ترحيب. صحيح أن الأزمات المتناسلة لم تترك جهة من شرّها. لكن الكلام الذي سمعناه خلال المناسبة عن أوضاع المؤسسة بالتحديد لا يطمئن.

دعم خدمة الطبابة كان محور المناسبة. الأخيرة ليست المتضرّر الوحيد طبعاً لكن بها نبدأ. عدد المستفيدين منها حوالى 150 ألف عنصرٍ في الخدمة الفعلية كما المتقاعدين وعائلاتهم. أما ميزانيتها فانخفضت من 100 مليون دولار (ما كان يعادل 150 مليار ليرة) قبل العام 2019 إلى ما يقارب الـ4 ملايين دولار نتيجة انهيار الليرة. المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، أكّد خلال الحفل على حقيقة المعاناة المتمثّلة بتراجع قيمة الموازنة ذات الصلة بواقع 95% وهو ما لم تعد المديرية قادرة على تكبّد تكاليفه. وقال: «حاولنا القيام بحلول كثيرة، والأشخاص الذين لا يدرون بوضعنا يعتقدون أننا مقصّرون… وفي وقت تتلخّص فيه الرؤية الاستراتيجية لقوى الأمن الداخلي بشعار «معاً نحو مجتمع أكثر أماناً»، يتوجب على المجتمع اللبناني بالتحديد التكاتف للوصول إلى هذا المجتمع الأكثر أماناً».

وأضاف عثمان: «عناصر القوى الأمنية لديهم الإحساس الدائم بمسؤولية المحافظة على أرواح المواطنين جميعاً، وبالمقابل لا تُقدَّم لهم أي مساعدة للحفاظ على حياتهم وأوضاعهم على كافة الأصعدة، في حين أن العيش تحت وطأة الهاجس اليومي لتأمين المساعدات ليس بالمعادلة السهلة». وبمزيد من الأرقام أردف: «أحاول بكل الإمكانات تأمين المساعدة والدعم من بعض المواطنين الذين نفتخر بهم، واستطعنا الحصول على مبلغ 3 ملايين و140 ألف دولار خلال هذه السنة، فكنّا ندفع يومياً ما بين 20 و60 ألف دولار، لكن هذه المبالغ تناقصت. وبالتالي، اضطررنا إلى خفض المساعدة الطبية خلال هذه الفترة لأنها تفوق قدرتنا». كلام غير مطمئن فعلاً.

ماذا لو؟

نعود إلى ما قبل أزمة العام 2019. في حديث لـ”نداء الوطن”، أشار وزير الداخلية السابق محمد فهمي إلى أن «عناصر قوى الأمن الداخلي كانوا مكتفين برواتبهم الزهيدة نوعاً ما كون الطبابة والأدوية مؤمّنة لهم ولعائلاتهم وأهلهم. أما بعد الأزمة، وبالرغم من المأساة التي حلّت بلبنان وانهيار المنظومة الاقتصادية والمالية والنقدية، لا يزال الكثيرون من عناصر المؤسسة يلتحقون بمراكز عملهم لتنفيذ المهام الموكلة إليهم، والتي تصبّ جميعها في مصلحة حماية المواطن، ضمن الإمكانات المتوفرة، وهم يأملون بتأمين الدواء، لا أكثر».

ما الحلّ إذاً؟ «حتى الساعة، الأوضاع – أو، إذا صحّ التعبير، المأساة – التي طالت القوى العسكرية والأمنية، ما زالت ممسوكة نسبياً. لكن مزيداً من التدهور الاقتصادي ليس مضمون النتائج على هذا الصعيد. فهل فكّرت الحكومة بما يمكن أن يحدث من قِبَل أي شخص حتى لو كان منتسباً إلى مؤسسة أمنية عسكرية؟ هل هي فكّرت في ما لو فارق ابن عنصر أمني الحياة على باب مستشفى رفض استقباله للمعالجة؟»، يجيب فهمي بصيغة السؤال بما يشبه الإقرار بانعدام الحلول.

ليس من المبالغة بشيء الجزم أن الانهيار الحاصل لم تشهد له أي مؤسسة عامة أو خاصة أو أمنية مثيلاً من قبل، بحسب فهمي. ويتابع: «بما أن كافة الدراسات والتحليلات تشير إلى غياب الحلول، لا بدّ – من أجل الحفاظ على هذه المؤسسة التي نحن جميعاً بحاجة إليها – من عدم تجاهلها ودعمها والتمسّك بها إلى أقصى الحدود. فعناصر المؤسسة هم شريحة من المجتمع تحمي الناس والمؤسسات ولا يمكن الاستغناء عنها مهما كلّف الأمر».

مساعدات ولكن

طبعاً، ثمة من يسعى دائماً لإيجاد الحلول، لكن المعرقلين (والمعرقلات) كثر. فالنائب غسان سكاف، مثلاً، قدّم اقتراح قانون معجّلاً مكرّراً في مجلس النواب في أيلول الماضي تجاوباً مع الحاجة الملحّة لتأمين مساعدات مادية لأفراد، رتباء وضباط القوى العسكرية والأمنية. فماذا يخبرنا عن اقتراح القانون هذا؟ «نتيجة التردّي الاقتصادي ازدادت حالات الفرار من القوى العسكرية وتحوّل الولاء لمن يدفع أكثر بدلاً من الولاء للدولة. لذا، وبحكم علاقاتي الدولية، تمكّنت من تأمين هبات من منظّمات دولية وبعض الدول والحكومات لا سيّما العربية والخليجية منها. وقد اقترحت أن يُدفع مبلغ شهري للعنصر بقيمة 100 دولار وللرتيب بقيمة 200 دولار وللضابط بقيمة 300 دولار». لكن لا عجب. فالدول والمنظّمات الدولية المانحة رفضت تسليم الأموال عبر الوزارات للدولة اللبنانية لأن تجارب «تبخّر المساعدات» لا تشجّع كثيراً. وهكذا تم اقتراح إنشاء صندوق يترأسه قائد الجيش مع تواجد لجنة تشرف على صرف أموال العسكريين. فماذا حصل بعدها؟

إقتراح غير «مُعجَّل»

الاقتراح، على أهمّيته، لم يُعطَ صيغة المعجّل المكرّر ليتمّ إرساله إلى اللجان. هو اليوم في عهدة لجنة الدفاع والداخلية بانتظار أن يُحوَّل إلى الهيئة العامة حين يُسمح للمجلس النيابي باستئناف دوره التشريعي. فهل يمكن أن يُبتّ اقتراح القانون في الهيئة العامة وهي تمارس دور الهيئة الناخبة؟ دوّامة مجهولة الخواتيم.

سكاف اعتبر أن هناك تقاعساً كبيراً من الدولة في إطار دعم مؤسّساتها، إذ إن مقوّماتها الأساسية والمرتكزة على رئيس جمهورية فعلي وحكومة كاملة المواصفات وقضاء فاعل غير موجودة. وأضاف: «هناك أربعة أعمدة سقطت كلّياً: المصارف، السياحة، التعليم والطبابة. لكن يبقى الأمن العمود الأساسي الذي يحمي الأعمدة الأربعة تلك. وبفقدانه، نفقد الوطن». نحن اليوم على مشارف انفلات أمني والخوف من حصول تفلّت أمني كبير لا ضوابط له في حال عدم لجم الانهيار، على حدّ قول سكاف. فما الحلّ بنظره؟ «القطاع الأمني لا يتحمّل كثيراً. نقوم بعملية ترقيع للأزمة في حين نحن بحاجة إلى انتظام الدولة من أعلى هرم المؤسسات إلى أسفله».

أبعد من الأزمة

المعاناة جماعية وتطال كافة شرائح المجتمع، ليس فقط عناصر القوى الأمنية بل أيضاً القضاة وموظّفي الإدارات العامة. هذا ما استهلّ به منسّق اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، المحامي الدكتور جاد طعمه، كلامه لـ”نداء الوطن”. الحلّ لا يمكن أن يكون إلّا شاملاً وذلك عبر تطبيق أحكام القانون على الجميع دون استثناء، كما يقول: «ما تسعى إليه بعض القطاعات في فتح الثغرات القانونية من شأنه توليد أزمات إضافية على المدى البعيد، لذا لجأنا إلى مجلس شورى الدولة طعناً بقرارات تتعلّق بزيادة رسوم صندوق تعاضد القضاة كما زيادة رسوم السجل العدلي منتصرين لمبدأ الشرعية أي تراتبية القواعد القانونية».

هل الآتي أسوأ؟

نحن بإزاء حقائق دامغة، محزنة ومقلقة لا يمكن القفز فوقها إذا أردنا معالجة جذرية (لا موضعية) لأسباب الأزمة – المأزق، وليس فقط لنتائجها. فمعاناة عناصر قوى الأمن الداخلي هي أزمة الشعب اللبناني ككلّ، والواقع الصحي المتدهور مردّه إلى جشع المستشفيات من جهة، وهي حالة قديمة – جديدة، إضافة الى كلفة المستلزمات الطبية التي تحتاج إلى الدولار الفريش، كما يرى طعمه. نسأل عن الحلول مجدّداً، ويأتي الجواب أن أسرعها وأنسبها هو فتح مجال علاج عناصر قوى الأمن وعائلاتهم داخل المستشفى العسكري المركزي الذي يعالج عناصر الجيش وعائلاتهم. وقد يكون أحد سبل الحلّ ضغط المجتمع بكافة شرائحه من أجل استرداد المال العام المنهوب من رجال السلطة وأزلامهم. أليست حاضرة في الأذهان نماذج دول كثيرة لم تخرج من أزماتها الإقتصادية إلا عند محاسبة كبار الفاسدين؟

على أي حال، «كلّما قرّرنا الابتعاد عن تطبيق أحكام القانون الذي يحفظ مبدأ المساواة وكلّما حاولنا تجاهل الحلّ الجذري للأزمة ستتعمّق جراح المجتمع أكثر. علينا أوّلاً إحداث وعي مجتمعي حول حقيقة أسباب الأزمة لنجترح الحلول اللازمة تمهيداً لتحقيق النهضة الجماعية لا الإفرادية. فاجتراح الحلول لمجموعات تسعى إلى تحسين ظروف معيشتها سيكون تمهيداً لقدوم ما هو أسوأ»، يختم طعمه. لا أحد يتمنّى ذلك طبعاً – لا للقوى الأمنية ولا لسائر الناس من ضحايا هذه المجزرة الجماعية المتواصلة.