IMLebanon

ميلاد زحلة: في كل بقعة ضوء… عبرة

كتب لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:

كثُرت المحاولات في مدينة زحلة خلال الأيام الماضية، لخرق اليأس المسيطر على أجواء اللبنانيين عامة، ومنعه من سلب الناس فرحة الأعياد. وقد تكاملت جهود سلطة المدينة المحلية مع مبادرت الأفراد والهيئات المحلية والإجتماعية والإقتصادية، لإرساء مظاهر البهجة ولو «من قريبو»عبر زينة العيد، والمعارض، الريسيتالات والنشاطات الميلادية. إلّا أنّ هذه المحاولات كبّلت بميزانيات محدودة، عكَست نموذجاً عن قاعدة «اللابذخ» التي أجمع الناس عليها في منازلهم، سعياً للحفاظ على مقدّرات الصمود للأيام التي تلي الأعياد، بعدما كان معظم الناس يميلون للإنفاق من دون حساب في شراء هداياهم وإغناء موائدهم وتتويجها بزينة إستثنائية، وخصوصاً في عيدي الميلاد ورأس السنة.

فقبل أيام من ليلة الميلاد، إشتعلت وسائل التواصل الإجتماعي بخبر مشاركة الفنان وائل كفوري بإنارة شارع بات رئيسياً في مدينته زحلة، وقد اتّخذ مجلس البلدية قراراً بتسميته على اسمه. خلفيات هذه التسمية تأتي بعد مبادرات تربوية لكفوري بدأها مطلع العام الدراسي الحالي، وعبّر من خلالها عن تعاطف إجتماعي مع تلاميذ مدارس زحلة خصوصاً، وقد حرصت بلدية زحلة أيضاً من خلال لجنة المساعدات المدرسية – زحلة، على منع تسرّبهم المدرسي لأي سبب يتعلّق بالأوضاع الإقتصادية.

وعليه، فإنّ إنارة «شارع وائل كفوري» لم يكن الحدث بحدّ ذاته، بقدر تكريم الدور الذي أدّاه في إنارة شمعة إضافية في مدينته، بعدما أظهرت زحلة منذ العام 2019 مزيداً من التعاضد الإجتماعي بين أبنائها، وخصوصاً من قبل إغترابها الحريص على تلبية النداءات الإجتماعية لمقيميها.

وإنارة «شارع وائل كفوري» شكّل بُقعة ضوء جديدة في زحلة هذا العام، إنضمّت الى بقع أخرى أُضيئت في المدينة لمناسبة عيدَي الميلاد ورأس السنة، كمثل الإحتفال بالزينة الميلادية التي لفّت مبنى مستشفى تل شيحا بمبادرة من مؤسسة جوزف طعمه سكاف، فبدّلت الجمعية بذلك من عادتها السابقة بإنارة مدخل المدينة الرئيسي، علماً أن لإنارة تل شيحا رمزيتها أيضاً، خصوصاً أنها توّجت المساعي التي بذلها راعي الأبرشية الكاثوليكية في زحلة لإنقاذ المستشفى من ظُلمة مالية كادت توقعه بعجز طبي بعد العجز المالي. وقد توّجت هذه المساعي قبل أيام من ليلة الميلاد بإتفاقية تعاون مع مستشفى أوتيل ديو في بيروت.

على بُعد أمتار قليلة من المستشفى إنارة ناعمة تحيط بقصر بلدية زحلة، هذا القصر الذي بناه الزحليون منذ القرن التاسع عشر، إستضاف في ميلاد 2022 وعلى مدار ثلاث ليال متواصلة ريسيتالات ميلادية، هي من ضمن تقليد أرسته البلدية لتحفيز شبابها المنخرطين بالجوقات على مشاركة الناس بفرحة العيد. ولكنّ الإنتقال بهذه الجوقات إلى القصر البلدي لم يكن فقط بهدف تعريف الناس على المبنى التراثي الذي تحوّل تُحفة بعد إعادة ترميمه، إنّما خلفياته مالية وتتعلّق بمحاولات البلدية التقليل من نفقاتها في تأمين الرعاية لإحياء الريسيتالات في قاعات الكنائس والرعايا، بعدما إكتشفت خلال إعداد ميزانيتها التي تضاعفت ثلاث مرات للعام المقبل، بأنّها لن تكفي سوى لرواتب الموظفين وإدارة النفايات.

صارح رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب الزحليين بهذا الواقع خلال افتتاح «القرية الميلادية» في حديقة الشعراء المعروفة بمنشية زحلة، وقد أضاء وزير السياحة شمعة لها إثر زيارة المدينة الأسبوع الماضي، متوّجاً زيارته بـ4 قرارات اتخذها لوضع 4 معالم زحلية على الخريطة السياحية ومن ضمنها حديقة الشعراء هذه.

والهدف من القرية الميلادية هو تحفيز مبادرات فردية، وتعريف الناس على منتجات صنعت بأيدٍ زحلية. هي إذاً محاولة دعم لكلّ من يحاول أن يستخرج فرصة من الأزمة، وخصوصاً بعدما تعزّز الإقبال أخيراً على ما بات يعرف بالـ HOME MADE كبديل عن المنتوجات الباهظة المستوردة، علّها تكون فرصة للإنطلاق باستثمارات أكبر في المستقبل.

في المقابل، شكّلت «القرية الميلادية» التي أقامتها جمعية تجّار زحلة على مدى أربعة أيام متواصلة أيضاً، تحدّياً آخر لمواجهة النكسات التجارية المتواصلة بمزيد من الإصرار، مثلما تصرّ جمعية تجّار زحلة على إنارة نجومها التي زيّنت بها الوسط التجاري، متحدّية الإحتكاك الكهربائي الذي أصابها بنكسة العتمة، أقلّه حتّى لا تمرّ ليلة الميلاد من دون بصيص نور في وسطها التجاري، علماً أنّ الضوء صار همّاً للكثيرين في زحلة كما في لبنان عموماً، بعدما قضمت فواتيره حتى ميزانيات الأعياد بالنسبة لبعض العائلات، وكتب على بعضهم التوفير بإنارة مصابيحهم حتى ليلة العيد. هذه الليلة التي يؤكّد مجمل أهالي المدينة أنّهم سيحيونها بنور الجمعة للعائلة مهما كان الثمن، وسيرسمون على وجوههم ولو ابتسامة مصطنعة تخفي مرارتهم، على أمل أن يكون للعيد طعم آخر في العام المقبل.