IMLebanon

شهر الأعياد.. الركود يتضاعف والفوضى تزداد

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

لم تلبس طرابلس حلّة العيد عشية الميلاد وبدت أشبه بمرأب للسيارات بسبب الحواجز التي أقامتها قوى الأمن الداخلي على مداخل المدينة لا سيما من الجهة الجنوبية. أما أسواقها التي لطالما كانت تعج بالناس في مثل هذه الأوقات، فكانت تتحسّر على زوار فارقوها ذهبت معهم بهجة العيد تماماً كما خلت المدينة من أي شجرة للميلاد والتي كانت تقام في أكثر من نقطة وتجمّع في مثل هذه الأيام، كما خلت شوارعها من الزينة المخصصة لهذه المواسم… وكأنّ هذه المدينة لا يكفيها ما فيها من ركود اقتصادي واجتماعي وهي تعيش نكبة اقتصادية منذ سنوات أصابت أسواقها بالشلل، في وقت تُحرم فيه من لذة العيد، فلا كهرباء، ولا زينة، ولا أضواء، قد توحي بأن ميلاداً جديداً سوف يأتي على هذه المدينة المُتعبة.

شوارع حزينة مكفهرة، حركة أكثر من خجولة في النهار مع أنها أيام الأعياد، وخوف وحذر في الليل من شدّة الفوضى المنتشرة في شوارعها وأزقتها، ولسان حال أهلها يقول: «ليست هذه هي طرابلس التي كانت تضج بالحياة وبالناس خصوصاً في مثل هذه الفترة». وكأنّ كل ما في هذه المدينة من مآسٍ لا يكفيها حتى تنفجر الفوضى الأمنية بهذا الشكل، ويبدو أنّ الوضع الأمني في طرابلس آخذٌ إلى مزيد من التدهور، فأي إشكال صغير أو كبير وأي خلاف حتى لو على أفضلية مرور يتم استخدام السلاح ويؤدي إلى وقوع ضحايا.

إذ لا يكاد يمر يوم في المدينة الحزينة إلا وتقع حادثة أمنية تثير الرعب في نفوس أهلها وتضفي على واقعها القاتم مزيداً من البؤس والسوداوية. فبعد حادثة إطلاق النار على الشاب عبدالله عيسى في رأسه في الزاهرية قبل أيام والذي ما زال في وضع حرج حتى اللحظة، جاءت حادثة مقتل الشاب عمر حمد في منطقة التل يوم أمس بعد خلاف بين شخصين أدى إلى استعمال السلاح من الطرفين في منطقة التل في طرابلس، ما أدى إلى إصابة عمر عن طريق الخطأ. مع الإشارة إلى أنّ المغدور عمر هو صاحب كشك لبيع القهوة في نفس المنطقة وقبالة مبنى البلدية. الحادثة هذه والخرق الأمني الجديد كانا مدار رفض واسع من أبناء المدينة، واستنكار كبير لما آلت إليه الأمور في مدينتهم التي لم يعد فيها المواطن آمناً على حياته، بعدما استباح حملة السلاح المتفلّت كل المحظورات وباتوا يشهرون سلاحهم عند أي خلاف، صغيراً كان أم كبيراً، مع غياب تام للأجهزة الأمنية عن تعقّب حملة السلاح وعن جمع السلاح أيضاً المنتشر بين أيدي الناس بشكل واسع ودون حسيب ولا رقيب.

المثير للدهشة أنّ الجرائم تلك تحصل في وقت تشدد القوى الأمنية من حواجزها في طرابلس وتقوم بالتحقق من السيارات ومن أوراقها وغيرها، في محاولة منها لإضفاء بعض الأمن والطمأنينة المفقودين في نفوس الأهالي، لتأتي حادثة من هنا أو إشكال من هناك بالقرب من حواجز قوى الأمن فتصبح كل هذه الإجراءات وكأنها لم تكن.

أهالي المدينة لم يتركوا اي وسيلة إلا وعبّروا من خلالها عن استيائهم مما يجري في المدينة التي يرونها تتجه شيئاً فشيئاً نحو الأمن الذاتي، بينما هم يريدون للدولة أن تفرض هيبتها وأمنها من خلال ملاحقة وتعقّب المجرمين وحملة السلاح، وتجار المخدرات وأصحاب السوابق. ويرى بعض الطرابلسيين في السياق أن إجراءات القوى الأمنية وحواجزها على المداخل وتسطير محاضر الضبط للفقراء وأصحاب التاكسي ليست هي المطلوبة من ابن المدينة وزير الداخلية، بل المطلوب حملة تطارد كل المخلّين بالأمن الذين يجاهرون بالتفلّت ولا يقيمون للدولة وأجهزتها أي وزن.

في شهر الأعياد وبينما المطلوب في طرابلس فرحة تنسي أهلها وزوارها ومحبيها أيام وسنوات البؤس، ليس في المدينة إلا الفوضى التي تزيد وتستشري، وسط عجز قياداتها عن ابتداع الحلول لمشاكلها، حتى بات الناس يخشون الخروج من منازلهم للتوجه إلى الأسواق.