IMLebanon

لبنان إلى مزيد من الكوارث!

كتب كمال ذبيان في “الديار”:

يحضر لبنان على الخارطة العالمية كأسوأ دولة، وتذكره التقارير الدولية على انه البلد الاكثر فسادا، اذ يحتل مرتبة متقدمة بين الانظمة التي تعاني من الانهيار السياسي والدستوري والمؤسساتي والمالي والاقتصادي، وبات تصنيفه بين الدول الفاشلة، وتسبقه ثلاث دول. وقد اشار احد تقارير صندوق النقد الدولي الاخيرة، الى ان لبنان هو الدولة ال 46 بين الدول التي تشهد تضخما عالمياً، وتراجع فيها النمو، اذ جرى تحذير اللبنانيين بانهم قادمون على سنوات كوارث، اذا لم يقوموا بمساعدة انفسهم، والتخلص من الوباء المتمثل بالطبقة السياسية الحاكمة منذ عقود، والتي تتوارث السلطة من الاجداد الى الآباء والاحفاد واحفاد الاحفاد، في دورة استيلاد للفساد نفسه.

اللبنانيون لم يتمكنوا من التخلص من الفساد بوجود هيئات رقابية وقضاء، لانه جرى تسخير المؤسسات لصالح زعماء الطوائف والسياسيين النافذين، والموظفين الزبائينيين لدى السياسيين، الذين اوغلوا نهبا وهدراً للاموال العامة، فلم يخرج من بين القضاة، ولا من الضباط في المؤسسات العسكرية والامنية، من يشهر السيف بوجه الفساد. فالجميع متواطئ، في تكبيل لبنان بدين وصل الى حدود الـ 85 مليار دولار، وخسائر لم تعرف كيف صُرفت، والى اين ذهبت، لان من سيراقبها ويكشف عنها، هو مجلس النواب الذي هو نفسه السلطة التنفيذية التي يتمثل فيها رئيس الجمهورية، فيكون لبنان امام حلقة مقفلة، لا يمكن الدخول اليها، لمعرفة من اوصل اللبنانيين الى خسارة ودائعهم والسطو عليها، ومن دفع بهم الى الجوع والفقر والبطالة والهجرة والجريمة.

فهذا اللبنان، الذي عرف ثلاث كوارث في القرن الثامن عشر ثم مع مطلع القرن العشرين وفي بداية القرن الحالي، فان الاهتمام الدولي به لا يتعدى النصيحة، لا اكثر ولا اقل، وفق ما يقول مصدر ديبلوماسي، الذي يؤكد ان لبنان ليس مغيبا عن مشهد الازمات الدولية، لكن لا حلول قريبة لازمته لاخراجه منها، اذ ترك المجتمع الدولي امر مصيره للسياسيين فيه ولمحاسبتهم ولتحقيق الاصلاحات، وهو ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، عند مجيئه الى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، فاجتمع بالكتل النيابية الاساسية في قصر الصنوبر وحثهم على الاصلاح، كيلا يندثر لبنان من الجغرافيا، والذي انشأته فرنسا في اول ايلول 1920.

فلا مبادرات دولية او اقليمية اوعربية تجاه لبنان لمساعدته في الخروج من ازمته الوجودية، وفق تعبير الديبلوماسي الذي يرى وجود نصائح اكثر من مبادرات، فلا جامعة الدول العربية تقدمت بوساطة، الا انها دعت اللبنانيين لانتخاب رئيس الجمهورية، وشجعت عملية الاصلاح، كما ان السعودية قدمت نفسها كمساعد انساني للبنان، وليس كمبادر سياسي، وهي تتعاون مع فرنسا بصندوق مشترك للاغاثة والانسانية والاجتماعية والصحية والتربوية، وتذهب المساعدات مباشرة للجمعيات والهيئات دون المرور بمؤسسات الدولة، في اشارة الى عدم الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة، وهو ما تفعله قطر ايضا عبر «جمعية الخير»، فتوزع المساعدات للمحتاجين، وتهتم بالجيش ليبقى مستمراً في الحفاظ على الامن والاستقرار.

اما اميركا، فان تدخلها كان في عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي، والذي استعجلت الوصول اليه، كي يستخدمه الرئيس الاميركي جو بايدن في صراعه الساخن بين حزبه الديموقراطي والآخر الجمهوري، اضافة الى انه يريد ان يطمئن اوروبا بان النفط سيتدفق اليها من الكيان الصهيوني الذي انهى التنقيب وبدأ في التصدير، لتخفيف من ازمة الطاقة في اوروبا اثر الحرب الروسية – الاوكرانية.

وما يقال عن لقاء رباعي سيعقد في باريس خلال الشهر الحالي، بين مسؤولين لكل من اميركا وفرنسا والسعودية وتنضم اليهم قطر، ليس دقيقا، يقول المصدر الديبلوماسي، لانه سبق للثلاثي الاميركي – الفرنسي – السعودي ان اصدر بيانا حول لبنان في ايلول الماضي، وركز على انتخاب رئيس للجمهورية، تكون موافقاته تطبيق القرارات الدولية 1559 و 1982 و1701، وتوقف الحراك عند هذا الحد، اما قطر فلم تتأخر عن مساعدة لبنان، سواء اثناء العدوان الاسرائيلي وما بعده في صيف 2006، او في انجاز اتفاق الدوحة 2008 لتثبيت السلم الاهلي، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية، فكان قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان.

لذلك، فان لا تحرك دولي – اقليمي – عربي جدي باتجاه حل الازمة الدستورية والسياسية والاقتصادية في لبنان، اذ ان السقف الذي تقف عنده دول تعنى بالشأن اللبناني، هو النصائح وما تيسر من مساعدات لجمعيات، واعتماد اللبنانيين على انفسهم في تكوين حل، لا يبدو قريباً ايضاً، لان الافرقاء الداخليين يأخذون في عين الاعتبار، مصالح دول في لبنان، بما يستدرج الخارج للداخل، ومما يطيل من عمر الوصول للحل، ويستمر اللبنانيون في كوارثهم.