IMLebanon

تطمينات نصر الله لم تُلغِ الهواجس!

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

لم يضع كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله وتطميناته عن عدم وجود «نيّة في لبنان أو هناك من يُخطط لتغييب ‏الموقع المسيحي الأول، أو لتغييب الموقع الماروني الأول» حداً لهواجس عبّر عنها مجلس الطارنة الموارنة أمس، داعياً إلى «تجنب أي لغة أو ‏خطاب يُؤديان إلى التحريض الطائفي سواءً كان مقصوداً أو غير مقصود، أو محاولة توجيه الإتهام للمسلمين، الذين لديهم نواب في ‏المجلس النيابي، أنتم تُريدون تغييب وتقصدون وتعمدون إلى تغييب هذا الموقع ‏المسيحي الأول، أو عندما نَتحدث عن موقع ماروني تُصبح التهمة أوسع للمسلمين ‏وللمسيحيين من غير الموارنة». منطق وإن كان نفاه «حزب الله» على لسان أمينه العام لكنه موجود بالفعل والقول بحسبهم، وهو ما لم يحل دون تكرار الكرسي البطريركي للهواجس ذاتها والتنبيه من خلال الإجتماع الشهري للمطارنة الموارنة من «وجودِ مُخططٍ مرفوض، لإحداثِ فراغٍ في المناصب المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً في الدولة. وإنْ دلّ ذلك على شيء، فعلى نيّة خفيّة ترمي إلى تغيير هويّة لبنان».

أمس ردّ مجلس المطارنة على كلام السيد نصر الله بإعادة التعبير عن هواجس المسيحيين شاكياً من التأخر في انتخاب رئيس للجمهورية لا سيما وأن سياق التطورات والجلسات النيابية لا ينذر بأن الرئيس الجديد للجمهورية سينتخب عما قريب والتأخير في انتخاب الرئيس سيجر معه فراغاً سيطاول حكماً حاكمية مصرف لبنان حيث تنتهي ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة في أيار المقبل ما يفرض تعيين الخلف قبيل ذلك التاريخ. أما إذا طال الفراغ مدة أطول واستمر لسنوات كما سبق وحصل قبيل انتخاب الرئيس السابق ميشال عون فإن الفراغ سيطاول موقع قيادة الجيش حيث يبلغ قائد الجيش الحالي السن القانونية في كانون الثاني 2024. وبذلك تصبح المراكز المارونية الثلاثة شاغرة ويحصل خلل كبير في مؤسسات الدولة ومراكزها. وإضافة الى المراكز الثلاثة الأساسية فإن إحصاءات «الدولية للمعلومات» تشير إلى وجود 33 مركزاً مسيحياً شاغراً أو قيد الشغور قريباً بينها 18 موقعاً للموارنة. لكن القضية تتجاوز مسألة المقاعد العادية وتلك المتعلقة بمنصب مدير عام. فإذا حصل وبلغ الشغور المراكز المارونية الأساسية في الدولة أي الرئاسة الأولى والحاكمية وقيادة الجيش فإنّ ذلك سيكون برهاناً ودليلاً يثبت نظرية التقسيم التي يروج لها بعض الفرقاء المسيحيين والتي أخذت بالتوسع مؤخراً.

في تفسيره لخلفيات ما ورد في بيان المطارنة الموارنة حول وجود مخطط لإفراغ المواقع المسيحية قال أحد المطارنة المشاركين في الإجتماع «إن المجلس عبّر عن هواجس كبيرة وحقيقية لإفراغ المواقع المسيحية الأساسية من شاغليها». ويقول «يبدأ الموضوع من الشغور الرئاسي الحالي والعرقلة في انتخاب رئيس للجمهورية وإمكانية إنتقالها الى موقع حاكمية المصرف المركزي وأن يشغل المنصب نائب الحاكم الشيعي وهنا لبّ الموضوع وأساسه خاصة وأنّ الإستثناء قد يتحول إلى قاعدة فتصبح طائفية الموقع عرضة للتبدل طالما أنها شهدت سابقة بانتقالها الى طائفة غير الموارنة». يشكو المطارنة «من السياسة التي تنتهج في انتخاب الرئيس ما يوحي بوجود مخطط في مواجهة المسيحيين يدفع بأبنائهم الى الهجرة وتهميش وجودهم في لبنان».

هي هواجس كبرى عبّر عنها المطارنة «وشعور» موجود لديهم بأن «طرفاً لبنانياً يريد تغليب حضوره على حساب حضور بقية الطوائف، وبكلام أكثر وضوحاً لا ينفي أحد المطارنة الشعور بوجود هيمنة للشيعة والسنة على إدارة شؤون البلاد على حساب غياب المسيحيين وفي حال لم تتم معالجة الموضوع وانتخاب رئيس في الوقت القريب فالأوضاع قد تذهب نحو تصعيد في الموقف».

وبذلك يكون إنتخاب الرئيس قد خرج عن سياق كونه استحقاقاً دستورياً وارتدى أبعاداً طائفية، يبدو المتهم الأساسي فيه هو الثنائي الشيعي وتحديداً «حزب الله» الذي يعتبر فريق كبير من المسيحيين أنه لو أراد لسهّل عملية انتخاب الرئيس. ثمة شعور لدى المسيحيين ومن بينهم حليف «حزب الله»، «التيار الوطني الحر» أنّ سيبة من ثلاثة فروع (شيعي سني ودرزي) تدير دفة البلد بينما يغيب الطرف المسيحي.

بغض النظر عمن أقنع البطريركية المارونية بمثل هذا الجو في وقت بات فيه البلد بمجمله مهدداً بالفراغ والإفلاس وقد طاولت الأزمة كل الطوائف، إلا أن مثل هذا المنطق سيضاعف أزمة لبنان وليس بعيداً أن ينتقل الحديث من أزمة انتخاب رئيس إلى أزمة نظام ومشاركة ويكون الطائف هو الضحية الأولى. ثمة شعور مسيحي أنّ المارونية السياسية التي حكمت قبل الطائف بنت الدولة ومؤسساتها بينما تغليب حكم الطوائف الأخرى قوض وجود هذه الدولة وأعلن إفلاسها.منطق أخذ بالتوسع والآتي ربما يكون أعظم.