IMLebanon

الشغور هدف أم لعبة سياسية؟

كتب طوني فرنسيس في “نداء الوطن”:

لم ينته الشغور الأول بعد انتهاء ولاية اميل لحود الّا عندما اجتيحت بيروت على يد الميليشيات «الممانعة». فعلت تلك الميليشيات ما فعله حلفاؤها في غزة قبل عام عندما طردوا «الشرعية» الفلسطينية التاريخية وأقاموا إمارتهم التي لا تزال حيّة بدعم إيران على أشلاء القضية الفلسطينية.

ولم ينته الشغور الرئاسي إثر انتهاء ولاية ميشال سليمان بسلاسة وهدوء. استغرق الأمر عامين ونصف العام حتى انتهى الأمر إلى فرض ميشال عون رئيساً. وخلال تلك الشهور الطويلة طرحت أفكار واجتهادات، لا تكتفي بنقاش معنى اصرار «حزب الله» وحليفه في تفاهم شباط على المرشح الوحيد، ورفض البحث في أي اسم آخر، وإنما تطرح أسئلة حول الهدف الحقيقي للفريق الذي يقوده «حزب الله» وما اذا كان يريد فعلاً الوصول إلى انتخاب رئيس «ماروني» للجمهورية. كان الخوف من النوايا الحقيقية وراء إطالة الشغور أحد الأسباب التي جعلت عدداً من الكتل يعدّل في مواقفه ويسير بالاقتراح الوحيد والشخص الوحيد المطروح للرئاسة.

هذا الخوف من النوايا ليس جديداً. عشية اندلاع الحرب الأهلية مطلع السبعينات، طرحت مخاوف مماثلة، وتحدث «زعماء» الموارنة عن محاولات لقضم الدولة والإدارة. وبعد اندلاع الحرب رفض الرئيس سليمان فرنجية الاستقالة المبكرة التي طالبه بها أعضاء في المجلس النيابي، في طليعتهم «مسيحيون» تحركهم أهداف وارتباطات شتى، بينها الوصول إلى المنصب. رفض فرنجية وقال إنه لن يغادر الموقع حتى اللحظة الأخيرة من ولايته، معتبراً أنّ التلاعب بالولاية تقصيراً أو تطويلاً هدفه الإضرار بالمنصب والموقع تمهيداً لضربه.

لم تكن أطراف الخلاف الداخلي بمثل ما هي عليه اليوم. كان رشيد كرامي القطب الإسلامي المعارض وإلى جانبه صبري حمادة وصائب سلام وغيرهم. هؤلاء جميعاً انهزموا أمام الصعود الفلسطيني وإمساك قادته بمفاصل السياسة المحلية، ولم يكن أحد قادراً على وضع حدّ للسياق اللاحق عندما صار حافظ الأسد مفاوضاً باسم المسلمين اللبنانيين.

إختلفت الأمور كثيراً الآن، لم يعد «القرار الإسلامي» في يد «سُنّة» رشيد كرامي وصائب سلام، بات في يد «شيعة» حسن نصرالله ونبيه بري، ولم يعد آل الأسد ممثّلين مفوّضين للمسلمين اللبنانيين، فالسطوة المعنوية والمادية والعسكرية هي لإيران وهي صاحبة القرار النهائي مهما قيل من اجتهادات أخرى.

أنه سياق مستدام لصراعات سلمية أو متوترة بين ممثلي الطوائف ومتطرفيها تدفعهم شهوة السلطة وإقتطاع الحصص الأكبر. كان ذلك يحصل قبل الحرب وقبل ولادة «حزب الله» وقبل «ثورة الخميني»، لكنّه تطور في اتجاهين أفقدا الداخل توازنه. الوسط المسيحي انقاد إلى صراعاته المدمرة التي لم يخرج منها أبداً، والوسط الإسلامي قادته صراعاته إلى هدنة مديدة وحزب قائد يقرر عن الجميع. وفيما يستمر الشغور الرئاسي عاملاً مؤرقاً للبنانيين، يجدر بالمسيحيين خصوصاً أن يستخلصوا العِبَر.