IMLebanon

انتحار المراهقين والشباب في لبنان مستمرّ!

كتبت ليلي جرجس في “النهار”:

في 15 كانون الثاني 2023 عُثر على جثّة الشابة جويا باسيل ابنة الـ 17 عاماً مصابة بطلق ناري في #معراب، في 17 كانون الثاني 2023 عثر على شاب يبلغ من العمر 20 عاماً، جثة داخل غرفته في فقرا – #كسروان. يومان فقط يفصلان حالة ال#انتحار الأولى عن الثانية، اختلفت الوسيلة والأسباب إلّا أن النتيجة واحدة!

لم يتعدَّ عمر كلّ منهما الـ20 عاماً، ولكلّ حالة ظروفها ودوافعها التي حتّمت هذه النهاية المأساوية، خصوصاً على عائلتيهما اللتين تعيشان حسرة وحزناً كبيرين.

منذ 4 أشهر تقريباً، دقّ رئيس قسم الطبّ النفسي في مستشفى أوتيل ديو البروفيسور سامي ريشا ناقوس الخطر معلناً “انّ الوضع النفسي خطير في لبنان، وحالات الانتحار الى تزايد إضافيّ، حيث يسجّل يومياً ما بين محاولة أو محاولتي انتحار تصلان الى قسم الطوارئ في مستشفى أوتيل ديو (فقط في هذا المستشفى)، فيما كان العدد يقتصر قبل تراكم الأزمات على كاهل اللبنانيين على حالة أو حالتين في الأسبوع الواحد”.

وأشار إلى أنّ “أعمار غالبية هذه الحالات تراوح بين 12 عاماً و21 عاماً لأسباب نجهلها، وربّما تصبّ في خانة انسداد الأفق عند هذه الشريحة من الشباب أو فقدانهم الأمل بأيّ غد أفضل…”.

فهل اختلف الوضع عمّا كانت عليه في الأشهر الماضية؟ يؤكّد البروفيسور سامي ريشا لـ”النهار” أنّه “ما زال مستشفى أوتيل ديو يستقبل حالات لا بأس بها من محاولات الانتحار التي يكون مجموعها بين 4 إلى 5 حالات أسبوعيّاً على الأقلّ.”

واللافت أنّ هؤلاء الأشخاص هم من فئة المراهقين (تتراوح أعمارهم بين 13 و20 عاماً)، حيث بدأنا نلاحظ محاولات انتحار في سنّ مبكرة لم تكن موجودة سابقاً بهذا الشكل.

قد تلعب عوامل وأسباب عديدة دوراً في هذه الظاهرة، وفق ريشا “لا يمكن حصر محاولات الانتحار عند المراهقين في سبب واحد، وإنّما تؤثّر عوامل كثيرة، منها الضغوطات الحياتية والعائلية، الجائحة وما خلّفته من التهابات ومشاكل صحية، والتي تُذكّرهم بالخوف والقلق والموت، الظروف الاقتصادية، والأهمّ انعدام الرؤية للمستقبل وعدم وجود أمل وانسداد الأفق، وهذا من شانه أن يُشكّل عائقاً ومشكلة حقيقية لدى المراهق”.

لذلك ينصح رئيس قسم الطبّ النفسيّ في مستشفى أوتيل ديو بتعزيز الحوار بين الأهل والولد، ومن المهمّ أن يعرف الأهل أنّه حتّى وإن لم يتحدثوا أمام أبنائهم عن المشاكل، إلّا أنّهم يشعرون بهم وبما يقلقهم. من المهمّ أن نتحدّث معهم ونحثّهم على مشاركتنا مخاوفهم وهواجسهم، وأن يعبّروا عمّا في داخلهم. كما على المدرسة أن تسلّط الضوء أكثر على أهمية التعبير والبوح عند هذه الفئة.”

وقد تساعد بعض علامات القلق التي تظهر عند هذه الفئة في التنبّه إلى وجود مشكلة وأهمّها عدم القدرة على التركيز، تراجع في العلامات المدرسية، العزلة، تساعد هذه المؤشرات على فهم ما يعيشه المراهق في هذه المرحلة.

المراهقون الأكثر تأثّراً بالجائحة

كما أظهرت الأبحاث والدراسات أنّ الإغلاق خلال جائحة كورونا كان له الأثر الأكبر على المراهقين والأطفال، وقد حذّرت منظّمة الصحّة العالمية من هذا التأثير بعد أن تبيّن أنّ المراهقين كانوا أكثر عرضة للخوف والقلق والاكتئاب في المنازل في مرحلة الإغلاق العام.

ويتخوّف ريشا من أن نشهد زيادة في محاولات الانتحار في حال بقي الوضع متأزّماً وغياب أيّ أفق، ويبقى السلاح الأقوى لمساعدة هؤلاء المراهقين تشجيعهم وحثهم على التعبير والكلام، وأن نشرح لهم أنّه برغم كلّ الأزمات التي تعصف في البلد، لدينا القدرة على تخطّيها ومواصلة الحياة، وأن يؤكّد الأهل لأولادهم “أنّنا سنخرج من الأزمة لإعطاء أمل بالاستناد إلى التجارب السابقة”.

تختلف الصورة عند مقاربتها بالأرقام الرسمية المسجّلة في قوى الأمن الداخلي، صحيح أنّ بعض حالات الوفاة لا تُسجّل في خانة الانتحار لأسباب عائلية ودينية وغيرها، إلّا أنّه كان لافتاً أنّ العام 2022 شهد انخفاضاً كبيراً وملحوظاً في عدد حالات الانتحار التي بلغ مجموعها 29 حالة من تاريخ 1/11/2022 إلى تاريخ 31/12/2022، في حين سجّل لبنان بين تاريخ 1/11/2021 إلى تاريخ 31/12/2021، نحو 145 حالة انتحار آنذاك، وفق أرقام قوى الأمن الداخلي.

وتحتلّ محافظة جبل لبنان المرتبة الأولى في تسجيل معظم حالات الانتحار، (63 حالة في العام 2021 و14 حالة في العام 2022)، تليها البقاع (25 حالة انتحار في العام 2021 و 6 في العام 2022)، والجنوب (26 حالة انتحار في العام 2021 و4 في العام 2022)، وبيروت (11 حالة في العام 2021 و حالة واحدة في العام 2022).

أمّا القاسم المشترك بين العامين 2021 و2022 انّ أكثر ضحايا الانتحار تعود إلى الفئة العمرية التي تتراوح أعمارها بين 12 و25 عاماً.

تختلف أرقام قوى الأمن عن أرقام جمعية “إمبريس” (Embrace) لاسيّما في عام 2022 حيث تُسجل 109 حالات انتحار بين تاريخ 1/1/2022 إلى تاريخ 31/10/2022، وتحتلّ منطقة جبل لبنان صدارة الحالات بتسجيل 48 حالة انتحار، يليها منطقة البقاع 23 حالة، ومن ثمّ الشمال 16 حالة انتحار، والجنوب 14 حالة، وبيروت 8 حالات انتحار.

كما سجّل شهر تموز 2022 العدد الأكبر من حالات الانتحار بـ19 حالة وشهر حزيران بـ14 حالة.

قد تُشكّل الأشهر والفئات العمرية مؤشرات مساعدة لفهم العوامل المؤثرة التي أدّت إلى زيادة حالات الانتحار فيها مقارنة بالأشهر الأخرى. وبرغم من غياب الأسباب المسؤولة المثبتة حول معظم حالات الانتحار المسجلة، إلّا أنّه لا يمكن أن ننكر مدى تأثير الأوضاع الاقتصادية – المالية والاجتماعية والصحية على صحة اللبنانيين النفسية ولاسيّما عند فئة المراهقين والشباب.