IMLebanon

البلديات والمطامر: نموذج ناجح… ونماذج فاشلة

كتبت لوسي برسخيان في “نداء الوطن”:

في ظل مركزية السلطة التي تتركّز بيد طبقة قاد الفشل في إدارتها للمؤسسات، إلى ما وصل اليه لبنان، يبقى التعويل على الجهود المحلية التي يمكن أن تبذلها البلديات في قراها ومدنها، لإجتراح الحلول التي تحدّ من التدهور الإنمائي والبيئي وحتى الإجتماعي الذي يهدد مختلف المجتمعات اللبنانية… إلى أن يتحقق المطلب المتكرر بتطبيق اللامركزية، الإدارية منها على الأقل، فتتحرّر البلديات من قيود الروتين الإداري، ويتأمن لها هامش أكبر من المداخيل التي تسهم بتحسين حياة أبناء المدن والقرى، والمقيمين فيها.

ملف إدارة النفايات، وتحريرها من مركزية القرار يشكّل أحد هذه النماذج التي تظهر الدور الذي يمكن للبلدية أن تؤديه، وخصوصاً لناحية إدارة محطات الفرز والمطامر بشكل سليم، بعيداً عن الخطط والمشاريع المركزية، والتي وصل معظمها إلى حائط مسدود، حيث هُدرت جهود كبيرة وأموال طائلة في تجهيزها، وما لبثت أن توقفت بعد فترة قصيرة من تشغيلها.

كانت بلدية زحلة من أكثر الذين طمحوا إلى هذه اللامركزية بعد إعلانها من المدن الكبرى قبل بدء الأزمة اللبنانية. ولو سارت الأمور على النحو الذي كان مرجواً، كان يفترض أن تستكمل القرارات بإجراءات عملية على الأرض تسمح بتوسيع الكادر الوظيفي في مبناها بما يتلاءم مع هذه الترقية. علماً أنّ تجربة زحلة، التي حافظت على الاستقرار بإدارة مطمرها الصحي على رغم كل الظروف الصعبة التي مر ويمر بها لبنان، وعلى رغم الثقل الكبير الذي تحمّله النفايات وإدارتها للبلديات، شكّلت نموذجاً عما تستطيع هذه السلطة المحلية أن تحققه، إذا ما عملت بجدية على الإمساك بملفاتها.

قبل أيام أعلنت بلدية زحلة عن إضافة مدماك جديد لمطمر زحلة الصحي، ويتمثل في إنتهاء تجهيز محطة تكرير لمياه العصارة الناتجة عن نفاياتها. تقنية تنقية المياه المركزة الناتجة عن النفايات وتحويلها مياهاً صالحة للري التي إستخدمت في مطمر زحلة، هي الأولى التي تستخدم على صعيد لبنان وفقاً لرئيس بلدية زحلة أسعد زغيب، وتعرف بـ reverse osmosis. وقد تم إرساؤها بإتفاق مباشر بين البلدية والـUNDP، التي أمنت تمويل المنشآت بكلفة نحو مليون و200 ألف دولار، على أن تتكفل البلدية بإدارة المحطة.

ومع أن كلفة تشغيل المحطة مرتفعة، إلا أنّ جدواها الاقتصادية تكمن في ما ستوفره من مساحة إضافية داخل المطمر، كانت مجهّزة ببركة لتجميع عصارة النفايات وتبخيرها سابقاً، وبات يمكن للبلدية حالياً أن تنشئ فيها خليّة نفايات جديدة تطيل عمر المطمر لمدة ست سنوات على الأقل، تضاف الى فترة الثلاث سنوات المتبقية لإمتلاء الخلية الأخيرة فيه، علماً أنّ الـUNDP ستتكفل أيضاً بتجهيز خلية هذه الحفرة.

إذا كسبت بلدية زحلة فترة إضافية لإيجاد الحلول التي تؤمن إستمرارية إدارة نفاياتها للمرحلة المقبلة، من خلال إطالة عمر مطمرها الذي كان من بين مجموعة مطامر وضعت خطة إنشائها بتمويل من البنك الدولي منذ بداية هذا القرن، إلا أنه لم يكتب لها النجاح.

نقطة جذب لا منصة تنفيعات

وبحسب زغيب فإنّ أسباباً كثيرة قد تكون أعاقت الخطة الموضوعة على صعيد الوطن، إلا أنّ أبرزها كانت التدخلات السياسية، والتي حاولت أن تجعل من المطامر محميات سياسية ومنصات تحقق المكاسب لبعض المستنفعين، وهذا ما لم يحصل في زحلة، التي بات مطمرها نقطة جذب لإستثمارات إضافية.

فبعد فترة من إنشاء محطة الفرز ومطمر النفايات على نفقة البنك الدولي، تبيّن أنّ تجهيزاته لن تكفي لإستيعاب ومعالجة كل نفايات القضاء. مجدداً كان يمكن لهذا المطمر أن يغرق بالعجز، إلا أنّ حسن إدارته أمّن له تمويلاً جديداً عبر الـUSAID ما سمح بتوسعة مركز الفرز، وتجهيزه بتقنيات أفضل، ليباشر بإستقبال وفرز ما لا يقل عن 150 طناً يومياً. وهذه كانت مجمل الكمية التي بقي مطمر زحلة الصحي يستقبلها من زحلة و26 قرية تنقل نفاياتها إليه، قبل بدء النزوح السوري إلى لبنان.

إرتفعت هذه الكميات مع وجود النازحين إلى نحو 270 طناً يومياً، لتتفاقم هذه المعضلة مع إنهيار قيمة العملة اللبنانية، حيث بات مبلغ الـ13 دولاراً الذي تتقاضاه البلدية ككلفة معالجة كل طن، لا يتعدى العشرين ألف ليرة، فيما الكلفة الفعلية للمعالجة هي 42 دولاراً طازجاً تتضمن رسم إسترداد ثمن الإستثمار.

كانت بلدية زحلة هنا أمام خيارات عديدة، ومن بينها التوقف عن إستقبال نفايات القضاء، إلا أنّ رئيس بلدية زحلة رفض هذا الحل، متمسكاً بنظريته السابقة التي كانت تعتبر أنّه إذا كانت زحلة نظيفة ومحيطها ملوّث معناها أنّها ستبقى ملوثة. ولذلك كانت لقاءات ومشاورات عديدة، أشرك بعضها الجهات الدولية المانحة، التي بعد رفضها تمويل كلفة معالجة النفايات الناتجة عن المخيمات مباشرة، والتي قدّرت حينها بأربعين بالمئة من مجمل كمية النفايات التي يعالجها المطمر يومياً، تقرر تكليف أصحاب الأراضي التي يؤجرها أصحابها للسكن رسماً عن لمّ نفاياتها ونقلها إلى المطمر. وكان لافتاً تلقف معظم البلديات التي تعالج نفاياتها في مطمر زحلة الصحي هذا القرار بإيجابية، لتبدأ منذ بداية العام الجاري بفرض مبلغ 125 ألف ليرة عن كل خيمة للنازحين ضمن أراضيها، تدفع نسبة منها لبلدية زحلة ككلفة معالجة نفايات، على أن تستمر بدفع مبلغ الـ13 دولاراً عن كمية النفايات المتبقية بحسب التسعيرة الرسمية للدولار، والتي سترتفع بدءاً من شهر شباط من نحو 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة.

نموذج برّ الياس

هذا النموذج في زحلة، كان ينتظر أن يطبق في بر الياس حيث تمّ تجهيز مطمر صحي حديث بمواصفات عالمية، كان يفترض أن تؤمّن حلولاً جذرية لمشكلة النفايات في ثلاث من أكبر القرى البقاعية وهي بر الياس، قب الياس والمرج. إلاّ أنّ هذا المطمر الذي جرى تلزيمه مركزياً، توقف عند مواجهة المتعهد إنتكاسة مالية إثر تدهور قيمة العملة اللبنانية. وعلى رغم المحاولات المتكررة التي جرت لإعادته إلى سكة العمل مجدداً، فهو لا يزال متوقفاً، وينتظر الوعود التي أطلقت لتأمين موارد مالية له، بعد الإعلان عن عجز كل من البلديات التي تستفيد منه والدولة اللبنانية عن تسديد تكاليفه.

هذه المشاكل التي واجهت مطمر بر الياس، كانت أحد الأسباب التي ساهمت بحل بلدية بر الياس بعد إستقالة عدد من أعضائها، وخصوصاً بعد وقوع أزمة نفايات التي أعادت عقارب الساعة الى الوراء في ما يتعلق بمعالجتها، عبر إعادة إحيائها للمكبات العشوائية. ويُنتظر وفقاً للمعنيين بأن تقود وزارة البيئة مشاوراتها مع البنك الدولي لتمويل إعادة تشغيل هذا المطمر، علماً أنّ الجهات المانحة لم تعد ترغب بإنفاق الأموال في مشاريع منهارة. وتقتصر إستجابتها على المشاريع التي تلمس فيها إستدامة، وتكون فيها السلطات المحلية شريكة بتأمين هذه الإستدامة.

وهذا ما يتطلب وفقاً للمعنيين في البلديات، تحديث القوانين التي تجعل المواطن شريكاً في معالجة النفايات التي ينتجها إنطلاقاً من القاعدة البيئية التي تقول إنّ المُلوّث يدفع، مشيرة إلى أنّ البلديات التي تحمل مسؤولية أخلاقية في الحفاظ على النظافة وبالتالي صحة مواطنيها، لا يمكن أن تستثمر مداخيلها المحدودة فيما صلاحياتها مكبّلة.

القرعون وبعلبك

بالمقابل لا تزال نفقات الصيانة والمحروقات تحول دون إعادة تشغيل معمل الفرز في القرعون في ظل استمرار إغلاق مطمر النفايات الصحي في جب جنين الذي دخل وزير البيئة على خط الوساطات لإعادة تشغيله من خلال تأمين أجهزة «بيوفيلتر» تخفف من إعتراضات الأهالي على الروائح الناتجة عنه.

هذا في وقت ينتظر أن يثمر إغلاق مكب الكيال العشوائي في بعلبك قبل أسابيع، بحثاً جدياً في استكمال الخطوات العملية لتأهيل معمل فرز النفايات الحديث مجدداً، خصوصاً أن الجهات المانحة عبر البنك الدولي ولا سيما الدولة الإيطالية اشترطت قبل أن توافق على أي تمويل جديد يعيد تفعيل معمل الفرز والمطمر الصحي المجهزين لإستقبال نفايات مدينة بعلبك والقرى المحيطة، وقف رمي النفايات عشوائياً في الكيال، والذي يشكل معلماً رومانياً تاريخياً في مدينة بعلبك، وقد استولت عليه قوى الأمر الواقع منذ فترة، واستمرت بتحويله مكباً للنفايات، قبل أن يقفل بمؤازرة عسكرية من ضمن حملة تعقب المخالفات والمخالفين في منطقة بعلبك.