IMLebanon

بين زلزال وتسونامي… أبنية هذه المنطقة لن تصمد

كتبت زينب حمود في “الأخبار”:

«عندما يضرب الزلزال لن نعدّ الأبنية التي سقطت في الأوزاعي، لأن المنطقة التي تشبه مدينة الرمل ستختفي بالكامل، عدا عن غرق جارة البحر إذا ما تحرك التسونامي». هذا هو السيناريو الذي يرسمه أبناء منطقة الأوزاعي لـ«هلاكهم». يعبّرون عنه بقلق وعجز وتؤكدّه توقّعات المتابعين من المسؤولين بـ«زوال المنطقة بمن فيها وما عليها إذا ما اشتدت الهزات». ببساطة، يطلبون منهم الإخلاء من دون بدائل، محمّلينهم مسؤولية المخالفات.

تقصد الأوزاعي، وفي جعبتك اللوم الذي سمعته مراراً لسكانها الذين بنوا منازلهم عشوائياً برمل البحر والماء المالح والحديد الصدئ. هم من سكنوا بلا تراخيص، وتمدّدوا عمودياً وأفقياً من دون استشارة مهندسين لمعرفة قدرة البناء على التحمّل… وعلى رغم إدراكهم صعوبة صموده جراء الهزات المتكرّرة، قد ترتسم في ذهنك صورتهم يسترخصون أرواحهم وأرواح أولادهم طمعاً بالتملّك أو التعويض.

تصل إلى هذه المنطقة الشعبية، التي ترتمي على كتف البحر وتفتح جناحيها للطائرات التي تقلع وتحط في مطار بيروت الدولي المحاذي. شيئاً فشيئاً تتبدّد الصورة. الفقر فاقع هنا، بمثابة صك براءة. المنازل عتيقة جداً، والجدران على رغم طلائها بالألوان لا تخفي التشققات والتفسّخات، ولا حتى وجوه الناس البائسة. كلما تدخل زقاقاً يضيق المكان أكثر فأكثر ويتكشّف الحرمان، ويظهر الخوف حيال ضيق الأزقة، «إذا أوقع الزلزال بناء لن يقتل من فيه فحسب، بل كلّ من حوله… لأن الناجين لن يجدوا مفرّاً»، يسخر رجل مسن بينما يمرّ في الزقاق.

بيوتنا من رمل
لا تصل الدراجة النارية إلى منزل دونيس في الأوزاعي للسبب نفسه. تدخل منزلاً شبه خال من العفش، تسكنه الرطوبة. تشعر أنه يصمد بأعجوبة، إذ يظهر الحديد في الأسقف، وتنزف الحيطان حجارة، عدا عن النش الذي يجعل البناء أكثر عرضة للاهتراء. «منذ عشر سنوات يحتاج المنزل إلى ترميم، ناشدت الجمعيات من دون نتيجة، لكن مع الهزة صارت يدي تدخل في الحائط لاتساع الفجوة»، تقول دونيس. «أزمة نفسية» أصابت العائلة بعدها سلبتها النوم.
بعد الهزّة الأرضية التي وقعت في السادس من شباط الفائت، وما تبعها من هزات محلية وزلازل مجاورة وأخبار من هنا وهناك تحذّر من الأخطر، التفت أبناء الأوزاعي إلى منازلهم المتصدّعة التي لطالما تآلفوا معها. اهتزّت نفوسهم: «بيوتنا من رمل جرّ من البحر، لن تصمد»، عبارة تسمعها على لسان الغالبية العظمى. قلة تثق بمتانة البناء الذي تسكنه، وهناك من يذهب أبعد من ذلك في تشاؤمه: «إذا تعرّضت المنطقة لهزة أقوى ستقع بالكامل مثل بيوت الرمل التي ضربتها الرياح».
مذّاك، تحول حديث الناس من الدولار وقفزاته إلى الهزة وارتداداتها. «الأول يقتل عالبطيء لكن الثانية لا ترحم»، تقول زمزم وتنقل «رعب» أهالي الأوزاعي الذين تعرف أخبارهم عن كثب منذ سكنت وفتحت محلاً لبيع الأحذية في شارع السوق قبل سبع سنوات، فـ«أنا مختارة الأوزاعي»، كما تلقّب نفسها. تردّ على السؤال عن تداعيات الهزة عليها بسؤال يحمل في باطنه إجابة واضحة: «معقول يصير زلزال؟» صوتها المذعور وملامحها التي تغيرت فجأة واختفاء الابتسامة عن وجهها تحكي مخاوف لم تنم منذ السادس من شباط.

كابوس الزلزال: «أخاف النوم»
كلما أغمضت منى (57 سنة) عينيها لتنام «أخاف أن تباغتني الأرض وتهتز فلا ألحق أن أهرب، أو اضطر أن أهرب من دون غطاء الرأس ومن دون اصطحاب أمي المسنة». حتى في الأحلام لا يفارقها «كابوس الزلزال» والأبنية التي تسوّى أرضاً فوق الأشلاء. في صحوتها، «نظري كلّ الوقت يراقب السقف». تسكن منى خلف مخفر الأوزاعي في بناء يزيد عمره على الـ60 عاماً ويبعد من البحر «قطعة شارع». في صالون منزلها «قطعة كبيرة غير متعلقة في السقف، أتفادى المرور من تحتها، وانتقلنا للنوم في غرفة الجلوس بعدما صارت غرفة النوم بحالة مزرية».

صحيح أن الجميع يخاف من مآل الهزات، وأن الزلزال عندما يقع سيوقع أبنية غير مهدّدة بالسقوط، لكن الوضع يختلف عندما يكون المنزل في الأصل متداعياً وهزة عابرة قد لا تحدث ضرراً في الأول، قد تسقط الثاني أو يسقط سقفه لكثرة الهزات واشتداد التصدع. أضف إلى ذلك أن قاطني الأبنية المتداعية، إذا قرروا أن ينسوا الخطر، تذكرهم الجدران والأسقف المتهالكة به.
«ليس باليد حيلة»، تؤكد منى أن بقاءها في منزل تملكه بمواصفات غير آمنة «ليس انتحاراً وإنما عجزاً. فإذا غادرته كيف أتحمل تكاليف إيجار آخر؟ ومن سيستأجر منزلي إذا عرضته للإيجار؟ إلى أين أذهب؟». تسأل بينما تشتري البصل لتطهو المجدرة، وفي الأكياس التي تحملها علبة صلصة «اشتريتها بثمن بخس لأن مدة صلاحيتها ستنتهي بعد شهر ونصف الشهر».