IMLebanon

“كتّاب العدل” والمخاتير… يملأون فراغ الدولة

كتب محمد دهشة في “الجمهورية”:

بين فتح المؤسسات الرسمية واقفالها والإضراب وتعليقه والاعتكاف من دون استلام المعاملات، في مؤشّر على تفكّك الدولة وتلاشي خدماتها، تقدّمت إلى واجهة الإهتمام مهن بالكاد كانت تذكر في الأيام العادية، وتحديداً قبل الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة قبل ثلاث سنوات ونيّف، بعضها اليوم يملأ فراغ غياب الدولة في تيسير أمور المواطنين وبعضها الآخر يمهّد الطريق إلى الهجرة.

كتّاب العدل في لبنان من هؤلاء، لا تهدأ حركة معاملاتهم وخاصة في المدن الكبرى، تعجّ مكاتبهم بالازدحام طوال ساعات الصباح، بعدما تحوّلت ملاذاً رديفاً لإنجاز المعاملات التي تعطّلت بسبب اضراب موظفي الادارة العامة، الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة بتحسين ظروف عيشهم ورفع رواتبهم لتتناسب مع متطلّبات العيش الكريم مع الغلاء وارتفاع الاسعار ارتباطاً بالدولار الأميركي.

ويقول أحد كتاب العدل العاملين لـ»نداء الوطن»: «إنّ اقفال الادارات الرسمية وخاصة المالية، العقارية ومصلحة تسجيل السيارات (النافعة) جعل الإقبال كثيفاً على إنجاز المعاملات التي تتعلّق ببيع السيارات عبر إعداد توكيل بالقيادة، اضافة إلى عقد البيع الممسوح سواء للأراضي أو الشقق السكنية وتكون جاهزة للتنفيذ في الدوائر المختصّة حين افتتاحها، ناهيك عن معاملات أخرى تتعلّق بتسيير أمور المواطنين وشؤونهم مثل عقد العمل وايجار المنزل وسواهما». في التعريف القانوني لكاتب العدل، هو الموظّف المختصّ الذي يصادق على كل مستند رسمي، بينما في المفهوم الشعبي هو الوسيط بين المواطنين وإدارات الدولة، ويتقاضى نسبة 30% من رسوم الدولة على كل معاملة، تشمل المعاملة والطابع والتحرير والنصّ وطابع التعمير.

ولكن بعض المواطنين باتوا يشكون من إرتفاع الرسوم، إذ تتفاوت كلفة المعاملة بين كاتب عدل وآخر، فمعاملة وكالة قيادة السيارة التي تصل رسومها إلى نحو 100 ألف ليرة لبنانية، يتقاضى البعض اتعابها 250 الف ليرة لبنانية، وذلك نتيجة غياب الرقابة سواء من التفتيش المركزي أو المالية او مصلحة حماية المستهلك، لأنّها عملياً تغيب عن أنظارهم، إذ تعتبر أقلّ أهمية من مراقبة اللحوم والدواجن والسوبرماركت والمحال التجارية والأجبان والألبان وغيرها من المواد الغذائية التي تهم الصحة مباشرة.

بالمقابل، يبرّر هؤلاء بأنّ الدولة لم تنظر إلى كتّاب العدل لرفع نسبتهم من رسوم المعاملات بما يتلاءم مع غلاء أكلاف الحياة وارتفاع أسعار القرطاسية ورواتب الموظفين وإيجار المكاتب أو رسوم الاشتراك بالمولد الكهربائي وسواها من متطلّبات العمل، ما يدفع كل واحد إلى تقاضي المبلغ الذي يراه مناسباً للمعاملة، مؤكّدين أنّ بقاء الرسوم على حالها لا تكفي كفاف العيش.

كاتب العدل السابق عبد الرحمن الأنصاري الذي أمضى ربع قرن في هذا العمل في صيدا يقول لـ»نداء الوطن»: «المهنة تتطلّب جهداً كبيراً للتدقيق بأي معاملة منعاً للتزوير، فكتّاب العدل هم موثوقون ومعتمدون من الدولة، يُعيّن الواحد عبر الامتحانات ووفق علاماته تحدّد جغرافية عمله، فالأكثر يكون كاتباً بالعدل في القضاء والأقلّ في المدينة ثم في القرى، ولا يجوز لأي كاتب عدل تجاوز رقعته الجغرافية المحدّدة، تبقى المعاملة سليمة ولكن يغرّم إذا أنجز معاملة في غير موقعه».

ويروي الانصاري «أنّ أكبر التحدّيات التي واجهت مسيرة عمله التي امتدّت ربع قرن من الزمن، هو اكتشاف التزوير، قبل بسط الدولة سيطرتها على الأراضي اللبنانية وتوقيف الكثير من المزورين»، مشدّداً على ضرورة إعادة النظر بالرسوم التي يتقاضونها للتوافق مع متطلّبات الحياة الكريمة، وحتّى يتمّ ضبط أي مزاجية في تقاضي ثمن المعاملات».

الى جانب كتّاب العدل، ينشط المخاتير لانجاز معاملات المواطنين وخاصة في الأحياء التي انتخبوا عنها، ومنها ما يتعلّق بالزواج والطلاق والوفاة والولادة واخراج القيد الفردي والعائلي والهوية وسواها، كما ينشط معقّبو المعاملات وقد افتتح كثير منهم مكاتب خاصة تقدّم خدماتها للزبائن وفق الحاجة، ضروري وعاجل وعادي ولكلّ صنف سعر وتدخّل في المعاملات أحياناً – الخط السريع لتنجز في ذات اليوم ـ وإضافة الى معاملات المخاتير نفسها، تصديق الشهادات والإفادات في الدوائر المعنية والوزارات والسفارات.

كذلك ينشط المحلفون القانونيون ومكاتب الترجمة وثمة إقبال غير مسبوق على المعاملات المرتبطة بالحصول على «الفيزا» من السفارات لغايات الهجرة أو الدراسة في الخارج أو اكمالها ونيل الشهادات العليا، وكلّها خدمات باتت تتربّع على عرش حياة الناس وبقوّة في ظلّ غياب مؤسسات الدولة.