IMLebanon

انطلاق المبارزة الرئاسية داخلياً وخارجياً

كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:

قد يكون من باب المفارقة اللافتة ان ينطفىء فجأة تشنج تلى المواقف الاخيرة لرئيس مجلس النواب نبيه برّي. اقتصر السجال على رد ثم رد على الرد وانتهى الامر عند هذا الحد. بعدذاك بدأ يوم جديد يُفترض ان يذهب بانتخابات رئاسة الجمهورية في مسار مختلف يخرجها من جمودها في احسن الاحوال. المحسوب ان تبدأ من الآن فصاعداً مقاربة الاستحقاق على نحو يتجاوز احتساب الاصوات والاوراق الملغاة والترشيحات غير الجدية ـ ما لم يقل اصحابها انهم جديون ـ وتلك الوهمية والنعوت. المحسوب كذلك ان اي موعد لجلسة انتخاب جديدة سيكون مستحيلا التئامها ان لم تكن مخصصة لانتخاب الرئيس المتفق عليه.

ما اعلنه برّي بدا اقرب ما يكون الى وضع زيحٍ عريض بين المرحلة المنصرمة بالجلسات الاحدى عشرة لانتخاب الرئيس وبين ما يقتضي ان تباشره مرحلة جديدة قد لا يكون قاطعاً ومؤكداً انها ستنتهي الى انهاء الشغور. قطع رئيس المجلس، بما يمثله في آن كرئيس للسلطة الاشتراعية وكالنصف الثاني في الثنائي الشيعي، بأن لا جلسة جديدة لانتخاب الرئيس تشبه سابقاتها. على الاقل من وجهة نظره ـ هو المرجع الدستوري المقصور عليه تحديد الموعد ـ وما يرمز اليه موقعه ودوره وحاجة الافرقاء جميعاً الى التفاوض معه.

حدد برّي عدّة الشغل الجديدة لانتخاب الرئيس:

1 ـ جزم نهائياً، وربما اخيراً، في ما كان لا يزال الثنائي الشيعي يكتمه، تاركاً الخيار للنائب السابق سليمان فرنجيه ان يفعله، وهو ان يحدد الزمان والمكان الذي يعتقد انه اصبح من الضروري اعلان ترشحه رسمياً لرئاسة الجمهورية. خلافاً لما سبق انتخاب الرئيس ميشال عون ورافقه، يظهر الموقف الشيعي اليوم متماسكاً تماماً مع فرنجيه. ما حدث عام 2016 سجّل سابقة افتراق الثنائي في استحقاق دستوري في حجم انتخابات رئاسة الجمهورية، بأن حجب برّي اصوات كتلته عن المرشح الوحيد الذي خاض حزب الله معركته طوال سنتين ونصف سنة الى ان انتخب. من ذلك تفسير ما قاله رئيس المجلس قبل ايام عندما كشف ان فرنجيه مرشح الثنائي، انه اختصر المهل الطويلة الآجال للزعيم الزغرتاوي كي يتقدم بترشحه. العلامة المباشرة بعد الآن ان لا ورقة بيضاء يضعها الثنائي في صندوقة الاقتراع على غرار الجلسات الاحدى عشرة، وذروتها الاولى في 29 ايلول بـ63 ورقة بيضاء. ذلك ما فسّر ايضاً سر تكتم فرنجيه الذي لا يترشح سوى للجلسة التي يُنتخب فيها.

2 ـ قطع برّي بأمرٍ واقع آخر. بعدما قال ان الاستحقاق يدور من فوق الطاولة ومن تحت من حول فرنجيه وقائد الجيش العماد جوزف عون كما لو ان لا ثالث لهما في حسبان الثنائي الذي يتصرف على ان الخيار امامه هو احدهما، اخرج عون للتو من النزال عندما افصح عن تعذر انتخابه من دون تعديل دستوري. عندما يصعب على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الاجتماع بلا موافقة مسبقة من حزب الله واطلاعه سلفاً على جدول اعمال الجلسة كي يوافق على التئامها، ويصعب عليها استعادة ثلثها المسيحي المقاطع لها والطاعن في دستورية جلساتها، يمسي من المحال اكثر وصولها الى لحظة تقرر فيها التقدم بمشروع قانون دستوري لتعديل المادة 49 من الدستور، بمبادرة منها على الاقل، في ظل انقسامها وفي غياب رئيس الجمهورية المعني باحالة مشروع القانون الدستوري بمرسوم الى البرلمان عملاً بالمادة 76، فكيف عندما يناهض الثنائي الشيعي في الاصل انتخاب قائد الجيش.
جزم رئيس المجلس سلفاً بما لن يُقدم عليه ثانية وهو تكرار سابقة 2008 بانتخاب الرئيس ميشال سليمان بلا تعديل دستوري. طوى موقفه هذا، الى حجته في استحالة التعديل الدستوري، تأكيداً سياسياً اكثر ثباتاً ووضوحاً هو ان قائد الجيش لن يكون في اي وقت مرشح الثنائي الذي يضع سلفاً على طاولة التفاوض مع الغرب اوراقه المعوِّل عليها فيه: ان يقول من الآن مَن لا يريده ومَن يتمسّك به.

3 ـ مع ان الابواب تبدو موصدة في ما قاله برّي بحصر الخيار بفرنجيه، بيد انها ليست كذلك تماماً. ترك لها شقاً يمر فيه الهواء بتحدثه عن الدافع الذي يحمله على تحديد موعد الجلسة الثانية عشرة، وهو إما التوافق على مرشح واحد او الذهاب الى تنافس مرشحيْن او اكثر. بذلك، الى ان يصير الى التوافق على اسم ثان او ثالث، ليس في حسبان الثنائي الشيعي سوى فرنجيه على انه مرشحه التوافقي الذي يرى رئيس المجلس انه «الشخصية المارونية الوحيدة غير المسكونة بهواجس الماضي القادرة على التواصل مع الافرقاء جميعاً في الداخل ومع الطوائف جميعاً والقادر على التواصل مع الخارج».

4 ـ بات الاستحقاق الرئاسي يواجه الآن صنفين من الفيتوات يتعذر كسر اي منهما: في مقابل الفيتو الشيعي على قائد الجيش، ثمة فيتو مسيحي على فرنجيه. كلاهما يراهن على الغائه الآخر، فيما بعض ثالث يراهن على يتبادل المرشحان المستعصيا الوصول الالغاء فيسقطان في آن.