IMLebanon

تطوّر مفاجئ… هل “انكسر الجليد” بين قائد الجيش ووزير الدفاع؟

كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”:

لم يَنشر الموقع الرسمي للجيش اللبناني على “تويتر” خبر استقبال وزير الدفاع موريس سليم لقائد الجيش العماد جوزف عون في مكتبه. في المقابل قام المكتب الإعلامي للوزير، كعادته عند كل نشاط يقوم به الأخير، بتوزيع خبر الاجتماع الثنائي على غروب واتساب الخاص بنشاطات وزير الدفاع مع فيديو صامت.

في الساعات الماضية دخل تطوّر مفاجئ على مسار العلاقة بين “الوزير” و”القائد” تمثّل في إتمام مراسم “مصالحة السراي” برعاية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد جولات من الكباش الحادّ بين “الجنرالين” الذي لامَسَ الخط الأحمر عبر التأثير المباشر على أوضاع المؤسّسة والعسكر و”هيبة” الجيش في ظل أسوأ أزمة مالية سياسية يمرّ بها لبنان منذ التسعينيات.

“مشكلة” الصورة!

فعلياً، المشكلة كانت في الصورة أكثر من المضمون. توسّط بين الوزير والقائد “شيخُ صلح” هو رئيس الحكومة العاجز عن لجم أسوأ كارثة إنسانية تحلّ على رؤوس اللبنانيين، والذي يَمنح بالتنسيق مع وزير المال “زَودة” راتب وبدل نقل ومساعدات لموظفي القطاع العام، وعلى رأسهم العسكر، لـ “تَمحي أثرَها” بساعة واحدة مافيات التلاعب الإجرامي بالدولار بهدف تكريس الفوضى وتجميع ثروات طائلة وتثبيت “حُكم الصرّافين”.

هو الرئيس ميقاتي أيضاً الذي يُحاوِل إلزام الجيش وباقي الأجهزة الأمنية بعرض الهِبات التي يتلقّونها على مجلس الوزراء وإقفال كلّ الحسابات في المصارف الخاصة حتى لو كلّف الأمر عرقلة تسهيل أمور العسكر بسبب الآلية البطيئة داخل الحكومة التي لا تتلاءم مع استثنائية المرحلة.

الجزء الآخر من الصورة هو الأهمّ. لماذا أوصل قائد الجيش نفسه إلى أن يكون طرفاً في “حلّ عشائري” خطّط له ميقاتي، الذي سبق له أن أعلن دعمه لسليمان فرنجية بالسباق الرئاسي، فيما الجيش هو صاحب المبادرة في ابتكار “الصلحة العشائرية” في المناطق بهدف حماية السلم الأهلي.

الحلّ إلى الأسبوع المقبل

يَجزم كثر أنّ الاجتماع المالي العسكري في السراي يوم الأربعاء بحضور وزيرَي الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة الأمنية للبحث في “الزَودات” للعسكر انعقد خصّيصاً لإعداد “الممرّ الآمن” للقاء سليم وعون، بحيث لا ينكسر أحدهما للآخر، وذلك بعدما فشلت كل الوساطات السابقة في جمعهما في غرفة واحدة.

وفق معطيات “أساس”، لم يكن قد اتُّخذت حتى يوم أمس أيّ إجراءات تشكّل تراجعاً عن القرارات التي اتّخذها الطرفان ربطاً بـ “مصالحة السراي” ثمّ لقاء الساعتين في وزارة الدفاع.

الوزير لم يقصد مكتبه أمس في اليرزة، والتعيينات وقرارات الفصل العالقة في الجيش لا تزال في دوّامة عدم الحسم، ولم تتبلّغ الأجهزة الأمنية أيّ أمر في شأن القرارات المُتضاربة الصادرة عن قائد الجيش ووزير الدفاع بموضوع ترخيص حمل السلاح.

لكنّ مصادر معنيّة تؤكّد لـ “أساس” أنّ “الجليد انكسر”، متوقّعة حصول حلحلة تدريجية بدءاً من الأسبوع المقبل، وأن يسهِم الـ “ويك إند” أكثر في تبريد الأجواء الساخنة تمهيداً لإزالة ألغام التضارب في التوجّهات.

يقول هؤلاء: “ما لا يعرفه كثر أنّ وزير الدفاع، الجنرال السابق في الجيش، وقائد الجيش هما من القماشة العسكرية نفسها التي تضع مصلحة الجيش أولاً وفوق كل اعتبار. لكن حين تدخل السياسة تخرّب كل شيء. وكيف إذا كان قادة الجيوش يتصرّفون كأنّ الجيش يُختصَر بقائده، فيما وزير الدفاع مجرّد ضيف شرف”.

سليم ليس بو صعب!

لا يمكن، وفق العارفين، إلباس “التُهم” التي واكبت أداء وزير الدفاع السابق الياس بو صعب، لوزيرٍ كموريس سليم.

بتأكيد هؤلاء نفّذ بو صعب، بالتنسيق مع النائب جبران باسيل، أجندة حزبية طَغَت عليها الحسابات الشخصية ووصَلت إلى حدّ فتح حرب ضد قائد الجيش لم تنتهِ مع خروج بو صعب من وزارة الدفاع، بل استمرّت بوتيرة أكبر، واتّخذت أبعاداً أكثر خطورة في ملفّ الترسيم البحري وموضوع التهريب على الحدود والمراسيم التطبيقية لقانون الدفاع والمساعدات المقدّمة إلى الجيش و”الوشاية” بالقائد في الخارج.

شخصية الوزير سليم وخلفيّته المؤسّساتية وتطرّفه للجيش وأجندته الخالية من الحسابات السياسية ورفضه لتنفيذ إملاءات حزبية، بحكم شخصيته العسكرية، كل ذلك لم يجعل منه “الياس بو صعب آخر” في اليرزة.

كل ما في الأمر أنّ الوزير سليم هو ابن المؤسّسة ويعرف زواريبها ويُسمّع غيباً قانون الدفاع ويعرف حدود الصلاحيات بين وزير الدفاع وقائد الجيش ويتمسّك بـ “الكتاب”، ولذلك سلّم بمخالفة قائد الجيش للقانون. هي المشكلة الأزلية التي لم تحلّ بعد: قانون الدفاع، كالدستور، يمكن تحويله إلى “وجهات نظر”.

الأمرُ كافٍ لخلقِ نزاع بين أيّ وزير دفاع وقائد جيش باستثناء الحالات التي يقرّر فيها وزير الدفاع أن يكون “ضيف شرف” في اليرزة يوقّع المعاملات وينفّذ ولا يعترض، وهذه بالتأكيد ليست حالة موريس سليم.

عون: لا للعونيّة السياسيّة

في المقابل، يَتمترس كثر، في المؤسّسة وخارجها، إلى جانب العماد عون في كل ما فعله منذ تعيينه قائداً للجيش. فعون، برأي هؤلاء، واجه حرباً شرسة عليه من جانب باسيل انضمّ إليها لاحقاً ميشال عون متّهماً إياه بالانقلاب على عهده، ولم يَسمح لـ “العونية السياسية” أن تُسيطِر على مفاصل المؤسّسة العسكرية، وحاول قدر الإمكان فصل “ترشيحه الطبيعي” بحكم الأمر الواقع إلى رئاسة الجمهورية عن إدارته للجيش، وقام بما قد يعجز عنه آخرون بردّ تسونامي الأزمة المالية عن عَسكرِه حيث باتت “طبابة الجيش الشاملة” معرض تنويه… وحَسرة لدى الأجهزة الأمنية الأخرى.

والأهمّ أنّه تمسّك بصلاحياته كقائد جيش في أصعب مرحلة وأخطرها، ما تطلّب أداءً يتجاوز البيروقراطية إن كان داخل الوزارة نفسها أو من خلال ربط حاجات الجيش الملحّة باجتماعات الحكومة التي تحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال. لسان حال هؤلاء: “الظروف الاستثنائية تتطلّب إجراءات استثنائية. ومصلحة الجيش تعلو على أيّ شيء آخر”.

فعليّاً، عَكَس كلام قائد الجيش الأخير من البقاع حقيقة ما يتعرّض له من إطلاق نار، تحديداً من جانب “التيار الباسيلي” بحيث يخوض جبران، بخلفيات رئاسية، معركة كسر عظم ضد العماد عون وصلت إلى حدّ اتّهامه بـ “الخيانة”.

تحدّث عون عن “استمرار بعض الموتورين والمسؤولين المعنيين وغير المَعنيين باختلاق الإشاعات وفبركة الملفّات وتشويه صورة المؤسّسة واتّهامنا بالفساد وخرق القانون”.

أعلن عون صراحة “خرقه للقانون في قبول المساعدات من أجل تأمين الدواء والتغذية والتنقّلات للعسكريين، والاستشفاء والمساعدات المدرسية لعائلاتهم، والسماح للجيش بالاستمرار بتنفيذ مهمّاته”، متّهماً خصومه، وعلى رأسهم باسيل بـ”الغباء وقلّة الحياء والوفاء”.

يجزم كثر أنّه “على الرغم من المصالحة لن تتوقف حرب باسيل على قائد الجيش، خصوصاً إذا ارتفعت أسهم عون الرئاسية أكثر من خلال التوافق الداخلي والخارجي عليه”.