IMLebanon

“عقارب” السّاعة “لَسَعت” ميقاتي: لن “يلدَغ” عارفوه مرّتين

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

إنتهت تداعيات «ساعة التخلّي» عن مواكبة التوقيت العالمي وعادت الطوائف والمناطق المنقسمة بين صيفي وشتوي إلى قواعدها وهدنتها الموقّتة. كاد اجتماع اللحظة بين رئيسي النواب والحكومة أن يُخربط فصول الإعتدال المهزوزة أصلاً. النفوس المشحونة لا تحتمل المغامرات حتّى لو كانت ساعة واحدة «بالزايد أو بالناقص». قرار «ثنائي» بتنفيذ منفرد، رفع أثقاله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. أما كلفته فأوشكت على الإطاحة بـ»التعاسة المشتركة» بين اللبنانيين، مهدّدة الوحدة الهشة التي تجمع بينهم. سياسات عبثية تسقط شعرات معاوية الواحدة تلو الأخرى، حتى شارف الصلع أن يجتاح رؤوس الحكّام الحامية.

إنشطر اللبنانيون عموديّاً وأفقيّاً بين خطوط الطول والعرض. عادة تفرز الإنقسامات موالين لهذا الطرف أو ذاك. لكن ميقاتي لم يجد من يقف إلى جانبه أو يدافع عنه. تُرك وحيداً في وجه المعترضين على قراره. لم يناصره أيّ نائب أو وزير أو مسؤول من أهل السنّة، مع العلم أن قراره بتأجيل تأخير الساعة قد لاقى ارتياحاً ورضى لدى عموم المسلمين. ما يطرح تساؤلات عدّة حول طبيعة هذا «التخلّي» وخلفياته. هل هي ذاتية متعلّقة بشخص رئيس الحكومة؟ أم هي موضوعية مرتبطة بواقع الطائفة السنيّة وتحولاتها العامّة والسياسيّة؟

يرى أحد المطلعين على واقع الطائفة، أنّ أهم الأسباب التي دفعت إلى ترك ميقاتي يواجه «العاصفة الصيفيّة»، هو التغيير الذي طرأ على التمثيل السنّي الذي لم يعد مختصراً ضمن قطب واحد أو حزب واحد أو تيّار واحد. أصبح ميزان القوى النيابية متعدد المشارب والتيارات والمناطق. هذا التشتّت انعكس سلباً على ميقاتي في خوض صراع بالوكالة. لا «يمتلك» الرجل أي كتلة نيابية «يمون» عليها.

السبب الثاني، يرتبط بشخصية ميقاتي غير الموثوق بها من قِبل الكثير من اللبنانيين بمختلف أطيافهم. انعدام الثقة بمواقفه وقراراته جعلت الكثير من المسؤولين، والجزء «الشتوي» من المواطنين ينفضّون عنه رغم أحقية الموقف بنظرهم.

والسبب الثالث، يعود إلى قناعة راسخة لدى البعض أن هذه «المعركة» هي بالنيابة عن «الثّنائي الشيعيّ»، وليست معركة سنيّة ليخوضوا غمارها معه أو مع من يقف خلفه. لن يُكسبوا الثنائي أي نقطة في هذه المعركة الطائفية المُستجدّة.

أمّا السبب الرابع، فيعود إلى مواقف وقرارات ميقاتي التي تراجع عنها مراراً وتكراراً، بضغط من هنا أو تمنٍّ من هناك. هذا التراخي جعل السياسيين السنّة يحيدون عن مناصرته. لم يتحمّسوا للدفاع عنه. ولسان حال هؤلاء الساسة «لن نخوض معركة نجيب». ومن أبرز الأسباب الأساسية التي جعلت الجميع يبتعدون عنه، هو فشل حكومته على كل الأصعدة والمستويات السياسيّة والاقتصادية والمعيشيّة والمالية. فأصبح لبنان في عهده من حيث نسبة الفقر والتضخم والفشل والهجرة والأزمات والإنهيارات في قعر الدول، تليه زيمبابوي فقط.

في هذا السياق، يتردّد أنه لدى صدور «توقيت برّي ميقاتي»، تواصل بعض النوّاب السنّة للتشاور في ما بينهم واتخاذ الموقف المناسب، حتّى قال أحدهم: «أعطوا الرجل فترة 48 ساعة فقط وسيعود عن قراره كما عوّدنا دائماً، وهو لن يُخيّب ظنّنا»، فاتفق معه النوّاب ولم يتخذوا أي موقف إيماناً منهم بأن ميقاتي سيعود عن قراره وأن لا قدرة له على المواجهة. وهذا ما حصل!

في المحصّلة، لم يترك ميقاتي لنفسه في السياسة أيّ صديق أو حليف سوى من لديه مصالح معه أو مع حكومته. هذا الواقع دفعه للحديث مراراً أمام زوّاره أنّه لم يعد يرغب في الإستمرار على رأس حكومة تصريف الأعمال بسبب المناكفات السياسية. لكن في المقابل، ألم يسأل نفسه لماذا وصل به الحال إلى هذا الحدّ؟ ألم يتبصّر قبل أن يُقرّر اللعب بالميزان اللبناني وصيغته الكيميائية، عبر انفراده بالقرار ودعوته لجلسات مجلس الوزراء بطريقة غير دستورية في ظلّ الفراغ الرئاسي وكأنّ شيئاً لم يكن؟ ألم يعلم ميقاتي أن اللفّ والدوران حول الدستور سيؤدّي به إلى هذه النتيجة؟ على كل حال، من يزرع الريح يحصد العاصفة، وهذا ما جناه على نفسه، كما يرى معارضوه.