IMLebanon

المواجهة الإيرانية ـ الإسرائيلية من الساحة الواحدة إلى وحدة الساحات

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

رفع تكثيف القوات الاسرائيلية ضرباتها في الآونة الأخيرة على المواقع الايرانية في سوريا بشكل متتالٍ وشبه يومي، على غير ما كان معهوداً سابقاً، من منسوب التوتّر ومستوى المواجهة بين الطرفين، الى حدّ ينذر بسقوط كلّ التفاهمات الضمنية وتبدّل قواعد اللعبة واتّساع رقع المواجهة من جبهات وساحات منفردة الى وحدة الساحات في المواجهة. وقد يكون الاندفاع الاسرائيلي لتكثيف العمليات العسكرية والاعتداءات نابعاً من التأزّم والغليان الداخلي على الساحة الاسرائيلية التي لم تشهد انقساماً حادّاً كما حصل في الآونة الاخيرة ممّا دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للهروب الى الامام والمواجهة الخارجية في محاولة لإيقاف الإنزلاق الداخلي وتعاظم المعارضة له ولصفوف معسكره. ومهما يكن الأمر، فإنّ مرحلة ما بعد انطلاق الصورايخ الاخيرة ستكون حتماً مغايرة لما كانت عليه سابقاً.

والفارق أنّ الإيراني يدخل باندفاع متسارع في تسوية العلاقات مع المملكة العربية السعودية قد تشمل على ما يبدو اليمن والبحرين وسوريا ولبنان والعراق، ممّا يتيح له التفرّغ للتهديد الاسرائيلي المتصاعد بوجهه من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي جعل التهديد النووي الإيراني مادة أساسية في حملاته الانتخابية، وحاول المزايدة بالتصدّي لهذا الملفّ باستثماره على الصعيدين الاسرائيلي والأميركي.

بخطى متسارعة يتمّ تنفيذ البنود المتّفق عليها في الإتفاق الإيراني ـ السعودي في اليمن، لقاءات ثنائية وخطوات واضحة على خط فتح السفارات. وتتحدّث مصادر ديبلوماسية غير عربية عن أنّ المفاوضات تجرى على قدر من الإيجابية وأنّ اليمن هو المعيار الحقيقي للتقدّم على مستوى العلاقات السعودية ـ الإيرانية. ثمّة تطورات إيجابية حصلت واتفاق على إنهاء حرب اليمن والخروج منها الى مرحلة جديدة من التنسيق المشترك، وهناك معلومات تتحدث عن أفكار وسطية للحلّ تمّ التوصل اليها وهي قادرة على إنهاء الحرب في غضون فترة قصيرة.

الإتفاق الذي تتحدّث المصادر الديبلوماسية عن انعكاساته الواسعة في المنطقة تعتبره مصدر قلق للإسرائيلي والأميركي، ومن هذه الزاوية تقرأ التصعيد الإسرائيلي على أكثر من جبهة من الداخل الفلسطيني الى الحدود مع لبنان، وهو تصعيد يعكس رغبة إسرائيل في توتير الوضع الأمني وإشعال جبهات المواجهة في محاولة للقفز فوق خلافاتها الداخلية. أصرّت إسرائيل على أن يشمل كلّ الجبهات دفعة واحدة، ما يعطي أكثر من مؤشّر على وجود نية تصعيدية:

– تعمد إسرائيل منذ فترة ليست قصيرة الى القيام بتجاوزات أمنية وانتهاكات للخط الأزرق وتقصد التصادم مع الجيش اللبناني عند نقطة الحدود.

– رفع وتيرة الإعتداءات داخل فلسطين المحتلة والقيام بخطوات إستفزازية في المسجد الأقصى.

– رفع وتيرة الإستهداف في سوريا وتعمّد ضرب أهداف إيرانية ما أدّى الى وقوع إصابات في صفوف الحرس الثوري الإيراني، ما فهمته إيران على أنه رسالة إسرائيلية بكسر الخطوط الحمر الموجودة وتجاوزها.

في التفسيرات الأوّلية أنّ إسرائيل تسعى الى إشاحة الأنظار عن الخلافات داخلها وعن حركة الإحتجاجات في الشوارع، والى تعكير أجواء الإتفاق السعودي ـ الإيراني بالهروب الى تسخين الجبهات والخروج بمظهر الضحيّة أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي.

ردّ جبهة الممانعة على العدوان الإسرائيلي كان من خلال اللقاءات التي حصلت مع القوى الفلسطينية في لبنان والتي ستحصل قريباً جداً في سوريا. وبذلك نكون أمام عملية تبادل رسائل أمنية سياسية بين أطراف المواجهة التي، وإن استنفرت إستعداداً للتصعيد الأكبر، لكنّها بدت مجتمعة في غير وارد الذهاب بعيداً في تسخين الجبهات وتعكير صفوّ الإتفاق السعودي ـ الإيراني.

على جبهة الجنوب والحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة، لم يكن جديداً الردّ بصواريخ فلسطينية المصدر. كان الجديد في عدد الصواريخ التي أطلقت من الجانب اللبناني من الحدود وتلك التي تمّت مصادرتها من قبل عناصر الجيش اللبناني. لم يعلن «حزب الله» مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ، وعملية محدودة كهذه لا تتوافق وحجم ردّه المتعارف عليه. لكن «حزب الله» لم يسارع للنفي علناً بل عبر مصادر مقرّبة منه، بينما كان لافتاً العمل على تبريد الجبهة الجنوبية وعدم انفلات الأمور منعاً للخروج عن السيطرة من ناحية الفعل وردّ الفعل عليه. ما يمكن فهمه على أنه رسالة من «حزب الله» مباشرة الى إسرائيل بأنه جاهز متى أراد التصعيد، وأنّ جبهات المقاومة يمكن أن تتوحّد متى رأى ذلك مناسباً.

من وجهة نظر المطّلعين على موقفه، فإنّ «حزب الله» تجنّب إسداء خدمة لإسرائيل المنهكة بفعل خلافاتها الداخلية وإظهارها للعالم بمظهر الضحية المعتدى عليها، علماً أنّ هذا لا يلغي أن يد «حزب الله» لا تزال على الزناد، وهو، كما سبق وهدّد أمينه العام السيّد حسن نصرالله، لن يسمح بتكرار الإعتداءات الإسرائيلية. المتوقّع أن يبلغ التصعيد مبلغاً لم يسبق أن بلغه ولذا سيخصص السيّد نصر الله كلمته في يوم القدس لتوجيه رسائله التحذيرية لإسرائيل من مغبّة إرتكاب أي عدوان على لبنان أو بتجاوز الخطوط الحمر، لأنّ الردّ سيكون موجعاً ومختلفاً عن المرّات التي سبقت، وأنّ المواجهة لن تكون على ساحة واحدة بل على امتداد وحدة الساحات كافة.