IMLebanon

المطران منصور: وحدك قادر أن تخرج لنا من الحزن فرحاً

وجه متروبوليت عكار وتوابعها للروم الارثوذكس المطران باسيليوس منصور رسالة الفصح المجيد، وجاء فيها: “يا سيدي، ولا أعرف كيف أتجرأ وأناديك بيا سيدي، وكل ما فيك، وما أنت عليه أنا على نقيضه، وفقط على الرجاء أنني سأصبح بعضًا مما أنت عليه.

يا سيدي، ويا سيد كل الشهداء أسيادي وقدواتي. فأنت السيد. منك ولك السيادة من ذاتك، وبك فقط يستطيع الموتى أن يعودوا الى الحياة، وفيها تجعلنا على مثالك بعد أن منحتنا مجانا أن نكون على صورتك”.

وتابع: “كل الأسياد في العالم يسودون على الشعوب، ويستخدمونهم، وكم كانوا عبيدا أو مستخدمين في أحوالهم. أنت فقط تركت السيادة، وصرت مثلنا آخذا صورة عبد ما خلا الذي يستعبدنا. وأمام قدرتك، وقوة جبروتك تنحني الهامات، وتتساقط التيجان، وتذبل كل زينة بني البشر وزهوهم لأنك أنت الوحيد الفريد، اللطيف، الحنون، الرحوم، بالرغم من أنك تستطيع، وبإرادتك فقط، وبدون أن تقول كلمة أن تصنع اكوانًا أكثر مما صنعت في كلمتك الأولى، وأن تخلق ملائكة تفوق عددا الملائكة الذين يسبحونك بصوت واحد: قدوس قدوس رب الصباؤوت الأرض والسماء مملؤتان من مجدك. لقد صدق جبران خليل جبران عندما قال: إن إكليل الشوك الذي قبلته بمحض إرادتك أبهى وأكبر مجدا وعزة من كل تيجان الملوك، وأكاليلهم التي تحيط برؤسهم”.

وقال: “يا سيدي، ويا رب الأرباب، وإله الآلهة، وملك الملوك. يشتهي ملوك الأرض، وحكماؤها أن يحصلوا، ولو على مس من نعمتك الالهية، ولو حصل لهم ذلك لتفاخروا به على جيوشهم وشعوبهم، وكم ترك منهم الملك، وساح عشقا وراء لمسة حنان من حنانك.

كنا اليوم في تذكار آلامك ودفنك، والبعض تحركت مشاعرهم، وسال الدمع من عيونهم، ولكننا جميعا كنا معيدين لهذه التذكارات العظيمة التي لا يستطيع أحد أن يجاريها. إن الشهداء، والأولياء أسيادي قد عانوا ما عانوا شوقا الى سموك، وتدرجا في مراقي مجدك. أما أنت فقد تركت المجد الذي لا يدرك، ولا يقاس، ولا يوصف، وبعض من عطاياه ما قال لنا عنه رسولك الى الامم بولص: ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه، وهذا لا يقاس بمجدك، ولا بما أنت عليه. فأنت اللانهاية في كل مجد، وعزة، وكرامة. لقد تركت مجدك، وأخذت صورة جسدنا الوضيع لكي ترفعنا معك، ونجلس عن يمين القدرة. يا سيدي إن آلامك التي ذقتها ممزوجة بالحقد البشري، وبصلف الرؤساء والمتكبرين، وغباء الجنود والقضاة، كانت لنا دواء شافيا من كل جروحنا الروحية، وتهشماتنا النفسية، ومقدرة لضعفنا نتزود بها. بدفنك قد دفنت آلامنا وخطايانا حتى صرنا نفرح بآلامنا ونزوِجها بالفداء الذي قدمته لكنيستك، وعن كنيستك أي عن الخراف التي جمعتها كما تجمع حبات الحنطة من أصقاع الأرض الى أصقاعها لتصبح رغيفا واحدا يوسد بين يديك التي ذاقت المسامير، وتلوَّنَتْ بلون دمك الذي هو أزهى وأبهى من كل ألوان الزهور واقحوانها. يبدع الكثيرون من الشعراء في مديح الرؤساء والملوك. أما في مجدك وعزتك وعملك، فتقف العقول مذهولة، والأفواه مغلقة، والأذهان حيرى فيما تقول. فكلما قال واحد شيئًا شعر أنه إنما هو كلا شيء في بحور ومحيطات محبتك. فكيف لنا يا سيدي مثلك سيّد يفرح بالقليل القليل الذي نقدمه، أو نتعب به. ثم تتكئنا في عشائك، وتغسل وسخ أعمالنا. وبدمك تجعلها بيضاء كالثلج”.

وختم منصور: “رؤساء الأمم وأسيادهم يذهبون بهم الى الحروب، ويخوضون بهم المعارك ليعودوا، وقد فقد الكثيرون، ليسير السادة والرؤساء في ساحات الأمم وشوارعهم مزهوين بنصر صبِّغ بحمرة دماء الآلاف من الناس. أما أنت فتقودنا في موكب نصرتك، وفي معركتك لأجل كرامتنا، وعزتنا، وشرفنا لم يسفك إلا دمك. وأنت قد سدت على قلوب المحبين إياك، لأننا نعرف أننا قتلى الخطأ المسيطر بالكلية على كياننا، ووحدك القادر أن تخرج لنا من الحزن فرحا، ومن الهمِّ فرجا، وخضت معركة السؤال الى أين المنتهى، وكان جوابك أن لا منتهى بل حياة الفرح، والغبطة والسرور شريطة أن نكون مشاركين ببيادر حصادك لك العزة، والملك، والقدرة الى الأبد. وها أنا أقف عاجزا عن اختراق حجب التأمل بالحدث الحاصل لأنه سبب ألما بحسب مفاهيمنا البشرية، ولكنه سبب خلاصا وفرحا لا يوصف بحسب جودك الذي لا يوصف، وكرمك الذي لا يقاس، ومحبتك التي لا تحد، ولا يخطر على ذهن بشري جمالها وبهاؤها. وخير ما أقوله خجلا من نفسي على تقصيري في التأمل بأحداث اليوم. المجد لك يا صانع العجائب. المجد لك يا مخلص البشر. المجد لك يا من لا تدركه العقول، ولا تصل الى مداسات قدميه الأبصار. فاقبلها مني كما يقبل الوالد من صغيره العطية التافهة فيكملها بكماله، ومقدرته، وخاصة في قبوله لها”.