IMLebanon

قرار النقابة “يُبلبل” المحامين: تنظيم مهنة أم رقابة؟

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

أمام قصور العدل في روما وغيرها من دول القانون، يرتفع نصبا بابنيانوس وأولبيانوس كأبرز أساتذة الحقوق في مدرسة بيروت «أم الشرائع» زمن الأمبراطورية الرومانية. وعلى أبواب الشرق، وقف لبنان متمايزاً كمعقل للحريات. وفي أروقة الأمم المتحدة شارك هذا البلد في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقبل نشأة دولة لبنان الكبير، كانت نقابة المحامين. بين الحريات والحقوق والنقابات علاقات ترابطية وتكاملية. تُشكّل في معانيها المعنوية والقيمية، كياناً ضامناً ومدافعاً عن حقوق المواطنين ومصالحهم الخاصّة والعامّة في وجه تعسّف الدول وخروجها عن مسارها وعلّة وجودها. لكن عندما تتسرّب المنازعات إلى الساحة النقابية، تُصبح المسألة خطيرة، وتسقط في أفخاخ الإستغلال والمزايدات.

كلمة واحدة كانت كفيلة بفتح السجال بين المحامين، ليختلط حابل تنظيم المهنة بنابل الحريات وحق التعبير عن الرأي، المكفولة في الدستور وشرعة حقوق الانسان والمواثيق الدولية ذات الصلة. إذ أثارت المادة الواحدة والأربعون (المعدّلة) من الفصل السادس في علاقة المحامي مع وسائل الإعلام ضجّة كبيرة. استبدلت عبارة «يستحسن أن يحيط المحامي نقيب المحامين علماً»، بعبارة «على المحامي أن يستحصل من نقيب المحامين بأيّ وسيلة متاحة على إذنٍ مسبق للإشتراك في ندوة أو مقابلة ذات طابع عام تنظّمها إحدى وسائل الاعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية أو المجموعات، على أنّ يحدّد في طلبه زمانها وموضوعها واسم الوسيلة». وتضيف المادة أنه «وفي جميع الأحوال على المحامي، إبقاء الحوار ضمن الإطار العلمي الأكاديمي، ملتزماً في كلامه والنقاش، مبادئ الشرف والإستقامة والنزاهة والتجرّد والموضوعية، متحاشياً العبارات الجارحة أو المهينة وأي شكل من أشكال سلوك الدعاية والإعلان».

يبدو أن عدوى الإنقسامات السياسية والدستورية التي نمت في أحضان السلطة التشريعية وانتقلت منها إلى السلطة القضائية، أرخت بظلالها هذه المرةّ على الجناح الثاني للعدالة، أي نقابة المحامين. إذ أفاد مصدر نقابي مطلع لـ»نداء الوطن» أنّ «هناك طرحاً لعرض موضوع التعديل الحاصل لجهة استحصال المحامي على إذن مسبق للظهور الإعلامي، على الجمعية العمومية العادية للتصويت عيله، ما يعني أنّ الصراع سيتمدد أكثر ويصبح على نطاق أوسع، ما يدخل النقابة في أتون من الإنقسامات، بعدما حافظت على وحدتها وتعاضدها عبر تاريخها».

وفي هذا السياق الضبابي الذي يلف نقابة بيروت، قال أحد المحامين رافضاً ذكر اسمه: «حدا يفسّر شو عم بيصير بالعقول؟ تعديل آداب المهنة بموافقة 12 عضواً ومعارضة كل الأحزاب المتمثّلة في المجلس. هل نحن أمام سكيزوفرينيا أو أمر أخطر منه؟». كما لفت إلى «أن هذه الخطوة غير المدروسة في توقيتها وشكلها سترتّب علينا خضّات كثيرة خصوصاً أننا نشهد في الآونة الأخيرة تضييقاً ممنهجاً على الحقوقيين والناشطين والصحافيين وأهل الرأي»، سائلاً: «ألم يدرك المعنيون تبعات هذا التعديل وانعكاساته على النقابة وحقوق الإنسان؟».

هذا القرار أو التعديل البسيط في الشكل، زاد من حدّة التشتّت النقابي، وتوسعت الاعتراضات مع استدعاء المحامي والناشط الحقوقي نزار صاغية إلى مجلس نقابة المحامين في 27 آذار الفائت، لكنه رفض المثول، متحدياً القرار بالظهور إعلامياً. ويذكر أنّ القضية طالت كذلك، المحاميَين حسين رمضان ويوسف الخطيب اللذين مثلا أمام مفوّض قصر العدل لـ»تجاوزهما أصول آداب المهنة». واعتبر صاغية لـ»نداء الوطن» أنّ «النقابة تخيّرنا بين الحفاظ على مهنتنا وبين الحفاظ على حريّتنا»، معتبراً أنّ «صلاحيات تنظيم المهنة يجب أن تكون تحت كنف الدستور الذي يضمن حرية الرأي والتعبير لكل مواطن».

ويتخوّف صاغية من تأثير هذا القرار على الأجيال اللاحقة وأن يتحوّل أداة سلطوية بيد النقيب بمنع أي محامٍ لا يتماهى مع مواقفه وآرائه السياسية من الظهور الاعلامي. فيتحولّ من نقيب إلى رقيب». وفيما حدّدت النقابة جلسة أخرى له اليوم، كشف صاغية أنه «لم يأخذ قراره بالحضور»، سائلاً: «كيف لي أن أمثل أمام مجلس في حالة خصومة معه، ورفع دعوى قضائية بحقّه ضدّ التعديلات الأخيرة».

في المقابل، شدّد مفوّض قصر العدل في نقابة المحامين المحامي عماد مارتينوس لـ»نداء الوطن» على أنّ «هذا التعديل لا يمسّ بتاتاً مسألة الحريات العامة ومنها حرية التعبير التي كفلها الدستور، إنما يندرج فقط في كيفية إدارة شؤون المحامين وتطبيق النظام الداخلي وتنظيم الظهور الاعلامي».

واعتبر أن «البعض يصطاد بالماء العكر محولاً الأمر إلى قضية رأي عام لغايات خاصّة». وفيما رفض مارتينوس استعمال مصطلح «تعميم»، أوضح أن القرار هو «آداب مهنة يعمل به منذ تنظيم النقابة، ويخضع لمعايير معتمدة عالمياً».