IMLebanon

عكار: مستشفى حكومي وحيد… ومراكز الرعاية هي الملجأ

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

المعاناة الصحّية في عكار ليست وليدة الأزمة، إنّها معاناة مزمنة لمنطقة نائية في ظلّ دولة متجاهلة. ولعلّ أكثر ما يقلق المواطن فيها هذه الأيام هو الطبابة والاستشفاء، وقد باتت تكاليفها بالدولار وعلى حسابه الشخصي في أكثر الأحيان، في وقتٍ أبدت الجهات الضامنة، عجزها عن القيام بواجباتها في هذا المجال، بدءاً من وزارة الصحة العامة وقد بات دورها يقتصر على تسعير الأدوية وتحديد تكاليف العلاجات على الدولار في السوق السوداء أو ما يقابله بالليرة اللبنانية، بعيداً كل البعد عن دورها الرعائي لآلاف المرضى الذين لا تغطّيهم أي جهة ضامنة، مروراً بالصناديق الضامنة التي أصبحت تغطيتها الصحّية لا تساوي 5% من تكاليف علاج المضمونين.

في عكار مستشفى حكومي واحد وحيد في حلبا و 4 مستشفيات خاصة. قبل بداية ثورة 17 تشرين وقبلها بأشهر وخلال العام 2019 والأعوام التالية، بدأ القطاع الصحّي في لبنان يتقهقر شيئاً فشيئاً وتأثّرت عكار بالوضع بشكل واسع. وجاءت أزمة ارتفاع أسعار المحروقات والمعدّات الطبية بالإضافة إلى هجرة العديد من الأطباء والممرّضين، لتضع القطاع الصحي في المنطقة أمام خطر وجودي، في منطقة يسكنها أكثر من مليون مواطن بين لبناني ونازح سوري. والحق يقال إنّ إدارة المستشفى تحاول تطويره بشتى السبل وقد نجحت في ذلك بنسبة كبيرة. واستفاد المستشفى الحكومي في المنطقة في المرحلة السابقة إبان ظهور أزمتي كورونا والكوليرا أيضاً من تجهيزات ودعم من منظمة الصحة العالمية وغيرها عبر وزارة الصحة الأمر الذي جعل المستشفى يطوّر في خدماته الصحية وشموليتها.

لكنّ ذلك لا يعني أنّ المستشفى الوحيد الموجود في نطاق حلبا – الجومة – الشفت، يمكنه لوحده أن يلبّي الحاجات الإستشفائية لمنطقة ذات جغرافيا واسعة، في ظل الضغط الكبير الذي يواجهه لتبقى عكار بحاجة إلى أكثر من مستشفى حكومي بحكم موقعها الجغرافي الواسع وبحكم التجمّع السكاني الكبير، وحيث أنه بالمعايير الطبية يحقّ لكل 100 ألف مواطن مستشفى يؤمّن علاجهم وتدعمه الدولة. في هذه الأثناء يجري الحديث عن قرب البدء بإنشاء مستشفى حكومي جديد في منطقة «جبل أكروم» بعد متابعة من النائب محمد سليمان مع وزير الصحة. ومع أنّ هذا المستشفى سيسهّل الأمور على أهالي أكروم ووادي خالد، إلا أنّه لا يحل كامل المشكلة، لأن الحاجة ستبقى قائمة لمستشفى في منطقة وسط وساحل القيطع والسهل أيضاً، لكون منطقة الجرد تتلقّى الخدمات بشكل أساسي بوجود مستشفى الحبتور في نطاقها.

كيف يتعالج النازح السوري؟

في الوقت الحالي، تقصد الأغلبية مراكز الرعاية الأولية المنتشرة في المنطقة لأنّ تكاليفها ما زالت في متناول الفقراء. ثمّة من يقول في عكار إنّه لولا وجود منظّمات وهيئات دولية تدعم هذه المراكز لكان الوضع من الناحية الصحيّة أسوأ من ذلك بكثير. غير أنّ تلك المراكز تبقى محدودة الخدمات لعدّة أسباب: أولها أنّها تفتح لساعات محددة وتقفل في ساعات الليل، وثانيها ليس فيها أقسام أساسية ولا عمليات، وثالثها لأنّ بعض القيّمين على هذه المراكز لا يعملون على تطويرها بفتح أقسام إضافية، ويعتمدون على الهيئات المانحة، بدءاً من حبّة الدواء حتى آخر متطلّبات المراكز.

يُذكر أنّ الموقع الرسمي لوزارة الصحة يشير إلى وجود 35 مركزاً للرعاية الأولية في عكار، 9 مراكز في المنية، و21 في طرابلس.

وتبقى العمليات الجراحية هي الأكثر كلفة على المواطن بعدما انتقلت المستشفيات إلى التسعير بالدولار وباتت أقل عملية تحتاج إلى مئات الدولارات. وتشير معلومات «نداء الوطن» في هذا السياق إلى أنّ الأمم المتحدة لا تزال تغطّي للنازحين السوريين العمليات الحادّة كالولادات والجراحات ويدفع المريض ما بين 10 إلى 20% من قيمة الفاتورة بينما لا تغطي حالات أخرى أقل حدّة مثل العين والأنف والأذن والحنجرة وغيرها… أما بالنسبة إلى المرضى اللبنانيين فبدأت أخيراً منظمة WHO بتغطية مرضى لبنانيين في مستشفيي الحبتور والحكومي في الحالات الحادة فقط.

المستشفيات تعاني أيضاً!!

يقول رئيس مجلس إدارة مستشفى خلف الحبتور في عكار الدكتور ربيع الصمد لـ»نداء الوطن»: لقد ارتفعت التكاليف على المستشفيات الخاصة بشكل كبير وفي كل الإتجاهات، من الطاقة إلى المستلزمات الطبّية، كلها زادت أضعافاً، في وقت هناك خسائر متراكمة منذ سنوات ماضية تكبّدتها المستشفيات ولا تزال في محاولتها للحصول على مستحقّاتها نتيجة إرتفاع الدولار. معاناة المستشفيات الخاصة كبيرة والفرق الطبّية والموظّفون يعانون نتيجة الوضع وما يجعلنا نستمرّ ونصمد هو رسالتنا الإنسانية بالدرجة الأولى ومسؤوليتنا التي لا تجعلنا نتخلّى عن الناس في مثل هذه الظروف، وحرمان المستشفيات الخاصة من التقديمات يقف عائقاً أمام تطورها».

وبعيداً من دخول المستشفيات تبقى الأدوية حاجة يومية في البيوت. ويعتمد المريض العكاري على الأدوية السورية والتركية والأدوية اللبنانية البديلة باتت رائجة. كما تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي صفحات لأشخاص يؤمّنون الأدوية من تركيا لمحتاجيها بأسعار أقلّ ممّا هي في الصيدليات المحلية. وبين كل أولئك، ثمّة أشخاص لا يستطيعون شراء الأدوية مهما كان ثمنها، فيلجأون إلى التداوي بالأعشاب على طريقة الأجداد والقدماء. فالزعتر الأخضر البري دواء للصدر والربو، وزيت الزيتون علاج للحبوب ومشاكلها، والزهورات علاج لنزلات البرد، وهكذا دواليك والاعتماد دائماً على الطبيعة وما تجود به لتأمين هذه الأعشاب، التي تنتشر بكثرة في هذا الفصل.