IMLebanon

السفير السعودي السابق: هذا ما يؤخر إنتخاب رئيس في لبنان

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

تصرّ المملكة العربية السعودية على النأي بنفسها عن التدخّل مباشرة في الملف الرئاسي اللبناني. لا تفوّت فرصة التأكيد على أنّه لا مرشح رئاسياً محسوب عليها وهي ليست بوارد الدخول في التسميات بقدر ما تستوقفها المواصفات لرئيس يقف على مسافة واحدة من الجميع، ويحرص على أفضل العلاقات المتينة مع الدول العربية وخاصة دول الخليج، وفق ما يؤكد عليه السفير السعودي السابق في لبنان علي عواض عسيري الذي قال «تنتظر المملكة إختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة وساعتئذ لن تتأخر عن الوقوف إلى جانب لبنان وشعبه».

من موقع الخبير الذي عايش هموم اللبنانيين واختبر سياسات هذا البلد عن قرب، يقارب عسيري في حديث لـ»نداء الوطن» الوضع في لبنان ربطاً بأزمة إنتخاب الرئيس، ويقيّم ما صدر بخصوصه عن القمة العربية فيدعو إلى «التوقّف عن العناد والمناكفة السياسية وتوزيع الأدوار» والذهاب نحو «التوافق على مرشح مقبول من الجميع ولا يشكّل تحدّياً لأحد».

بعين المراقب واكب عسيري أعمال القمة العربية التي استضافتها مدينة جدّة لينتهي إلى وصفها بأنّها «قمة إستثنائية وناجحة بكل المقاييس»، ويقول «لا شكّ أنّ القمة العربية التي عقدت في المملكة العربية السعودية في مدينة جدّة تختلف عمّا سبقها من قمم، بالحضور المميّز، إن لجهة عودة سوريا إلى الحضن العربي أو حضور الرئيس بشار الأسد والرئيس الأوكراني» مشيداً بـ»ما سبق المؤتمر من إعداد مميّز جعل قمّة جدّة قمة استثنائية وناجحة بكل المقاييس، إضافة إلى الترتيبات والجهود الكريمة التي بذلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل وأثناء المؤتمر لتهيئة البيئة والظروف المناسبة لنجاح القمة».

وتحدّث عسيري عن «الجديد الذي خرجت به القمة وهو لا شكّ، تخفيف التوتر وتسوية المشاكل وإعطاء فرصة للمصالحات العربية العربية وإنهاء الإنقسامات وتهيئة الأجواء لنظام عربي جديد وفعّال وموحّد»، مشيراً إلى مسعى بلاده في اتجاه «جمع الشمل العربي وتوحيد الرؤى لمستقبل أفضل ونبذ الخلافات إن وجدت»، ومؤكداً «أنّ تسلّم المملكة لرئاسة الجامعة العربية سيجعلها تركز على تصفير أي خلافات بين الدول العربية، وستسعى إلى تحقيق المصالح العربية بعيداً عن الإستقطابات التقليدية للدول الأخرى وخاصة الكبرى والمؤثرة من بينها».

الوضع العربي… والسوري

وعن انعكاس مقرّرات القمة على الوضع العربي ككلّ، أكّد السفير السعودي السابق أنّ «ما بعد القمة ليس كما قبلها، وسنلمس متابعة واهتمام سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كونه يترأس القمة ورئاسة الجامعة طوال السنة القادمة، وسنرى إن شاء الله اهتماماً بالغاً بتفعيل دور الجامعة العربية لتتولّى بفعالية وديناميكية أفضل، تنفيذ قرارات القمة ومعالجة أي خلل قد يؤثر على أدائها».

وحول خلفيات الإصرار السعودي على إعادة العلاقات مع سوريا وإعادتها إلى عضوية الجامعة العربية قال عسيري «لم تُجد نفعاً اثنا عشر عاماً من المحاولات لإنهاء الأزمة السورية ورفع معاناة الشعب السوري داخل سوريا وخارجها، ولم تضع حدّاً لتواجد العديد من الدول والميليشيات داخل سوريا وفق أجندات لا تخدم مصلحة سوريا ولا السوريين المشتتين في الدول المجاورة، ولذا تمّت إعادة سوريا إلى الجامعة العربية ودعوة الرئيس بشار الأسد لحضور القمة العربية ليحظى بدعم عربي عسى أن يستطيع التخلّص من تلك القوى أو إضعاف دورها تدريجياً ليتمكّن من وضع خطة آمنة لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم وإجراء حوار بنّاء مع المعارضة السورية وعسى أن يتمكّن من القيام بمصالحة وطنية توحّد سوريا والسوريين وهذا لن يتمّ من دون إشراك الدول العربية والجامعة العربية ودعمها المسيرة السياسية المأمولة لتستعيد سوريا عافيتها ويستعيد الشعب السوري بلده وكرامته».

لبنان والقمة

في الشقّ المتعلّق بلبنان حثّ المؤتمر الختامي للقمّة العربية «السلطات اللبنانية على مواصلة الجهود لانتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، وإجراء إصلاحات اقتصادية للخروج من الأزمة الخانقة» وهي مهام يفترض أن يتحمّل مسؤوليتها المسؤولون في لبنان، ولذا إعتبر عسيري أنّ انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة يقعان «بشكل كامل على عاتق القوى السياسية في لبنان وبلورة ذلك بالفعل لا بالقول لإنقاذ ما تبقّى من لبنان، وهذا يتطلب التوقّف عن العناد والمناكفة السياسية وتوزيع الأدوار لأنّ إنقاذ لبنان من التدهور السياسي والاقتصادي يستحقّ كلّ التضحيات».

وعمّا إذا كانت المملكة ستعود عمّا قريب للوقوف إلى جانب لبنان ودعم شعبه، قال الديبلوماسي المخضرم «لبنان لا شكّ ضمن اهتمامات القيادة السعودية بل ومن أولوياتها والجميع يعلم أنّ المملكة أدّت الكثير من الأدوار والمواقف الإيجابية من اتفاق الطائف إلى يومنا الحالي ومساعدتها الإنسانية بعد حرب 2006 وفي إعمار ما دمّرته الحرب، ولكن أرى أنّه أصبح ضرورياً أن يساعد اللبنانيون أنفسهم من خلال الإسراع في اختيار رئيس مؤهل يتمتّع بخبرة جيّدة وكاريزما، وأن يتمّ تسهيل أمر اختيار رئيس حكومة يستحسن عدم انتمائه لأي حزب سياسي والتمكّن من تشكيل حكومة اختصاصيين تكنوقراط يكون همّها الأول والأخير هو إنقاذ لبنان من التدهور الذي يعيشه، وأن تعطى الحكومة فترة أربع سنوات من دون أي تدخل من القوى السياسية في أداء عملها وإلغاء المحاصصة الطائفية في الوزارات، ويترك لأهل الإختصاص والمهنية العمل في الوزارات»، مكرّراً القول إنّ «المملكة لم ولن تتدخل في اختيار رئيس للبنان لأنّ ذلك يتنافى مع مبادئها الدبلوماسية فهي لا تتدخل في شؤون الغير ولن تسمح بأن يتدخل أحد في شؤونها».

الديبلوماسي الذي أنهى سنوات عمله في لبنان من دون أن ينهي متابعته شؤون هذا البلد وشجونه وتقلّب ظروفه السياسية، يتحدث عن علّة لبنان وسبب أزماته المتراكمة وصولاً إلى تعقيدات إنتخاب رئيس للجمهورية وأسبابه المباشرة والتي تكمن في علّة العلل أي الطائفية فيقول «أعرف جيداً التركيبة الطائفية في لبنان وتأثيرها المباشر وأحياناً السلبي على الحياة السياسية في لبنان، ولذا لا أرى أنه من حق أي طائفة فرض شخص لتولّي رئاسة لبنان لأنّ الرئيس هو رئيس كلّ اللبنانيين ولبنان طوال حياته السياسية يعيش على التفاهمات والتنسيق في مثل هذه الأمور».واعتبر أنّ «ما يؤخّر انتخاب رئيس في لبنان هو عدم التوافق اللبناني اللبناني وتدخّل قوى سياسية خارجية وإصرار قوى داخلية على ترشيح بل محاولة فرض شخص معيّن وعدم وضوح الرؤية لدى القوى السياسية المسيحية والإبقاء على ترشيح ميشال معوّض وعدم قبول بعض المسيحيين بترشيحه». وانطلاقاً من هذا الواقع يرى عسيري أنّ «مسؤولية انتخاب الرئيس تقع على جميع القوى السياسية في لبنان»، آملاً في أن «يتم التوافق على مرشح مقبول من الجميع ولا يشكل تحدّياً لأحد وأن يكون على مسافة واحدة من كل القوى السياسية».

ويعيد عسيري التأكيد على مسألة المواصفات أكثر من الاسم إذ إنّ «المطلوب رئيس جمهورية يحرص على علاقات جيدة ومتينة مع الدول العربية وخاصة دول الخليج وفي مقدّمها المملكة السعودية، مشيراً إلى أنّ بلاده تحاذر الدخول في تسميات وهي لمجرّد تسمية أي شخص سيكون ذلك بمثابة تدخّل في شؤون لبنان وعليها أن تتحمّل مسؤولية خياراتها حينذاك، ولذا فهي تجد من الأنسب الإبتعاد، والحكم على الرئيس والحكومة من خلال عملهما وساعتئذ لن تتأخر عن مساعدة لبنان ودعمه.