IMLebanon

شعار “صنع في لبنان” لا ينطبق على رئاسة الجمهورية

كتب حسن بيان في “اللواء”: 

يكاد يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم، الذي لا ينص دستوره على مهل زمنية تفرض على المرشح لرئاسة الجمهورية تقديم ترشيحه تحت طائلة فقدان هذا  الحق الدستوري فيما لم تراعِ المهل الزمنية لتقديم الترشيح. وكل ما نص عليه الدستور اللبناني في المادة ٧٣ انه قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض، فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس.

ان غياب النص الدستوري الذي يلزم المرشح للرئاسة تقديم ترشيحه قبل حلول الاستحقاق، جعل اللبنانيين لا يعرفون من هو رئيس الجمهورية الذي يتولى الرئاسة في بلد يفترض فيه ان تكون أوضاعه الدستورية منتظمة استناداً الى آليات محددة لعملية تداول السلطة في استحقاقاتها الدستورية. وبهذا يكون لبنان حاله، كحال الدول التي تشهد انقلابات عسكرية أو ثورات تطيح بمنظومة حاكمة لمصلحة منظمة جديدة قد تكون أفضل أو أسوأ من سابقاتها.

لقد مرَّ حتى الآن سبعة أشهر على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وحتى اللحظة لم يتقدم مرشح واحد بترشيحه، لغياب النص الدستوري الذي يفرض الترشيح ضمن مهلة زمنية محددة، ومن جرى التصويت له في الجلسات التي التأمت لغاية الانتخاب، جرى التصويت له باعتباره مرشح لعديد من القوى والكتل، ولما لم ينل العدد المطلوب من الأصوات سحب اسمه من التداول.  وكما كان ترشحه هو ترشيح واقعي وليس دستورياً كذلك كان انسحابه من المشهد الانتخابي.

ان المناخات التي تحيط بأجواء انتخابات رئاسة الجمهورية، في السابق كما في الوقت الحالي، تعطي الانطباع الذي يرتقي حد الثبات، بان انتخاب رئيس للجمهورية لا تفرضه أساساً معطيات العملية الانتخابية بجانبها التقني الذي يحتسب بعدد الأصوات المطلوبة للفوز بالرئاسة، لان المسألة ليس نصاباً عددياً لعقد الجلسة أو مثله للفوز في الدورة الأولى أو الدورات التي تلي، وإنما الأساس هو النصاب السياسي. فإذا توفر النصاب السياسي بأكثرية الثلثين ، انعقدت الجلسة ، وإذا توفر هذا النصاب السياسي جرت عملية الانتخاب في الدورة الأولى وتلك التي تلي. وان لعبة النصاب العددي المطلوب توفره لجلسة الانعقاد ومن ثم دورات الانتخاب من المرة الأولى أو مما يليها، هو مجرد مسألة شكلية مطلوب توفرها لان الدستور نص على ذلك.

وعندما يكون شغل  موقع الرئاسة في ظل وضع مأزوم تتداخل فيه العوامل الداخلية بالخارجية، هو محصلة تسوية  فإن شاغل موقع الرئاسة الأولى لم يكن في يوم من الأيام منتجاً لبنانياً خالصاً، وان الرئيس وان انتخب في أروقة المجلس النيابي، ومن نواب يحملون الجنسية اللبنانية، فهذا الدور لا يمارسونه باعتبارهم  يمثلون الشعب اللبناني ويحملون وكالة عنه كما نص الدستور نظرياً عليه، وإنما يمارسونه بصفتهم التمثيلية للقوى السياسية التي تتناهى وترتبط بصيغة أو أخرى بمراكز توجيه وتحكم خارجية. ولهذا فان التسوية الداخلية ليست كافية لإنتاج رئيس وإنما الأساس هو التسوية الخارجية التي تُسْقط مفاعيلها على الواقع اللبناني. وكلما كانت عناصر التسوية الخارجية متشابكة، كلما كان عمليات تظهير هذه التسوية بمظهرها اللبناني معقدة. وعليه ان صناعة الرئيس ليست صناعة لبنانية ولا ينطبق  عليه شعار  «صنع في لبنان».

وحتى يصحُّ القول، بان الرئيس يصنع في لبنان يجب توفر عاملان:

الأول، دستوري ويفرض تعديل الدستور لتحديد المهل الزمنية التي يجب على المرشحين التقدم بترشيحاتهم قبل حلول الأجل الدستوري الذي حددته المادة  ٧٣ من الدستور.

الثاني، سياسي، ويقضي برفع التثقيل السياسي والأمني والاقتصادي الذي يفرضه من يرى في لبنان مجرد ساحة ومنصة لإدارة مشاريعه الذي تخدم أجندته الخاصة وأياً كانت التداعيات على الواقع اللبناني. فهؤلاء لا يهمهم ان انتخب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري أم لم ينتخب، وإذا كان الفراغ يؤدي الى إضعاف دور الدولة وإلغاء وظيفتها، فهذا هو المبتغى  الأساسي لأصحاب هذه المشاريع، لانه كلما ضعف دور الدولة أو غيّب، كلما كانت الأمور أكثر ملاءمة لتحقيق مآربهم السياسية مهما طال الفراغ، وإذا ما جرت عملية إملاء هذا الفراغ فيجب أن تتم وفق الشروط التي تحقق الغايات كما لو كان الفراغ قائماً. لقد أثبتت سياقات الأحداث ان النظام المحاصصي الطائفي قوي جداً، والدولة ضعيفة جداً، وهي على ضعفها أدخلت مرحلة التحلل، لأن القوى الممسكة بمفاصل الأزمة سياسياً وأمنياً واقتصاديا هدفها الأساسي إعادة تكييف وضع لبنان مع ما يرسم من مشاريع للوطن العربي في ضوء ارتفاع منسوب التغول الإيراني والتدخّل التركي والعدوانية الصهيونية المتصاعدة وكل هؤلاء يتظللون بالرعاية الأميركية رغم كل ادّعاء معاكس ويرون في الفضاء العربي مجالاً حيوياً لمشاريعهم ولبنان في صلب هذه المشاريع. وهنا تكمن المشكلة الأساسية.