IMLebanon

معابر تهريب… والجيش يُصعّب مرور “النملة”

كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:

تواترت الأخبار قبل أيام عن توجّه مجموعة من أهالي بلدة دير العشائر التي تقع في منطقة حدودية جنوب البقاع، للإعتصام أمام حاجز لفوج الحدود الثالث في تلة «الأنتينات»، تعبيراً عن إحتجاجهم على الإجراءات المتشددة التي يتخذها الحاجز لمكافحة التهريب في هذه الناحية من الحدود. فبدا المطلب معاكساً تماماً للمهمة العسكرية المحددة لفوج الحدود، والتي تتلخص بمنع أعمال التهريب والممارسات غير الشرعية عبرها.

الفوج الذي يُعتبر الأحدث بين زملائه في البقاع والشمال، وإن شكّل بتشدده إزعاجاً لأهالي القرى الحدودية التي يعتمد إقتصادها على تجارة الحدود، فإنّ استراتيجيته الموضوعة، جاءت لتراعي مطالب اللبنانيين عموماً بوقف نزف المواطنين السوريين وإقامتهم غير الشرعية في لبنان، وحماية الحدود من الإرهاب والإرهابيين، ومن تسرب الممنوعات عبر أراضيه، وبالتالي وقف إستنزاف الإقتصاد اللبناني عبر تهريب ما تبقى من مقدراته.

تبدو نقطة إنتشار هذا الفوج في المقابل شديدة الحساسية جغرافياً. اذ شملت مهمته أولاً جنوب منطقة المصنع «البوابة الشرقية الأساسية للبنان»، ليمتد قطاع انتشاره بين الصويري وجرود الصويري، المنارة، عيتا الفخار، وصولاً حتى جرود عيحا وينطا وبالتالي دير العشاير وحلوى. وهذه منطقة ذاع صيت بعض معابرها غير الشرعية، أقلّه في منطقة الصويري ووادي عنجر، بالدخول غير الشرعي للأشخاص، حيث كان يمكن لأي عابر لطريق المصنع الحدودية حينها مشاهدة المتسللين وهم يتدحرجون من الطرقات الجبلية خلف مركزي المغادرة والدخول التابعين للأمن العام، إلى أن توّجت عمليات تهريب الأشخاص هذه بمجزرة من الضحايا الذين قضوا متجمدين من الصقيع في كانون الثاني من سنة 2018.

وعليه ترافق استلام الفوج لمهماته عملانياً في هذه المنطقة الحدودية، مع توقيف عشرات المواطنين الذين كانوا يحاولون الدخول خلسة يومياً، من دون أن ينجح بشل نشاط التهريب فعلياً، إلا إبتداء من سنة 2019. وترافق ذلك مع سلسلة إجراءات عسكرية إتخذت على معابر القرى الحدودية اللبنانية باتجاه الأراضي السورية، والتي توّجت بتمدد نفوذ الفوج إلى شمال طريق المصنع، بعمق 10 كيلومترات من الطريق الدولية الفاصلة بين البلدين.

لا شك أنّ المنطقة الحدودية في هذا الطرف من لبنان تبدو مختلفة بجغرافيتها وبيئتها الإجتماعية، ومتحررة من المعوقات السياسية التي تعرقل عمل الأفواج المنتشرة على المعابر البرية الأخرى والتي أشرنا إليها في التقريرين السابقين. وهذا ما يسمح بالتوقف عند تفاصيل بعض الإجراءات العسكرية المتخذة، والتي ترشد إليها من بعيد أبراج المراقبة والمراكز التي استحدثها الجيش في مرتفعاتها كما في سائر مرتفعات المعابر غير الشرعية الأخرى. وكان آخر هذه المراكز المستحدثة، على الطرف الشمالي من طريق المصنع، حيث نشأت سرية ترتبط لوجستيا بسرية جنوب طريق المصنع عبر طرقات شقّها الجيش لتأمين سرعة التدخل وشبك المهمات وتنسيق الجهود على نفس البقعة.

وعليه كان يفترض أن تبدأ جولتنا على هذه المعابر من دير العشائر، إلا أن طرقات العبور الجبلية التي استحدثها فوج الحدود الثالث لربط مراكزه على امتداد نطاق عمله من البقاع الأوسط الى راشيا، سمحت لنا بالإطلاع على معابر التهريب الأكثر شهرة في الصويري.

في هذه المنطقة أقام فوج الحدود الثالث تعزيزات مشددة، تصعّب المرور حتى على «النملة». فتم زرع شِباك الحديد على مسافة تمتد نحو عشرة كيلومترات، أربعة منها جهزت في المنطقة التي تمتد من ما يعرف بقرن الجاموس الى طريق المصنع، وخمسة من طريق المصنع الى «الخلة الطويلة». وفي كل ناحية منهما، سرية وبرج مراقبة، يضعان كل حركة العبور تحت المراقبة، فكلما ظهرت ثغرة يقوم عناصر الفوج بسدها فوراً.

يقابل المركز الجنوبي أيضاً مركز مراقبة يقع على مرتفع 1442، ويطل على تلة الفسخ التي تنتشر فيها مراكز للجيش السوري، وعلى قرى كفريابوس وجديدة يابوس ويابوس السورية، وعلى «سهلات الخضر» الذي كان يستخدم كمعبر لتهريب الأشخاص تحديداً. هذا بالإضافة الى الدور الذي أعطي أيضاً للمرتفع الذي يعرف بالـ1440، والذي شكّل الى جانب جبل أبو هاشم نقطة مراقبة ترصد كل سليل بين تلة وتلة، وتسمح بتعقبه عبر دوريات وكمائن ينصبها الجيش تكراراً حيثما وحينما تدعو الحاجة.

تشبيك المراقبة والتدخلات العسكرية المباغتة في هذه الناحية من الحدود سمح بالحد من عمليات التهريب، والتي كان نشاطها الأكبر يؤمن تسلل مواطنين سوريين ممن يستفيدون من بطاقات الدعم التي ترتبط بصفة اللاجئ التي يحملونها، ويتجنبون سلوك المعابر الشرعية حتى لا يفقدوا هذه الصفة.

وعليه تصف المصادر العسكرية واقع التهريب في هذه المنطقة بالأخطر، وخصوصاً في منطقة دير العشاير- حلوى، حيث تؤكد بأنّ دخول الإرهابيين من معابرها يبدو مستحيلاً في ظل التواجد العسكري السوري الكثيف. فسوريا تعتبر هذه الحدود خاصرة دمشق الغربية، وعليه فرضت أمراً واقعاً في هذه المنطقة التي انتشرت فيها إثر انسحاب جيشها من لبنان، من خلال تعزيز مراكزها العسكرية بأفواج الدفاع الجوي والمدرعات، علماً أنّ الأراضي التي تشغلها هي موضوع خلاف على هويتها.

إلا أنّ ذلك على ما يبدو ليس السبب الوحيد الذي يجعل الإرهابيين يتجنبون سلوك هذه المنطقة، وإنما للبيئة السياسية والطائفية غير المؤاتية دور كبير في ذلك أيضاً. في وقت يشكّل إنتشار الجيش السوري عند هذه الحدود حافزاً إضافياً ليعزز فوج الحدود اللبناني تواجده، حماية للسيادة الوطنية، خصوصا أنّ مسالك ومراكز وخيم الجيش السوري منتشرة في الوديان المرئية، إلى جانب تواجد عناصر الفلسطينيين التابعين للجبهة الشعبية القيادة العامة في مخيم حلوى داخل الأراضي اللبنانية.

تواطؤ للإلتفاف على إجراءات منع التهريب

ولتعزيز إجرءاته الحدودية في هذه المنطقة ثبّت فوج الحدود على مشارف حلوى ودير العشائر حاجزين، يجري التدقيق عليهما في هوية كل العابرين ويتم تفتيشهم. وهما مرتبطان بمراكز الفوج في هذه المنطقة والتي تشكل جزءاً من 14 مركزاً لسبع سرايا مع أبراج المراقبة التابعة لها على مساحة هذه الناحية من الحدود.

فانعكس هذا التشدد إقتصادياً على نشاط تجارة الحدود بهذه المنطقة والتي كانت تعتمد على تهريب المواشي وتحميل البضائع والدخان على ظهر البغال، حيث صادر الجيش أعداداً كبيرة منها ايضاً.

إنطلاقاً من هذا الواقع كدنا نسجّل تفوقاً للوجود العسكري في هذه الناحية من المعابر غير الشرعية، لولا ثغرات طفيفة، ساهم في جزء منها التواطؤ الذي تظهره الجهات الداعمة للنازحين حتى في تسهيل إلتفاف المتسللين منهم على الإجراءات العسكرية، كمثل إقامة خيمة في وسط الطريق الفاصلة بين عنبر الجمارك ومركز الدخول التابع للأمن العام عند معبر المصنع الشرعي، تؤكد المصادر أنّ بعض المتسللين الى الأراضي اللبنانية يستخدمونها للإحتماء ريثما يعثرون على ثغرات من داخل الباحة الجمركية الى الأراضي اللبنانية.

واقع يكاد يهدر الجهود العسكرية بثقب مفتعل في الشباك الحديدية في هذا المعبر الحدودي، إلا أنّ الجيش رفض إستفحاله فتدخل لإزالة الثغرة، وتحت نظر السلطة الشرعية التي تعتبر هذه المعابر من مسؤوليتها.

لا بد من الإعتراف في المقابل أنّ ثمار الجهود التي جناها فوج الحدود الثالث في هذه الناحية من المعابر غير الشرعية ترتبط بالطبيعة الجغرافية كما السياسية والأمنية التي تحيط بها. وهذه عناصر تسبب غيابها بتعثر جهود الجيش في الوصول الى نتائج مشابهة في باقي نواحي المعابر البرية، وخصوصاً عند الحدود الشمالية حيث كانت هذه المهمة قد بدأت كمشروع تجريبي منذ عام 2008 بدعم من جهات دولية وفي طليعتها ألمانيا، الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة، الدانمرك، كندا والاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك نجح فوج الحدود الأوّل بالحد من نشاط التهريب بنسبة كبيرة في المنطقة الممتدة من العريض الغربي حتى العريضة، مروراً بنحو 40 قرية حدودية تقع ضمن قطاع هذا الفوج الذي يمتد على مساحة 110 كلم.

وفقاً لمصادر عسكرية هناك عشرة أبراج مراقبة ثبتت في مجمل مساحة هذه المنطقة الحدودية، وهي أبراج مجهزة بكاميرات ذات تقنية عالية، ترتبط بغرف مراقبة في قيادة الفوج والقيادة العامة. وقد ساهمت هذه المراقبة إلى جانب طبيعة الأرض المساعدة في بعض المناطق، بالحد من نشاط التهريب بنسبة 70 بالمئة. أما الصعوبات التي لا تزال تواجه هذه المهمة، فمقترنة بعدم توفر إمكانية تغطيتها بأجهزة المراقبة الكافية، بطبيعتها الجغرافية التي تسهل العبور، وبالتداخل السكاني بين البلدين والمنازل المنتشرة على طول الحدود.

بالمقابل وعلى رغم كل الصعوبات التي يواجهها فوج الحدود في الطرف الثاني من المعابر الذي يمتد من العريض الغربي الى حنيدر، فهو ينجح يومياً بإحباط عشرات عمليات التهريب. وثمة إجماع لدى أفواج الحدود المنتشرة بين الشمال والبقاع على أهمية التجهيزات التي تأمنت لها وضرورة تعزيزها في المناطق التي تعاني من ثغرات. ولا سيما في المناطق التي تشكل أهمية إستراتيجية.

وتعتبر أبراج المراقبة العنصر الأبرز في هذه التجهيزات، لما تشكله من عين واسعة تمكن أفواج الحدود من مراقبة حركة المعابر غير الشرعية ونشاطها. لتقارع العيون التي يفتحها المهربون أيضاً على المراكز العسكرية، من خلال مخبرين يراقبون حركة الدوريات العسكرية، ويتحولون الى شركاء يؤمنون بيئة حامية للمهربين، فيؤخرون مهمة الجيش بتفكيك شبكات التهريب، ملحقين الضرر بمجتمعاتهم وبالتالي بأنفسهم.

بحسب بعض الأرقام التي حصلت عليها «نداء الوطن» فإن الجيش تمكن خلال سنة 2022 من توقيف نحو 20 ألف و300 شخص حاولوا الدخول خلسة الى الأراضي اللبنانية، من بينهم 552 شخصاً كرروا المحاولة أكثر من مرة. فيما العدد منذ بداية سنة 2023 وحتى نهاية شهر أيار بلغ 6060 موقوفاً رحّلوا الى بلادهم، من بينهم 116 موقوفاً كرروا محاولة الدخول أكثر من مرة.