IMLebanon

“تيمور الأوّل”: زعيم عصريّ أم “تقدّميّ” محافظ؟

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

«الديموراثيّة»، هذا المصطلح ليس علميّاً، وغير وارد في المعجم السياسيّ المتعارف عليه. لكن يمكن استخدامه لسبب، أنّ بنية الأنظمة الحزبية وتداول السلطة فيها وعلاقتها بالديموقراطية ملتبسة ومركّبة وهجينة كهذا التعريف. لماذا؟ لأنّ التوريث في لبنان «مودرن». يقوم على منطق الزعامة السياسية المحصورة في العائلة وبمن يختاره الحاكم بأمره من بين أفرادها للبس العباءة من جهّة، واعتماد الإنتخابات الداخلية لإضفاء شرعية شعبية تُظلّل الوريث من جهّة أخرى. ولطالما شكّلت الوراثة ركناً أساسيّاً من النظام والعقد الإجتماعي. هي قديمة متجدّدة. نشأتها سابقة لقيام الدولة والأحزاب. وفيما تتشابه الحالات «الديموراثيّة» شكلاً ومضموناً بين معتنقيها، غير أنّها تختلف في أبعادها وخلفياتها التاريخية وخصائصها الثقافية والدينيّة للبيئة والمجتمع الذي يعنيها. ما للمختارة ليس لغيرها. إنها زعامة سجينة «الحتميّة التاريخيّة» نظراً لما تُحمّلها من مسؤوليات وأعباء ومخاطر «ثلاثية الأبعاد»: الطائفة (الدروز)، البيت (آل جنبلاط)، والدور (الوطني). مارست السياسة من ألفها إلى يائها. لعبت أدوارها كافة، في تطرّفاتها واعتدالاتها، في حروبها ومصالحاتها، في تقدّميتها ورجعيّتها، في مبدأيّتها وواقعيّتها.

من هذا العبء والواجب، يصعد تيمور جنبلاط إلى رأس الهرم الحزبي، بعدما نصّبه والده وريثاً شرعيّاً، في العام 2017 عندما ألبسه الكوفيّة التي ورثها عن جدّه «المعلّم» كمال جنبلاط، قائلاً: «سرّ يا تيمور رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، وأشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة. واحضن أصلان بيمينك وعانق داليا بشمالك، وعند قدوم الساعة أدفنوا أمواتكم وانهضوا، وسيروا قدماً، فالحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم، لا للضعفاء». إنّما هذه المرّة كان الإنتقال متأنّياً. لم تستدعه الدماء على عجلٍ كما حصل مع وليد جنبلاط إثر اغتيال والده عام 1977. لم تأتِه الزعامة على قرع الطبول والحروب والمآسي. رتّب له الأب الطريق «الإشتراكي» والبيت الطائفيّ على طبقٍ جنبلاطيّ خاص، مهيّأ ومدروس. لكن ما يجمع الثلاثة (الجدّ، الأب والحفيد)، أنّهم قبلوا الزعامة مرغمين.

لم يأتِ «تيمور الأوّل» إلى العالم السياسي من رفاهية ودلال أبناء الزعامات. درس العلوم السياسيّة في الجامعة الأميركية في بيروت وأكمل دراساته العليا بجامعة السوربون في العاصمة الفرنسية باريس. ورغم أنّه «يكره السياسة» كما صرّح في مقابلة صحفية (آذار 2017)، غير أنّه واكب رحلة والده السياسيّة، واختباره كافة المراحل الصعبة التي مرّت بها البلاد، وتمرّس في العمل والأنشطة الحزبية والسياسية والإجتماعية، والإهتمام بشؤون الناس عن كثب وأسبوعيّاً. ويستقبل الوفود الشعبية التي تزور قصر العائلة التاريخي. كما أن تولّيه لزعامة المختارة بشكل تدريجيّ وعلى مراحل، أبرزها ترؤّسه لكتلة «اللقاء الديموقراطي» ودخوله المعترك التشريعي البرلماني بدورة 2018. وما يميّز تيمور جنبلاط هو هدوؤه ورصانته وسعة اطلاعه وثقافته. لم ينجرّ إلى الصخب الإعلامي. يختار خطواته بإتقانٍ. يوازن بين التقاليد والعادات التي يجب المحافظة عليها، وبين الحداثة ومواكبة مفاهيم العصر وتطلّعات الشباب وأفكارهم وكيفية استقطابهم وجذبهم. يُدرك أن انتفاضة أو ثورة 17 تشرين أحدثت تغييراً ما في الذهنيات، ولو أنها لم تُترجم كفاية في تطوير العمل السياسي بشكل عام والحزبيّ بنوع خاص. لكن من المنتظر أن يكون للجيل الجديد مكانة أكبر ومواقع قيادية مع تقاعد الحرس القديم. كثيرة هي الأسباب التي تدفع تيمور جنبلاط إلى الإنكفاء والإبتعاد عن المنابر والكاميرات… ولعلّ أبرزها، ميله إلى قول الأمور كما هي على حقيقتها «البشعة»، وواقعيته المفرطة إلى حدّ التشاؤم أو رفض كل هو قائم. تطبع الثقافة الغربية شخصيته، فتغلب على طابع الزعامة المتوارثة. لا يؤمن بالأدوات التقليدية التي فيها الكثير من التمثيل إلى حدّ «الضحك على الذقون»، ولو أنّ الناس لا يزالون متعلّقين بالبيوتات السياسية ورمزيتها في وجدانها، وبالزعامات والأشخاص.

ومن يُراقب «الحالة التيموريّة» على صعيد السياسة العامة ومقاربتها للملف الرئاسي، يرى «المساحة» التي رسمها لنفسه محدّداً خياراته ووقوفه في صفوف المعارضة من خلال ترشيح النائب ميشال معوّض لرئاسة الجمهورية، وموقفه الرافض لرئيس «تيّار المردة» سليمان فرنجية.

الأحد في الخامس والعشرين من حزيران، يتّجه «الإشتراكيون» ومعهم أنظار اللبنانيين، إلى عين زحلتا، حيث يعقد «الحزب التقدّمي الإشتراكي» المؤتمر العام لانتخاب رئيس جديد ونوّاب له، بالإضافة إلى مجلس قيادته. بعده لن يكون كما قبله، حقبة جديدة من تاريخ آل جنبلاط والحزب تكتب فصولها بتوقيع تيمور جنبلاط. هل يؤسّس «لإشتراكية ثالثة»؟