IMLebanon

بعد أشهر من الفراغ… تسوية كبيرة أم يُعيد التّاريخ نفسه؟

كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:

منذ عام 1970 حتى اليوم، عرف لبنان 9 رؤساء جمهورية، انتُخب اثنان منهم فقط نتيجة تسوية سياسية، فيما وصل الـ7 الباقون جراء عملية كسر قوى وازنة.

ويتساءل كُثر اليوم عما إذا كان انتخاب رئيس جديد بعد أشهر من فراغ سدة الرئاسة الأولى سيكون نتيجة تسوية كبيرة، سواء داخلية أو خارجية، أم أن التاريخ سيعيد نفسه مرة جديدة فيأتي الرئيس جراء عملية «كسر» أو هزيمة قوى رئيسية.

وينطلق جورج غانم، الكاتب السياسي الذي واكب عن كثب الأحداث اللبنانية بسرده التاريخي لعمليات انتخاب رؤساء الجمهورية منذ سبعينات القرن الماضي، من منطلق أن الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 شكلت منعطفاً كبيراً في المشهد اللبناني. ويشير إلى أنه في عام 1970 «أتت عملية انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية بمثابة (كسر) للمكتب الثاني (مخابرات الجيش) ولفؤاد شهاب، رئيس الجمهورية السابق، فرغم أن الفرز وقتها كان بين من هو مع (اتفاق القاهرة) ومن هو ضده، إلا أنه خلال الانتخابات الرئاسية لم يؤخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار، من منطلق أن الرئيس السابق كميل شمعون وعميد حزب (الكتلة الوطنية) ريمون إده اللذين كانا يعارضان هذا الاتفاق، صوتا لفرنجية، ما أدى لعملية فرز كبيرة في البلد».

ويعد غانم في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه في عام 1976 «أتى انتخاب إلياس سركيس بمثابة كسر للزعيم الدرزي كمال جنبلاط و(الحركة الوطنية) والفلسطينيين مقابل انتصار (الجبهة اللبنانية) والسوريين والأميركيين»، لافتاً إلى أنه «بوقتها حاولوا تعطيل انتخابه لكنهم فشلوا وكانت النتيجة اغتيال جنبلاط ومحاولة تصفية اليسار». ويضيف: «عام 1982، شكل انتخاب الرئيس بشير الجميل ضربة لمحور الاتحاد السوفياتي وسوريا والفلسطينيين و(جبهة الصمود والتصدي)، وللسنّة في البلد مقابل انتصار الجميل الذي كان يدعمه الأميركيون والإسرائيليون والغرب كما كل المسيحيين في الداخل اللبناني وقسم من الشيعة والدروز، وقد تحول ذلك لصراع كبير أدى لاغتيال الجميل».

ويوضح غانم أنه «تجنباً لتفجير البلد، أمّن المسلمون غطاءً لانتخاب أمين الجميل، شقيق بشير، خلفاً له، لكن ظل يُنظر لرئاسته للجمهورية على أنها استمرار لمشروع الكسر الذي أتى ببشير وصولاً لإلغاء (اتفاق 17 أيار,) الذي شكّل بوقتها انقلاباً مضاداً وكسراً لعهد أمين الجميل وانتصاراً لمحور الاتحاد السوفياتي – إيران وسوريا. وعام 1989، كان انتخاب الرئيس رينيه معوض أشبه بعملية كسر للعماد ميشال عون الذي كان رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية ولمؤيديه وهي عملية تكررت مع انتخاب الرئيس إلياس الهراوي بعد اغتيال معوض»، مضيفاً: «رغم أن اتفاق الطائف الذي وُقّع حينها كان بغطاء إقليمي – دولي وأنه حظي بتأييد (القوات) و(الكتائب) والبطريركية المارونية إلا أنه كان هناك شعور مسيحي بالهزيمة الكاملة».

وبعد «الطائف»، كان السوريون، حسب غانم، «هم من يختارون الرؤساء وفق منطق الغالب والمغلوب بحيث كان حلفاء سوريا دائماً غالبين ومعارضوها مغلوبين على أمرهم».

ويلفت غانم إلى أنه «خلال 53 عاماً، عرف لبنان رئيسين انتُخبا بتسوية سياسية. الأول هو الرئيس ميشال سليمان الذي انتُخب جراء اتفاق الدوحة عام 2008 بعد أزمة كبيرة شهدتها البلاد، وهو اتفاق نص على شكل الحكومة والثلث المعطل وقانون الانتخاب والحوار حول الاستراتيجية الدفاعية وصولاً لتحديد حقيبتين لرئيس الجمهورية هما الداخلية والدفاع. أما الرئيس الثاني الذي وصل بتسوية فهو العماد ميشال عون الذي انتُخب عام 2016 بعد فراغ استمر عامين ونصف العام، جراء تسوية بين رئيس (التيار الوطني الحر) النائب جبران باسيل ورئيس تيار (المستقبل) سعد الحريري، وكانت بوقتها تسوية شاملة شارك فيها (حزب الله) و(القوات) وغيرهما».

ويرى غانم أن «المرحلة اليوم معقدة أكثر من أي وقت مضى، فلا إمكانية لأن يكسر طرف الطرف الآخر نتيجة توازن القوى الحاصل داخل مجلس النواب، كما أنه بالمقابل لا يبدو أن هناك إمكانية لتسوية باعتبار أن لا أحد مستعد لإنجازها لا في الداخل ولا في الخارج، ما يضعنا أمام حالة استعصاء تام».

وفشل البرلمان اللبناني خلال 12 جلسة تمت الدعوة إليها لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد شغور سدة الرئاسة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بمهمته نتيجة توازن القوى «السلبي» في المجلس النيابي، الذي لا يسمح لمجموعة قوى وازنة بفرض إرادتها على المجموعة الأخرى. ويتمسك «حزب الله» وحلفاؤه حالياً بمرشحهم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، مقابل تقاطع قوى المعارضة مع «التيار الوطني الحر» على اسم الوزير السابق جهاد أزعور. فرغم حصوله على 59 صوتاً في آخر جلسة انتخابية عُقدت مقابل 51 صوتاً لفرنجية، إلا أنه لم يتمكن من الفوز باعتبار أن الفوز بالدورة الأولى يستوجب حصول المرشح على 86 صوتاً، وهو يستطيع الفوز بدورة ثانية بـ65 صوتاً شرط وجود 86 نائباً في القاعة العامة، وهو ما يحرص «حزب الله» وحلفاؤه على منعه.

ويؤيد فرنجية كل النواب الشيعة وعدد من النواب المسيحيين والسنة، بالمقابل تؤيد أزعور الأكثرية النيابية المسيحية والدروز وعدد من النواب السنة.

وتشترط قوى المعارضة و«الوطني الحر» للتراجع عن مرشحهم ومحاولة التفاهم مع «الثنائي الشيعي» وحلفائه على مرشح آخر أن يتخلوا هم أيضاً عن ترشيح فرنجية، وهو ما يرفضه هؤلاء ما يجعل البلد على موعد مع دوران لفترة طويلة في حلقة مفرغة.