IMLebanon

أين “يسوح” اللبنانيون هذا الصيف؟

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

موسم السياحة الصيفي هذا العام ناشط بالنسبة للبنانيين بعد أن تراجع حوالى 90% في العام 2021 واستعاد بعضاً من زخمه في العام الماضي ليعود إلى الازدهار هذا الصيف رغم عدم توضح الأرقام والإحصاءات لكون الموسم لا يزال في بداياته. الواضح أن الأرقام لم تعد إلى ما كانت عليه قبل العام 2019 لكن عملية التأقلم مع الأوضاع أخذت مجراها وعاد اللبناني إلى عاداته القديمة: عطل، سفر، استجمام واستمتاع بالصيف خارج الوطن لنسيان هموم الوطن…

مكاتب السياحة والسفر مستنفرة، عاد الضغط الى مكاتبها: حجوزات، رحلات استفهامات بالجملة، وكأن كل اللبنانيين يودون السفر الى الخارج أو كأن لا ازمة مالية ولا من يحزنون أو يحسبون… خيارات السفر كثيرة لكنها اختلفت عن السابق، فالظروف أوجدت وجهات مستجدة وألغت وجهات تقليدية. اين يسافر اللبنانيون؟ هذا ما نحاول استطلاعه من مصادر سياحية معروفة.

بلا فيزا

زياد خيرالله صاحب مكتب للسياحة والسفر وخبير في شؤون الرحلات الداخلية والسياحة الخارجية يشرح من خلال خبرته الطويلة ما يشهده الواقع السياحي هذا الصيف ويقول:

بحسب التوقعات لا تزال تركيا الوجهة المفضلة لدي اللبنانيين لأنها لا تحتاج الى فيزا ولأن اسعارها لا تزال مقبولة مقارنة بغيرها. فالمشكلة الكبرى التي يواجهها الراغبون بالسفر هي اسعار البطاقات المرتفعة لأن معظم شركات الطيران القديمة لم تعد الى لبنان بعد. فثمة شركات كانت متعاقدة مع مكاتب سفر تقدم لها تسهيلات بالأسعار لا سيما نحو أوروبا لكن هذه الشركات لم تعد الى لبنان فصار الضغط كبيراً على عدد معين من شركات الطيران المتبقية خاصة مع مجيء أعداد كبيرة من الوافدين الى لبنان ما رفع الأسعار جداً نسبة الى السنوات الماضية. هذا الارتفاع الكبير في الأسعار أعاق السياحة نحو الخارج، وإليه أضيفت صعوبات التأشيرات ما جعل الناس يستسهلون وجهات لا تحتاج الى فيزا مثل تركيا وجورجيا. بعد الزلزال الذي ضرب تركيا شهدت السياحة إليها تراجعاً نتيجة الخوف لكن الناس نسوا بسرعة وتشجعوا على العودة إليها وصارت من أبرز الوجهات خاصة مع زيادة عدد الرحلات وطائرات الشارتر بين لبنان ومطارات مختلفة في تركيا وبين لبنان وجورجيا التي باتت تحط فيها طائرتان أسبوعياً وتشهد إقبالاً كبيراً بسبب تنوع مناطقها ما بين المدن الداخلية الأثرية الغنية بالكنائس وشواطئ البحر الأسود بفنادقها العصرية وأجوائها الترفيهية الصاخبة. أما أرمينيا ورغم حاجة اللبنانيين الى فيزا لدخولها إلا أنها باتت وجهة مرغوبة غالباً ما تتم زيارتها مع جورجيا في رحلة واحدة ويمكن للبنانيين الحصول على الفيزا أونلاين بشكل سهل لا يحتاج الى الكثير من الإجراءات.

لا شك أن الوضع المالي قد أثر على سفر اللبنانيين الى الخارج للسياحة لكن، المفاجئ في الأمر أن هناك إنفاقاً سياحياً كبيراً يطرح أكثر من علامة استفهام. أما الجواب المنطقي الأكثر قرباً من الواقع فهو بحسب خيرالله أن الناس الذين كانوا يعملون ويخبئون قرشهم الأبيض لليوم الأسود باتوا اليوم ينفقون ما يجنونه ليستمتعوا بحياتهم بعد أن خسروا ما خسروه في المصارف، من دون إغفال أن الكثير من الموظفين باتوا يقبضون رواتبهم بالفريش دولار ما عزز قدرتهم الشرائية. الى هذين العاملين يضاف حب اللبنانيين للحياة الذي يدفعهم دوماً للبحث عن الفرح و المتعة أينما وجدت.

رحلات أبو رخوصة

بعض هؤلاء استبدل وجهاته الخارجية برحلات برية صغيرة زهيدة الكلفة الى سوريا والأردن. وهذا المكتب الذي كان اول العائدين الى سوريا بعد الحرب يعرف جيداً مدى الإقبال الذي تلاقيه هذه الرحلات لا سيما بعد أن استتب الوضع الأمني في معظم المحافظات السورية وبوجود وجهات سياحية جميلة جداً في سوريا مثل الساحل السوري حيث المنتجعات السياحية الراقية و الشواطئ الجميلة بأسعار مقبولة جداً نسبة الى لبنان. كما أن الرحلة الى سوريا عبر تذكرة الهوية تحل مشكلة صعوبة الحصول على الجوازات اللبنانية التي لا تزال تشكل عائقاً حقيقياً امام السفر الى الخارج. لكن في مقابل المتحمسين لزيارة سوريا ومناطقها السياحية والأثرية هناك المترددون الذي يخشون الوضع الأمني فيها أو يخشون أن يؤثر دخولهم الى سوريا على إمكانية نيلهم تأشيرات في ما بعد الى أوروبا أو أميركا علماً أن اي من هذا لم يثبت.

عدد كبير من اللبنانيين بات يشارك في الرحلات البرية الى الأردن التي باتت وجهة مقصودة نظراً الى أسعار الرحلات المقبولة جداً. لكن تبقى هناك ثمة عراقيل إذ ان البعض يخشى أن يوسم جواز سفره في سوريا، كما ان اللبنانيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية يحتاجون الى تأشيرات للدخول الى سوريا والأردن وهذا يرتب عليهم تكاليف عالية يفضلون الاستغناء عنها لذا تقتصر الرحلات على أصحاب جوازات السفر اللبنانية. لكن مشكلة الأردن أنها باتت وجهة تعتمدها مكاتب سفر غير مؤهلة لا تملك الخبرة السياحية في تنظيم الرحلات لكنها تعرض اسعاراً متدنية جداً تجتذب الزبائن ليفاجأ هؤلاء في ما بعد بأن الرحلة متعبة جداً وغير مدروسة لا توافق توقعاتهم.

الدول العربية تشكل وجهة محبوبة من قبل اللبنانيين لا سيما مصر لكن الحر الشديد صيفاً يجعل السياحة الى مصر محصورة بشرم الشيخ والغردقة كونهما على البحر أما في الربيع والخريف فإن مصر بتاريخها وآثارها تشكل وجهة سياحية مرغوبة جداً. تونس بما تضمه من منتجعات سياحية بحرية رائعة والتي كان يقصدها اللبنانيون سابقاً تراجعت بسبب عدم وجود طيران تونسي في مطار بيروت ما أثر سلباً على السياحة بين البلدين. والأمر ذاته ينطبق على المغرب الذي يعاني اللبنانيون من صعوبة الحصول على تأشيرة للدخول إليه إضافة الى توقف الطيران الى بيروت. أما دبي فالمشكلة الكبرى هي في اسعار بطاقات السفر التي ارتفعت جداً بعد أن كانت بمتناول الجميع لكنها في مطلق الأحوال ليست وجهة صيفية.

أوروبا التي تشكل زيارتها حلماً بالنسبة للكثير من اللبنانيين دونها صعوبات عملية ومالية. فعدد من السفارات بات يطلب وجود حسابات بالفريش الدولار عند تقديم طلبات فيزا الشنغن، قليلة هي السفارات مثل الفرنسية واليونانية التي تقبل بالحسابات المصرفية القديمة باللولار او الليرة اللبنانية. وهنا لا بد من الإشارة الى ان تقديم طلبات تأشيرات عبر مكاتب موثوقة يضمن الحصول عليها كون السفارات تسهل التأشيرات للمكاتب التي تملك مصداقية ومعروفة بأهدافها السياحية.

أوروبياً، إسبانيا من الوجهات التي يفضلها اللبنانيون لكن أسعارها لا تزال مرتفعة فيما إيطاليا وجهة مرغوبة جداً باسعار مقبولة. كذلك تشكل اليونان خياراً مطلوباً رغم الضغط الشديد على الطيران كون الكثير من اللبنانيين باتوا يملكون بيوتاً في اليونان ويتنقلون بشكل دائم بين البلدين. لكن الجديد في الرحلات الأوروبية هي المناطق غير المعروفة سياحياً فيها والتي تشكل خيارات جديدة حتى بالنسبة لمن سبق وزاروا البلدان الأوروبية في عطلاتهم السابقة.

رغم اتساع مروحة الخيارات عند اللبناني إلا أن الكلفة لم تعد في متناول اليد وكثر ما عاد باستطاعتهم تحمل تكاليف رحلة سياحية منظمة.

الكروز خيار مثالي

للمزيد من المعلومات توجهنا نحو شركة نخال للسياحة والسفر لإجراء تقاطع بين الملاحظات حول السفر من أكثر من مصدر. حول الوجهة المفضلة عند اللبنانيين تقول السيدة مود نخال مديرة مجموعة كلوب ميد وكوستا في شركة نخال أن تركيا التي كانت الوجهة المفضلة للبنانيين تراجعت قليلاً بعد الزلزال لتحل محلها شرم الشيخ ابتداءً من شهر آذار لكن بعد ذلك ومع بدايات الصيف عادت تركيا لتحتل المركز الأول وبعدها شرم الشيخ.

لا شك ان الوضع المالي كان له تأثير كبير عل خيارات السفر عند اللبنانيين ولا سيما العائلات التي اختصرت رحلتها السياحية الى الخارج الى بضعة ليال بدل الأسبوع او الأسبوعين كما كان الأمر في السابق. وكذلك تغيرت خيارات الفنادق فلم تعد الفنادق الدولوكس ذات النجوم الخمس هي الخيار الأول بل بات معظم المسافرين يعتمدون فنادق ثلاث أو أربع نجوم ووفق الميزانية التي وضعوها للسفر. إذا لا يزال السفر مرغوباً إنما بميزانية محدودة انتفى معها البذخ الذي كانت تشهده السفرات سابقاً. وثمة ظاهرة بدأت تلاحظ هذا العام وهي ازدياد نسبة المغتربين اللبنانيين لا سيما الذين يعيشون ويعملون في الخليج العربي في حجز الرحلات السياحية وفي الإنفاق المرتفع الأمر الذي لم يعد يقبل عليه اللبناني العادي الذي يعيش في لبنان. فهذا الأخير يفصّل سفرته على قد بساطه ليتسفيد مما ينفقه بأفضل طريقة.

بالنسبة للدول العربية تأتي مصر كخيار أول عند اللبنانيين سواء بالنسبة للقاهرة وللرحلات على النيل أو بالنسبة لشرم الشيخ والغردقة كما ذكرنا. وهذه الخيارات مناسبة للبنايين باسعارها لا سيما عبر الرحلات المنظمة وطائرات الشارتر. أما تونس و المغرب فالفيزا إليهما لا تخلو من الصعوبة لذلك لم يعودا ضمن الخيارات المطلوبة فيما دبي تعتبر بلداً باهظ الكلفة للسياحة بالنسبة للبنانيين والذين يقصدون دبي للسياحة لا تتخطى نسبتهم 10% فيما الباقون يقصدونها لزيارات عائلية أو للعمل. أما البلدان الأسيوية التي كان يرغبها اللبنانيون في السابق فصارت كلفتها عالية لا سيما بالنسبة الى بطاقات السفر وتراجع الطلب عليها.

بالنسبة الى أوروبا ومع صعوبة الحصول على تأشيرة نظرأً لضرورة وجود حساب فريش دولار فإن خياراً آخر بات مرغوباً جداً هو رحلات الكروز البحرية التي يزور فيها السائح ثلاثة أو أربعة بلدان أوروبية خلال سبعة ايام فيستفيد بذلك من الفيزا الصعبة التي حصل عليها. وتشكل الكروز الخيار الأفضل لرحلة شهر العسل عند المتزوجين حديثاً أو للعائلات مع أطفالها. ومن ميزات هذه الرحلات أن الباخرة بمثابة فندق خمس نجوم وكل الوجبات مع السهر والترفيه تدخل ضمن الكلفة الأساسية للرحلة مع نشاطات للأطفال. بهذا تكون كلفة الرحلة على العائلة أقل ومستواها أعلى بميزانية مقبولة خاصة مع العروضات التي تقدمها مكاتب السفر. وتقارب كلفة سبع ليال على باخرة فاخرة 800 يورو للشخص الواحد اي 870 دولاراً للشخص في غرفة مزدوجة وهو سعر ملائم جداً خاصة أنه يتضمن كل شيء ويتيح زيارة بلدين أوروبيين أو اكثرمثل ايطاليا، فرنسا، إسبانيا، اليونان ومالطا خلال الرحلة ويتيح لمن هم دون الثامنة عشرة البقاء مع الأهل في كابين واحد ما يخفف من كلفة الرحلة وهو الأمر الذي يشجع الكثير من العائلات على اعتمادها.