IMLebanon

السُنّة نحو تحمّل المسؤولية… ودار الفتوى ترفع الصوت!

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

طغى «الحرد» السياسي على غيره من المقاربات التي انتهجتها القوى السنيّة في تعاملها مع الإستحقاقات السياسيّة، ومن بينها الدستوريّة؛ بُعيد تعليق رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري عمله السياسي ودعوة أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات النيابيّة. وذلك قبل أن يتحوّل هذا الإيعاز إلى محاسبة المغردين خارج هذا السرب، والإستعاضة عن المقاطعة المطلقة بتصويتٍ عقابي أو سلبي، أدّى إلى استبعاد القرار أو الفاعليّة السنيّة من المعادلة، وتعويم الخصوم التقليديين لنهج «الحريريّة السياسيّة» في عدد من المناطق.

الإنتخابات التي أعطت «الثنائي الشيعي» كل المقاعد النيابيّة المخصصة للطائفة الشيعيّة في المجلس، كما خوّلت حزبي «القوات اللبنانيّة» و»التيار الوطني الحر» الاستحواذ على غالبيّة المقاعد المسيحيّة، إلى جانب تعزيز مكانة الحزب التقدمي الإشتراكي في الوسط الدرزي، أدّت نتائجها على الساحة السنيّة إلى إيصال «موزاييك نيابي» يتأرجح ما بين ولاءٍ بأكثريّة مطلقة لـ»حزب الله»، ومعارضة خجولة لهذا الخط لا تتعدى أربعة نواب، وسط بروز تكتلات رمادية أو وسطيّة، يسعى كلا الطرفين إلى خطب ودّها من دون أن يفلحا حتى الساعة.

إقتصار المراوحة السياسيّة والرئاسيّة منذ ما بعد الإنتخابات النيابيّة على احتساب عددي لمكوّنات المجلس النيابي إلى جانب هذا المرشح أو ذاك، شارف على الإنتهاء مع تسارع وتيرة تحلل مؤسسات الدولة وبروز مطالبات جديّة وفعليّة بإعادة النظر في ديمومة هذا النظام العاجز عن إعادة الإنتظام إلى مؤسساته الدستوريّة ومن خلالها الاستجابة لمتطلبات المواطنين واحتياجاتهم. وهذا ما دفع المتابعين إلى التساؤل عن دور النواب السنّة خلال هذه المرحلة المصيريّة، وما إذا كان إبقاء البعض من بينهم على مواقفهم الرماديّة يعدّ موافقة ضمنيّة للإنقلاب على الطائف أو تكريس أعراف جديدة يدأب خلالها «حزب الله» على فرض هيمنته على ما تبقى من دورٍ ومؤسسات لطالما تغنّى به لبنان.

وفي هذا السياق، وبعد نجاح المملكة العربيّة السعوديّة في إعلاء قرارات مجلس الأمن الدولي، وجامعة الدول العربيّة كما تجديد التزام تطبيق اتفاق الطائف، كسقفٍ لأية محاولةٍ تسعى الخماسيّة الدوليّة لأجل لبنان القيام بها، برز توجّه سعودي واضح في اتجاه النواب السنّة في لبنان، يحضهم على تحمّل المسؤولية في هذه المرحلة المصيريّة التي يمر فيها لبنان، والخروج من المواقف الرماديّة أو الوسطيّة التي تعوق إعادة تكوين السلطة في لبنان وتساهم في «زوال» الدولة!

وهذا ما برز من خلال اللقاءات التي تتولى شخصيّات سنيّة مقرّبة من المملكة القيام بها، مترافقة مع حركةٍ ومواقف عاليّة النبرة لمفتي الجمهوريّة اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان. وبعد اللقاء الخجول الذي وُضع في خانة التعارف بين النواب السنّة على أبواب الشروع في المعركة الرئاسيّة في أيلول عام 2022، تشخص الأنظار مجدداً إلى دار الفتوى التي تعمد بدورها إلى دفع النواب السنّة لحسم قرارهم ومواقفهم السياسيّة في محاولةٍ للحدّ من الإنهيار المحتّم جرّاء تمادي الإستعصاء السياسي القائم.

وتشير أوساط مواكبة للإتصالات القائمة إلى أنّ المطلوب قبل الدخول في تفاصيل الصيغ والمبادرات الرئاسيّة المطروحة، أن يعمد هذا المكوّن إلى تحمّل مسؤوليته والمشاركة بفعاليّة في المحافظة على لبنان الدولة. وهذا ما أكّده المفتي دريان في حفل تكريمي أقامه عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى المهندس عبدالله شاهين الأسبوع المنصرم، في حضور مجموعة كبيرة من الشخصيات السنيّة، من بينهم ممثل عن الرئيس سعد الحريري، إضافة الى نواب ووزراء حاليين وسابقين. وناشد المفتي في كلمته القوى السياسية «التنازل عن مصالحها الذاتية لمصلحة لبنان الوطن ومؤسساته الدستورية»، وشدد على أن «الحّل لا يمكن أن يكون إلا بالتنازل المتبادل بين الجميع». كما أكّد أمام الحضور الذي يضم نواباً من مختلف الكتل النيابيّة على أنّ «المسلمين السنة في لبنان ليس لديهم مشروع خارج إطار الدولة اللبنانية»، وتابع «نرتضي بالدستور واتفاق الطائف وبالأطر الدستورية والقانونية، ونرفض الافتئات على حقوقنا المشروعة»، وذلك قبل دعوة القوى السياسيّة (السنيّة) إلى «تحديد أولوياتها ورسم خارطة الطريق للوصول إلى الحل الأنسب الذي ينهي كل أزماتنا».

إلى ذلك، كشفت أوساط نيابيّة على بيّنة من اللقاءات أنّ الهدف الأساسي، يكمن في جمع أكبر عدد من النواب السنّة تحت عباءة دار الفتوى، وتحديداً النواب المترددين في حسم مواقفهم، باعتبار أنّ خروج النواب السنّة من المعادلة المرتبطة بإنتخاب رئيس الجمهورية سيؤدي في المرحلة المقبلة إلى تجاهل موقفهم المرتبط بتكليف رئيس الحكومة، على غرار تسمية الثنائي الشيعي الرئيس حسان دياب خلافاً لإرادتهم، فضلاً عن تخوّف جدّي لدى السنّة من المسّ باتفاق الطائف، وإعادة النظر في توزيع السلطات التي بطبيعة الحال، سيتم استخدام تشتتهم أو تنوعهم النيابي لقضم بعض المكتسبات التي كرّسها الدستور لهم.

وفي سياق متصّل، وإلى جانب اللقاءات أو الإجتماعات الإستشرافيّة لإمكان دعوة النواب السنّة إلى إجتماع موسّع في دار الفتوى، فقد شارك عدد كبير من النواب والشخصيّات السنيّة في العشاء التكريمي للمفتي، الذي نظّمته أمس سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت. ووصف بعض المطلعين على الإتصالات السنيّة القائمة، أنه محاولة متجددة لتكرار مشهدية لقاء دار الفتوى في أيلول المنصرم، والذي تلاه عشاء في دارة السفير في اليرزة، في حين أن تكريم المفتي أمس، جمع أكبر عدد من النواب السنة لحضهم على إنجاح أي دعوة أو مبادرة سنيّة من شأنها أن تدفع النواب المترددين إلى المبادرة في الدفاع عن لبنان الدولة.