IMLebanon

زحمة مرشّحين لـ”نقيب المحامين”: ديمقراطية أم قنابل دخانية؟

كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:

الإستعدادات لمعركة انتخابات نقابة المحامين في بيروت تتواصل. والترشيحات لمركز النقيب كذلك. ثمة دلالات توحي بعدم جدّية بعضها. والتساؤلات تدور حول «زَرْعِ» أسماء لضرب أخرى. الأوراق ما زالت بِطور الخلط واللعبة «منّا نضيفة» بحسب متابعين. فهل إنّ الهدف تشتيت الأصوات لخدمة مرشّح ما «مرضيّ عنه» من قِبَل بعض النافذين في النقابة؟ الأيام والأسابيع القليلة المقبلة كفيلة بكشف المستور.

باب الترشيحات يُقفل في 1 تشرين الأول. وفي الأثناء نكمل جولتنا على المرشحين الذين بلغ عددهم العشرة ومن المتوقّع أن يستمرّ بالارتفاع. بعض من تواصلنا معهم اعتذروا عن الكلام وهو أمر مستهجن، في حين فضّل آخرون تأجيل الإعلان عن برامجهم الانتخابية وهو أمر أكثر استغراباً.

لا لتجديد ولاية الأعضاء

البداية مع المحامي فريد الخوري، المرشّح لعضوية مجلس النقابة كما لمنصب النقيب. التقيناه في مكتبه وهو مرشّح مستقلّ كما أخبرنا. الخوري الذي انتُخب عضواً سابقاً في مجلس النقابة بين العامين 2008 و2011 علّق على سؤالنا حول عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين من الأعضاء الحاليين في مجلس النقابة وبين الأعضاء السابقين ممّن تقدّموا بترشّحهم، ما تطلّب جهوداً إضافية بُذلت من غير الأعضاء. وإذ دعا إلى العمل على إصدار تشريع أو ميثاق شرف يمنع تجديد ولاية الأعضاء على غرار القانون الذي يمنع التجديد لمركز النقيب، أضاف: «إن عدم تجديد الولاية يعني انصباب العمل كلّياً على عمل النقابة وليس على الانتخابات التالية ما يعزّز العمل النقابي. هذا إضافة إلى أن التجديد يحول دون وصول عناصر شبابية جديدة إلى مجلس النقابة، ما يحدّ آفاق تطويرها. من هنا، وقبل انتهاء ولايتي في العام 2011، قطعت وعداً على نفسي بعدم الترشّح لولاية ثانية على التوالي، قناعة منّي بما ذكرت».

ماذا عن البرامج الانتخابية وهل هي فعلاً – كما يراها البعض – مجرّد حبر على ورق؟ يؤكّد الخوري أهمية البرنامج الانتخابي لكل مرشّح ذلك أن الخيارات يجب أن تُبنى على أساس ما يحمله من فكر وخطط ورؤية مستقبلية. وقد تضمّن برنامجه الانتخابي الذي أطلقه تحت شعار «نقابة بكرا» شقّاً يتعلّق بالشأن الوطني وآخر داخلياً يتعلّق بأمور النقابة. ففي الشأن الوطني رأى الخوري أنه من غير المقبول السكوت عن انفجار مرفأ بيروت وتدهور الاقتصاد وتحلّل المؤسسات كما تبخّر الودائع المصرفية، وأن يستمرّ تجاهل هذه الملفات دون حسيب ولا رقيب. «نحن لا نعيش في دولة فاشلة إنما لم يعد هناك وجود للدولة أساساً. لذلك على النقابة أن تنكبّ على تحقيق ثورة تشريعية لمتابعة كل ما يحصل».

… ونعم لنقيب مستقلّ

بالانتقال إلى الشقّ المتعلّق بشؤون النقابة الداخلية، لحظ الخوري في برنامجه ضرورة التشدّد في قبول المحامين الراغبين في الدخول إلى النقابة بعد أن تخطّى عددهم الـ500 محامٍ سنوياً. «إنها مشكلة كبيرة لا سيّما أن السوق الاقتصادية تزداد محدودية. المطلوب دخول الجدّيّين والجديرين فقط وغربلة الكمية والنوعية كما التنسيق مع الجامعات من حيث متطلبات سوق العمل والاختصاصات المطلوبة، وهنا يأتي دور معهد المحاماة الذي ساهمْت في ورشة تأسيسه، في مواكبة المتدرّجين». أما عن مأسسة النقابة، فتطرّق إلى ضرورة خلق مؤسسات بالمعنى المتطوّر للمؤسسة ومكننة جميع أعمال النقابة ما يسهّل عمل المحامين. هذا إضافة إلى خلق مؤسسة مالية تعمل على تطوير النظرة المستقبلية من حيث الاستثمارات والإحصاءات وغيرها.

في ما يختص بالملف الصحي، دعا الخوري إلى تأليف لجنة من المختصين لإدارة الصندوق التعاضدي ذلك أن المحامين ليسوا على بيّنة كافية من الأمور الطبية وكون الملف الصحي في تطوّر مستمرّ، آملاً في الوصول إلى وضع بروتوكول صحي موحّد داخل النقابة يعرف من خلاله المحامي ما له وما عليه. وبالنسبة إلى موضوع التقاعد، اقترح أن يكون هناك «تقاعد ادّخاري يسمح للمحامي بوضع المبالغ التي يريدها – بعد التعاقد – مع صندوق سيادي ادّخاري عالمي يديره متخصّصون من الخارج تحت إشراف النقابة بغياب الثقة بالواقع المصرفي، على الأقل في المدى المنظور».

نسأل ختاماً عن مدى حظوظه كونه مرشحاً مستقلاً في مواجهة مرشّحي الأحزاب، فيأسف للإقرار بأن نقابة المحامين ليست بعيدة عن السياسة بسبب دورها الوطني والتشريعي والدستوري والقضائي الذي يُبقي عين الأحزاب عليها. «أنا مرشّح مستقلّ أنطلق من مهنيّتي وخبرتي، لكنني منفتح على كل الأحزاب وأطلب دعمها كوننا نتشاطر الهمّ الوطني والنقابي نفسه بعيداً عن الحسابات السياسية الضيّقة. ضمانة النقابة ألّا يكون النقيب حزبياً ما يسهّل تواصله مع الجميع ضمن قاعدة الاحترام المتبادل»، والكلام دوماً للخوري.

وإذ أشار إلى أن المستقلّ ليس رمادياً أو عدواً لأحد، رأى أن حظوظه جيدة جداً خاصة أن هناك تصوّراً لدى العديد من المحامين بأن الوقت ليس مناسباً لنقيب حزبي إنما لنقيب قادر على الجمع بين كافة الأطراف ضمن علاقة تكاملية لا تنافسية.

اللجان ليست جوائز ترضية

إلى مرشح آخر ننتقل. ففي حديث لـ»نداء الوطن»، لفت المحامي اسكندر الياس أنه آمن، منذ انتسابه إلى النقابة، برسالة المحاماة في تحقيق العدالة والدفاع عن الحريات العامة. وقد عمل منذ العام 1995 في معظم اللجان النقابية وترأّس بعضها، كما مثّل النقابة لدى دائرة جدَيدة المتن القضائية لمدة 14 سنة وعُيّن رئيساً للهيئة التأديبية ليُنتخب بعدها عضواً لدى مجلس النقابة. كذلك انتُخب عضواً في المحكمة النقابية ومثّل النقابة في العديد من الدعاوى والمؤتمرات الدولية، كما يضيف.

نسأل عن طفرة اللجان التي شهدت النقابة على ولادتها مؤخراً، فيجيب الياس بأن النظام الداخلي للنقابة أعطى الحق للنقيب في إنشاء اللجان المناسبة لمساعدته في مهامه. «لكن هذه اللجان النقابية ليست جوائز ترضية لأحد ولا تنشأ غبّ الطلب إنما لضرورات تحدّد وجودها وعملها. لذا، وفي حال حالفني الحظ، سأستدعي تباعاً كل اللجان القائمة لأستوضح طبيعة عملها، وعلى هذا الأساس أقرّر إبقاءها أو حلّها. كما سأسعى إلى مأسستها عن طريق وضع نظام داخلي وهيكلية إدارية لكل لجنة، بحيث تكون لديها محاضر في كافة اجتماعاتها كما في التوصيات التي تصدر عنها».

وعن مسألة الظهور الإعلامي، أكّد أنه ما زال عند وعده بالسعي لإلغاء التعديل الحاصل مؤخراً لا بل إلغاء الفقرة الأولى من المادة 41 من نظام آداب المهنة برمّتها لتَعارضها وأحكام الدستور ونصوص المواثيق العالمية لحقوق الإنسان ولعدم محاكاتها تطوّر الأنظمة النقابية في الدول الديمقراطية. «إنني على قناعة تامة بأن المحامي هو الأجدر والأولى في التحدّث بمواضيع ذات طابع قانوني عام تهمّ الجميع، شرط الالتزام بمبادئ الشرف والموضوعية بعيداً عن الدعاية».

النقابة على المحكّ

كيف يعلّق الياس على من يتّهمه بـ»مسايرة» المحامين أصحاب التأثير الانتخابي؟ «أرفض هذا الكلام جملة وتفصيلاً لأنه لا يشبه شخصيّتي وأدائي النقابي. أنا شخص حازم لكنني لست ظالماً، هدفي تطبيق القوانين والأنظمة النقابية بحذافيرها دون مواربة، من أجل استعادة أمجاد النقابة السابقة بعد أن أصبحت على المحكّ».

لا يؤمن الياس بالبرامج الانتخابية على الإطلاق. «إنها تقليدية، متشابهة ومستنسخة تتضمّن نصوصاً ومشاريع برّاقة غالباً ما لا تُطبَّق. إن شخصية المرشّح وجدّيته ومساره المهني والنقابي هي البرنامج والأساس. لذا أعد بتطبيق القوانين بحذافيرها دون مواربة أو محاباة ودون استنسابية أو انفعالية بعيداً عن الحسابات والاعتبارات الشخصية وغير الشخصية».

هناك أمور أخرى يجب التركيز عليها أيضاً في المرحلة الراهنة، بحسب الياس. منها: التشديد على هيبة النقابة من خلال القرارات الحازمة؛ إعادة الثقة بعمل المحامي والحفاظ على ضمانة المحامين الممارِسين عبر التشدّد في عملية الانتساب؛ تنقية جداول النقابة باستمرار حفاظاً على قدسية المهنة ومعنويات المحامي؛ تأمين مداخيل جديدة للنقابة دون فرض أعباء إضافية على المحامين؛ فتح آفاق عمل جديدة للمحامي في لبنان والخارج؛ اعتماد نظام المكننة لتسهيل عمله؛ استحداث لجنة مشتركة دائمة بين النقابة ومجلس القضاء الأعلى لتنظيم العمل وحلّ الإشكالات الطارئة كما الاستعانة بشركة متخصّصة لتقييم الوضعين المالي والإداري للنقابة واقتراح الحلول والخطط التطويرية وإدارة النفقات.

قوّتها في لافئويّتها

نختم بحديث مع نقيب المحامين السابق النائب ملحم خلف للوقوف عند رأيه، لا سيّما في ما خصّ غياب التغييريين عن الساحة النقابية منذ العام 2021. «لا شكّ أن المحامين المستقلين أدّوا دوراً أساسياً داخل النقابة رغم حضور الأحزاب. غير أن انكفاء المستقلّين إزاء الأوضاع التي نعيشها لا يمكن أن يستمرّ كواقع دائم، ذلك أنهم يبحثون دوماً عن مشروع ورؤية كي تبقى نقابة المحامين رافعة الوطن ومنارة المواقف الوطنية»، على حدّ قوله.

خلف ذكّر بقرار الظهور الإعلامي الذي طال كافة المحامين وأنه لا يجب أن يرتبط بفئة معينة، وشدّد على ضرورة أن يعمل من يتبوّأ سدّة القيادة في النقابة لحماية كافة المحامين. «لا أريد أن أدخل في التفاصيل الضيّقة في وقت يجب العمل على مساحة الوطن. لا شيء سيقلّل من التزامنا والتأكيد على رسالة المحامين والمحاماة. قوّة النقابة في عدم دخولها في زواريب فئوية والمطلوب منها أن تكون المنارة وضمير الوطن».

فماذا يطلب خلف من النقيب المستقبلي؟ «أن يكون أميناً على الإرث النقابي وأن يقوم بالدور الوطني والمهني لأن النقابة تُعتبر الملجأ لكلّ من يواجه التعدّي والظلم. كذلك أن يتخطّى كافة الاعتبارات السياسية والفئوية وأن يتفانى بإعلاء المبادئ والقيم، كما أن يحارب الفساد ويؤكّد على المبادئ الوطنية». وبالمناسبة، هناك من يأمل – في خضمّ تهاوي الأعمدة «الوطنية» واحداً تلو الآخر – أن تكون أولى معارك مجلس النقابة المنتخَب في تشرين الثاني احترام الدستور والحثّ على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في حال كانت سدّة الرئاسة لا تزال شاغرة.