IMLebanon

منصّة الحفر جاهزة… و3 أشهر لتحديد كمية الموجودات

كتب حمزة الخنسا في “الأخبار”:

وصلت منصة الحفر «Transocean Barents» إلى البلوك الرقم 9، بعد نحو عشرة أشهر على إتمام اتفاق تحديد الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. بالتزامن، حطّت طائرة هليكوبتر في مطار بيروت مخصّصة لنقل فرق العمل إلى المنصة التي رست على بُعد نحو 120 كلم جنوب العاصمة. وبذلك تكون الخطوات العملانية الأولى لحفر البئر الاستكشافية في البلوك الرقم 9 قد اتُّخذت بالفعل.

وأكّدت شركة «توتال إنيرجيز»، مشغّل البلوك، أن أعمال الحفر ستبدأ في أواخر آب الجاري، فيما توقّع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض أن تظهر نتائج الحفر خلال شهرين أو ثلاثة، وسط تفاؤل بوجود حقل محتمل وكبير في البلوك الرقم 9. وتكشف بيانات خاصة بالشركة، اطّلعت عليها «الأخبار»، أن التكاليف الكاملة الخاصة بالبلوك الرقم 9 تبلغ 113 مليون دولار، وتشمل دراسة التربة، والحفر، وإجراءات الحماية والبيئة، والإدارة والدعم، والأكلاف المباشرة وغير المباشرة وغيرها، إضافة إلى خدمات بنحو 10 ملايين دولار تقريباً. أما الكميات المحتملة فتُراوِح بين 0.3 و1.7 تريليون قدم مكعب تقريباً. على أن يشمل برنامج عمل الشركة للمرحلة الراهنة الإعداد الجيد ومتابعة العمليات، وآفاق التطور، وهندسة المكامن، ومخطط التنمية، والاقتصاد والدعم الفني.

وتمركزت «Transocean Barents» على بُعد 6 كلم عن الحدود البحرية الجنوبية، فوق حقل قانا المحتمل، على أن تباشر أعمال الحفر بعد استكمال تموضعها فوق البئر، ما يتطلب بعض الوقت، خصوصاً عملية الانتقال من «نموذج الإبحار» إلى «نموذج الحفر»، والذي يتطلب تعبئة جزء من هيكلها (الفواشات) بالمياه لتصبح أكثر ثباتاً وأقل تمايلاً مع الأمواج. يلي ذلك تثبيت إشارات صوتية لاسلكية (ذبذبات) من أجهزة تحت المياه تدل على موقع البئر، بالتزامن مع عملية تزويد المنصة بالمعدات الضرورية لبدء أول مرحلة من الحفر.

وتُقدِّر مصادر مواكبة لعملية تموضع المنصة أن تستغرق هذه المرحلة ما بين أسبوع وعشرة أيام قبل بدء مرحلة الحفر الفعلي. حيث ستعمل المنصة على مرحلتين، الأولى وهي الحفر في عمق المياه حتى نقطة 1650 متراً تحت سطح المياه، أما المرحلة الثانية فتهدف إلى اختراق البئر في القعر على عمق 2700 متر، على أن يبلغ إجمالي الحفر من سطح المياه إلى العقر 4350 متراً. وبالفعل، فقد وقّعت شركة «توتال» عقوداً مع 3 بواخر دعم لوجستي (ائتلاف بين شركة أجنبية وشريك لبناني) لخدمة المنصة ونقل البضائع والمعدات بينها وبين مرفأ بيروت. وقد تمّ توقيع عقد بين «توتال» وإدارة مرفأ بيروت لتأجير مساحة 10 آلاف متر مربع كقاعدة لوجستية للشركة الفرنسية، على أن تتولى باخرتان عمليات النقل، فيما تبقى واحدة عائمة في البحر جنب المنصة لحالات الطوارئ، مجهّزة لعمليات الإطفاء والمساعدة في البحث والإنقاذ.

ويلعب مطار بيروت الدولي دوراً في نقل العمّال والركاب وعملية تبديل طواقم العمل بواسطة طائرتين مروحيتين تُقلعان من موقع الطيران الخاص في المطار، على أن تستغرق الرحلة من المطار إلى المنصة (120 كلم) نحو ساعة واحدة، مقابل 7 ساعات مدة رحلة البواخر في البحر. وستكون عمليات التبديل والتنقيل أساسية، إذ إن عمليات الحفر ستكون متواصلة على مدار الساعة من دون توقف، على أن تعمل فرق العمل بواقع 28 يوماً على المنصة و28 يوماً للاستراحة لكل فريق بديل، إضافة الى نقل العمّال والخدمات الأخرى بشكل يومي.

وقد أطلق وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، اسم «قانا 96» على المسار الذي ستسلكه مروحيات «الهليكوبتر» من مطار بيروت إلى منصة الحفر في البلوك الرقم 9، إذ ستحلّق المروحيات لمسافة 12 ميلاً بشكل مباشر إلى صيدا بارتفاع 500 قدم فوق البر، تدخل بعدها منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية «اليونيفل»، وجرى الاتفاق على أن لا تتدخّل المديرية العامة للطيران المدني مع اليونيفل في هذا الموضوع، على أن تتولى قيادة القوة الجوية في الجيش التنسيق مع القوات الدولية لإعطاء الضوء الأخضر للمروحيات التي ستنتقل من هناك على ارتفاع 1000 قدم إلى المسار القبرصي حيث تتولى سلطات الملاحة القبرصية مواكبتها إلى حين وصولها إلى البلوك 9.

الجهود المبذولة من قبل الوزارات والإدارات لإنجاز المهام المطلوبة، تقدّم صورة معاكسة لواقع البلد المنقسم سياسياً. وبالإضافة إلى دور وزارة الطاقة، تلعب وزارة الأشغال العامة والنقل دوراً محورياً لجهة دخول البواخر ومنح الأذونات والتراخيص المطلوبة لكلّ القطاعات المعنية، خصوصاً القاعدة اللوجستية في مرفأ بيروت. كما تلعب وزارات المالية والدفاع والداخلية والعمل، والمديرية العامة للأمن العام والهيئة اللبنانية للطاقة الذرية أدواراً، كل حسب مهامها وصلاحياتها. لكنّ التحدّي الكبير يتمثّل بالانهيار الحاصل في إدارات الدولة. فهيئة إدارة قطاع البترول التابع لوزارة الطاقة، تعمل بـ«نصف» عدد أعضاء مجلسها (3) بعد استقالة النصف الآخر، فيما كادرها التقني الذي كان يتألف من 20 شخصاً، تقلّص اليوم إلى 6 فقط، أما الفريق الذي تم تشكيله وتدريبه عام 2020 للعمل على البلوك الرقم 4، فلم يعد موجوداً. وقد اضطرت الهيئة إلى تأليف فريق جديد لينسّق مع كل الوزارات والإدارات ذات الصلة. لكنّ الحاجة ماسّة اليوم إلى الالتفات إلى الهيئة ودورها، وتأمين الموارد اللازمة لها للقيام بمهامها، خصوصاً إذا وصلت عمليات التنقيب إلى نتائج إيجابية.

تحمل تسمية المسار الخاص بتنقّل المروحيات من مطار بيروت إلى البلوك الرقم 9، اسم «قانا 96» وهي تسمية ذات دلالات لافتة، فهي تمثل رمزياً مناسبة لتخليد ذكرى شهداء مجزرة قانا التي وقعت في خلال عدوان إسرائيل في نيسان 1996. وتعيد إلى الذاكرة تاريخ أولى معادلات الردع التي فرضتها المقاومة على إسرائيل بما عُرف يومها بـ«تفاهم نيسان 96»، عندما نجحت المقاومة في فرض تحييد المدنيين، ما أسّس إلى مرحلة جديدة من الصراع، ومستوى جديد من الردع، ظهرت نتائجه يوم لجأت المقاومة إلى إطلاق مُسيّرات باتجاه حقل «كاريش»، ما أجبر العدو على القبول بشروط لبنان وتثبيت الحدود البحرية مع استمرار وجود خرق مرتبط بتحديد الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.