IMLebanon

3 إلى 5 سنوات لإنتاج الغاز… إذا وُجِد

كتبت باسكال مزهر في “نداء الوطن”:

وصلت أمس الأول إلى المياه اللبنانيّة حفارة «Transocean Barents» التي تعاقدت معها شركة «توتال إنيرجيز» الشركة المشغلة لحفر البئر الإستكشافيّة المنتظرة في البلوك رقم 9 كما هو محدّد في العقد البترولي الموقّع مع الدولة اللبنانية. عملية الحفر ستتم وفقاً لبرنامج الحفر المنصوص عليه والمطلوب تنفيذه في رخصة الحفر التي أصدرتها وزارة الطاقة منذ يومين على أن يبدأ الحفر بعد أيام قليلة، وذلك بعدما تم تأمين الأدوات اللازمة وإصدار تقرير الأثر البيئي (EIA). فلوجستياً لبنان مستعد تماماً لهذا الحدث المنتظر والأمور تسير وفقاً لبرنامجها المحدّد. فما هي التوقعات المنتظرة؟

التموضع الجغرافي

وفقاً لمصادر معنيّة بالقطاع البترولي في لبنان لـ»نداء الوطن»، فإن «موقع الحفر موجود على بعد 6 كيلومترات شمال الحدود البحرية الجنوبية ويبعد 120 كيلومتراً عن بيروت وتقريباً 70 كيلومتراً عن الساحل الجنوبي. العمل يحصل ضمن حقل «قانا» المحتمل الذي تبيّن من الدراسات والتحضيرات لحفر هذه البئر أنه الأعلى حظاً بوجود اكتشاف. وفقاً للبرنامج المحدّد فإن عمليّة حفر البئر ستكون عمودية على عمق 1650 متراً من المياه وحوالى 2700 متر في باطن الأرض، ما يجعل مجموع العمق حوالى 4350 متراً. حالياً المنصة لم تبدأ بالحفر فهي تتموضع فوق البئر وتتزوّد بالمؤن والمعدات الضرورية من القاعدة اللوجستية المتواجدة في مرفأ بيروت لتصبح جاهزة ومستعدة للحفر بعد حوالى الأسبوع».

جدول زمني قريب

كما هو معروف وكما أعلنت شركة «توتال إنيرجيز» في بيانها أن عمليات الحفر في البلوك 9 سوف تبدأ كما هو محدّد بحدود نهاية شهر آب الحالي. وفي هذا السياق لفتت المصادر المعنيّة أن «حفر البئر سيستمر حوالى 67 يوماً للوصول إلى العمق الأقصى المحدّد بحوالى 4350 متراً. ومن الممكن أن يأخذ الحفر فترة أطول في حال التوصل إلى اكتشاف، إذ سوف يحصل عندها إنتاج تجريبي لمعرفة وتقدير الكميات المتواجدة في هذا الحقل وهذا الأمر يتطلّب من 10 أيام إلى أسبوعين إضافيين، على أن تظهر النتيجة أواخر شهر تشرين الأول أو بداية تشرين الثاني في حال لم تحدث أية مشاكل تقنيّة في الحفر. إذاً فالجدول الزمني المتوقع لعملية الحفر سوف يستغرق حوالى 80 يوماً».

بدورها أكدت الخبيرة في حوكمة النفط والغاز «لوري هايتايان» لـ»نداء الوطن» على المسار المذكور أعلاه مضيفة: «وفق ما تمّ إعلانه رسمياً، منحت «توتال» مهلة ثلاثة أشهر كحد أقصى للإنتهاء من الحفر التي على أساسها سوف تصدر النتائج التي تم التوصل إليها بنتيجة هذه العمليّة لجهة اكتشاف الغاز وتحديد كمياته، أي بما معناه لمعرفة ما إذا كان هناك أي اكتشاف تجاري من عدمه، عندها يتم اتخاذ القرار بالنسبة إلى تطوير الحقل إذا اضطر الأمر».

في حال وجود اكتشاف تجاري؟

وفقاً لموجب قانوني فرضته المادّة 28 من قانون الموارد البترولية رقم 132/2010، فإن «توتال» ملزمة عند حصول أي اكتشاف إبلاغ وزير الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول فوراً وخطياً كما يتوجب عليها القيام بالإختبارات اللازمة لتقويم قابلية المكمن للإستثمار التجاري وإبلاغ الوزير بنتيجتها، وذلك ضمن مهلة ستة أشهر من تاريخ الاكتشاف كحد أقصى.

وفي هذا الإطار أشار الأستاذ الجامعي المتخصص في شؤون الطاقة الدكتور شربل سكاف عبر «نداء الوطن» إلى أنه «بعد التأكد من وجود الغاز بكميات تجاريّة، لدى «توتال» وشركاؤها مهلة ستة أشهر لتقوم بتحضير خطة عمل والخطوات التي سوف تلجأ إليها لتطوير الحقل، من خلال تحضير خطة بنية تحتية وخطة تسويق الغاز المكتشف. فهذه الخطط تعتبر جزءاً من الخطة العامّة للتطوير والإنتاج التي يجب أن تعمل عليها «توتال» بشكل مواز من أجل تقديمها إلى وزير الطاقة ضمن مهلة السنتين كحد أقصى، ليصار إلى الموافقة عليها في مجلس الوزراء».

وبحسب المصادر «تتضمن خطة التطوير والإنتاج عناوين عدّة كحفر الآبار الإضافية، كميّة الإنتاج اليومي المرتبطة بعقود بيع الغاز التي سوف توقّع في المستقبل. إذ من الممكن أن تكون كل هذه الخطط جاهزة في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات من اليوم. بعد ذلك نصل إلى مرحلة تنفيذ الخطة والتحضير لمرحلة الإنتاج التي تستغرق بدورها حوالى ثلاث سنوات».

من جهتها اعتبرت هايتايان أنه «في حال وجود اكتشاف تجاري يقع بكامله ضمن المنطقة البحرية اللبنانيّة، تطبّق عليه بنود العقد الذي تم توقيعه بين الدولة اللبنانية وإئتلاف الشركات وبالتالي وجب عندها البدء بالحديث والتحضير لخطة التطوير والإنتاج، التي تسمح بمعرفة إتجاه إستخدام الغاز في الداخل اللبناني أو في الخارج. أمّا في حال كان الغاز المكتشف مقسّم بين لبنان وإسرائيل، عندها يطبّق عليه إتفاق ترسيم الحدود الذي تم توقيعه بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية. ففي هذه الحالة تعمد «توتال» بداية إلى توقيع إتفاق مالي مع الجانب الإسرائيلي، بعدها يتم الإنتهاء من موضوع التعويض المتفق عليه بين «توتال» وإسرائيل قبل البدء بعمليات تطوير الحقل».

في حال لم يتم التوصل لاكتشاف تجاري؟

بحسب هايتايان في حال كانت هناك حاجة لذلك طبعاً سوف يتم اللجوء إلى حفر بئر ثانية فهذا الموضوع أصلاً تمت الإشارة إليه في العقد البترولي الموقع بين الدولة اللبنانية وإئتلاف الشركات. أما إذا تم التأكد أن ليس هناك من حاجة، فسيتم عندها إغلاق البئر.

أما الدكتور سكاف فقد اعتبر أن «ما حصل بالنسبة إلى البلوك رقم 4 أن السياسيين كانوا في حالة إفلاس وهم بحاجة إلى أي باب خلاص ليتمسكوا به. فموضوع الغاز يشكل مساراً استكشافياً مستقلاً عن التوقعات السياسيّة فهو يجب أن يأخذ وقته. لذلك من الممكن طبعاً اللجوء إلى حفر بئر ثانية في حال لم تأتِ نتائج الحفر مشجعة».

نتائج الحفر سوف تكون مبشّرة

وفقاً لتقدير الدكتور شربل سكاف «فإن نتائج الحفر سوف تكون مبشرة وإيجابيّة بحيث سيتم التوصل إلى إيجاد كميات من الغاز. فالإستعدادات ممتازة! اليوم الظروف في البلوك 9 تشكل عامل دفع للقطاع إنطلاقاً من ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل ودخول قطر إلى إئتلاف الشركات التي تم تلزيمها البلوكين 4 و9، فضلاً عن رغبة توتال بالتواجد في شرقي المتوسط وتحديداً في لبنان تجسيداً للسياسة الخارجية الفرنسية تجاه المنطقة. هذه كلها أمور تساعد على تشكيل إنطلاقة قويّة للقطاع إلى الأمام».

وفي هذا الإطار، أكدت المصادر المعنيّة لـ»نداء الوطن» أن «احتمال وجود سوائل إلى جانب وجود الغاز الطبيعي مرتفع أيضاً من هنا ضرورة فصل الغاز عن النفط بمصدره أي فور إستخراجه من البئر. هذه العمليّة ترجح أن يكون لدينا باخرة عائمة مهمتها فصل الغاز عن النفط الذي تقوم بتخزينه لتتمكّن ناقلات النفط من القدوم وتعبئة النفط لنقله إلى الأسواق». وتابع: «أمّا بالنسبة إلى الغاز فيجب إيجاد الأسواق الملائمة لتصريفه إن كان في السوق المحليّة أو في الخارج، فكل ذلك مرتبط بالكميات المكتشفة».

المهلة المتوقّعة للبدء بالإنتاج؟

بحسب هايتايان «إن هذا الموضوع مرتبط بخطة العمل التي سيتم وضعها أي خطة التطوير والإنتاج، لجهة توجيه إستخدامات الغاز والبنى التحتية المطلوبة في الداخل والخارج. فكل هذه الأمور يجب أن يتم حسمها فور التأكد من الإكتشاف التجاري لمعرفة وتحديد تاريخ البدء بالإنتاج».

وفي السياق عينه، لفت الدكتور سكاف إلى أن «التوقعات للبدء بالإنتاج تقدّر بعد ثلاث سنوات في حال كنا متفائلين، إلا أنها علمياً تحتاج إلى خمس سنوات، فكل شيء وارد، فهذا مرتبط أيضاً بالقرار الإستراتيجي الموجود اليوم في أوروبا ولدى الشركات الغربية بمحاولات إيجاد بدائل سريعة للغاز الروسي مع العلم بحقيقة صعوبة هذا الأمر بالمدى القريب».

الكميات المتوقّعة والجدوى الإقتصادية!

من المبكر الحديث عن هذا الموضوع، وفقاً للدكتور سكاف، «إذ على لبنان السير بمسار طويل بالاستكشاف، فهذا أول بئر يتم حفرها في البلوك رقم 9 إذ هناك بلوكات أخرى للإستكشاف، فالبلوك 9 ليس النهاية. إلا أن هذا الموضوع مهم لجهة إعطاء أمل وتشجيع الشركات البترولية للإستثمار في البحر اللبناني في دورات التراخيص المقبلة».

بدورها وافقت لوري هايتايان على هذا الموضوع مضيفة أن نتائج الحفر هي المخوّلة إعطاء تقديرات أولية حول كمية الموارد الهيدروكاربونيّة التي يحتويها المكمن المكتشف، وذلك بعد إجراء عملية تقييم إضافي لمعرفة حجم المكمن. «إذ لا يزال من المبكر الحديث عن هذه الأمور قبل التأكد من وجود اكتشاف تجاري فضلاً عن الكميات المتواجدة في المكمن والمهلة المتوقعة للبدء بالإنتاج، عندها فقط يمكن البدء بإجراء التحليلات العلمية اللازمة لمعرفة مدى الجدوى الإقتصادية».

آمال كبيرة

تشكّل المستجدات البترولية في البلوك رقم 9 أملاً كبيراً لجهة إحداث خرق إيجابي في جدار الأزمة البنيويّة التي تواجهها الدولة اللبنانية، على الرغم من الشكوك الكبيرة المرتبطة بحوكمة القطاع وحسن إدارته بالشكل المناسب والمطلوب. الأيام تمر والحاجة تزداد لإنتاج حلول فعّالة تخفف عن كاهل المواطن والمجتمع على حد سواء. فهل ستشكل عمليّة إستغلال هذه الموارد الحيويّة مدخلاً جدياً للتسوية؟