IMLebanon

باسيل والإستدارات الرئاسية الكبرى: من ضعيف إلى أضعف!

كتب آلان سركيس في “نداء الوطن”:

أعادت حادثة الكحالة خلط الأوراق الداخلية، وترافقت وبيان الدول الخمس التي تتابع الشأن اللبناني، في حين لم تقرأ السلطات اللبنانية عمق الرسائل الخليجية، فالأمر لا يقتصر على الأمن، بل يصل إلى السياسة. وكل هذه التواترات تنعكس سلباً على الإستحقاق الرئاسي وعلى الأزمة الداخلية التي تنهي بعد شهرين تقريباً عامها الرابع.

تحمل كل مرحلة زمنية دلالاتها وعواملها السياسية. وفي التاريخ اللبناني الحديث هناك مرحلة ما قبل «إتفاق الطائف» ومرحلة ما بعد الإتفاق، لذلك يمكن النظر في التحولات الكبرى في مواقف بعض الشخصيات والكتل وحتى الدول والتي أثّرت في مسار الإستحقاق الرئاسي.

المرحلة الأولى كانت مباشرة بعد توقيع «الطائف» وانتخاب الرئيس رينه معوّض في مطار القليعات، حينها دخل لبنان مرحلة جديدة، لكنّ الإغتيال السريع للرئيس معوّض بدّل الموازين، فانتُخب الرئيس الياس الهراوي، وبعدها تمّ اجتياح قصر بعبدا في 13 تشرين 1990، وشارك الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في القوات الدولية لتحرير الكويت، فنال لبنان جائزة ترضية من واشنطن.

وحصل التمديد للهراوي عام 1995 وسنة 1998 إنتُخب العماد إميل لحّود بضغط سوري، وتمّ التمديد للحّود في أيلول 2004، وعندها حصل الإنقلاب الكبير في الموقف الدولي بعد صدور القرار 1559 وتبعت ذلك جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ممّا قلب المشهدين الإقليمي والداخلي.

عاد قسم من اللعبة الداخلية عام 2005 إلى أيدي اللبنانيين بعد خروج الإحتلال السوري، وعند انتهاء ولاية لحّود الممدّدة في تشرين الثاني 2007 رشّحت قوى 14 آذار النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود لرئاسة الجمهورية، وأمام تعذّر الإنتخاب بفعل لعبة تعطيل النصاب حصل التحول الكبير في موقف تيار «المستقبل»، حيث أعلن النائب عمّار حوري في مقابلة تلفزيونية تبنّي تياره ترشيح قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان، ممّا أحرج الحلفاء والخصوم وفرض تحوّلاً كبيراً في مسار الأزمة، وانتُخب سليمان في 25 أيار 2008 بعد «اتفاق الدوحة».

إنتهت ولاية سليمان وسيطر الفراغ، فـ”حزب الله” عطّل النصاب وتمسّك بترشيح العماد ميشال عون، وأمام تأزم الأوضاع، حصل الإنقلاب في موقف الرئيس سعد الحريري فرشّح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ما جعل اللعبة الرئاسية حكراً على قوى 8 آذار، فسارع الدكتور سمير جعجع إلى إجراء المصالحة المسيحية وتوقيع «اتفاق معراب» وتبنّى ترشيح عون وِفق البنود العشرة، عندها فُتحت المعركة الرئاسية على مصراعيها وحصل التطور الأكبر الذي تمثّل بانتخاب عون في 31 تشرين الأول 2016.

وتُعتبر ظروف إنتخابات 2023 الرئاسية مغايرة تماماً للظروف السابقة، فالإجماع المسيحي أطاح ترشيح فرنجية، لكن «حزب الله» يعمل على استيعاب باسيل مجدداً، فإذا حصل هذا الأمر وسار باسيل بفرنجية يمكن القول إنه انقلاب كبير في موقف «التيار».

لكن هذا الإنقلاب إن تمّ، وبحسب المعطيات السياسية، لن يكون له نفس التأثير كسابقاته، نظراً إلى عوامل داخلية وخارجية.

ففي العوامل الخارجية، أي رئيس لا ينال «بركة» الخليج والولايات المتحدة الأميركية لن يستطيع الحكم وفعل شيء وسط إنهيار الوضع المالي والإقتصادي، وبالتالي قد لا تتجرّأ القوى الداعمة لانتخاب فرنجية على مثل هذه الخطوة بلا ضمانات عربية وأميركية.

أما داخلياً، فالوضع مختلف تماماً، حتى لو انتخب باسيل فرنجية، فهذا الأمر غير كافٍ لتأمين أكثرية الثلثين، وهنا تبرز معضلة أساسية قوامها إصرار «القوات» والحلفاء على تعطيل النصاب لمنع «حزب الله» من إيصال مرشحه.

ووسط الإعتراض الداخلي وعدم وصول إشارات إقليمية مشجعة، يبقى ترشيح فرنجية في دائرة دعم «الثنائي الشيعي» حتى لو انتخبه رئيس «التيار»، فباسيل الذي تقاطع مع المعارضة سيكون أضعف بكثير من باسيل الذي سيسير وفق إرادة «الحزب»، عندها سيخسر كل رصيد بناه منذ ستة أشهر ولن يستطيع إيصال فرنجية.

ولا يوجد في الدائرة الباسيلية الضيقة أي مؤشر إلى إمكان انتخابه فرنجية إلا إذا حصل تطوّر كبير، وكل ما يقوم به باسيل حالياً هو شراء للوقت، فإحدى اولويات باسيل هي رفع العقوبات الأميركية عنه، وهذا الأمر لا يستطيع فعله فرنجية، بينما يعتبر الرجل أن حقه مكتسب في الوزارات والمناصب، وهو رئيس الكتلة الثانية مسيحياً بعد «القوات»، وبالتالي لن يسير بأي تسوية إلا إذا كان الثمن أكبر من التخلي عن حقه في الترشح للرئاسة.