IMLebanon

جنبلاط “قلق” من المجهول: لا بدّ من التسوية

كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:

أكثر من مرة جُرِّبت الثنائية في المختارة في المئة سنة الأخيرة. كانت قد جُرِّبت أيضاً قبلاً في القرن التاسع في تاريخ البيت والقصر. الأمّ نظيرة في الزعامة والصهر حكمت في النيابة، ثم من بعد نظيرة والابن كمال. لم يعرف في أيّ منهما أحد بينهما متفرج. بل دَوران مختلفان. ثالثة المرات الآن بين وليد جنبلاط ونجله تيمور، الذي صار يجمع كل المواقع والأدوار، بينما يكتفي الأب بدور المراقب.

ما حصل تدريجاً بين عامَي 2018 و2023، في النيابة وترؤس الكتلة النيابية وترؤس الحزب، كان ثمّة نظير قديم له: الجدّ كمال تدرّج بدوره نائباً، ثم وزيراً ،ثم مؤسس الحزب فرئيس الكتلة النيابية لاحقاً، وأخيراً زعيم الدار والعائلة والطائفة. آخر الصفات هي الأصل الذي يعلو ما عداه. ثمّة شبه آخر مهم بين الجدّ والحفيد، هو انتقال زعامة المختارة والطائفة على الحياة، ما لم يخبره وليد جنبلاط ولم تخبره من قبل جدّته التي فاجأها مقتل زوجها فؤاد عام 1921، فيما ابنها كمال في الرابعة من عمره فقط. اليوم، شؤون المختارة كلها كما الطائفة والحزب تدور من حول تيمور: «لا أعرف ماذا أخذ مني؟ فيه جوانب تختلف. لكن عليه أن يكمل. الآن يشق طريقه. مع التسوية والحوار، ويتواصل مع الأطراف وخصوصاً مع الرئيس نبيه برّي».

ليست وحدها حقائق الزمن والعمر والأجيال يسلّم بها جنبلاط الأب، بل أيضاً «التغيير الذي يدقّ الأبواب. يحاول تيمور أن يستقطب بنَفَس جديد. وصلنا جميعاً الى أفق مسدود. آن أوان جيل آخر سوانا. في الانتخابات النيابية الأخيرة، كانت الدلالات واضحة ومعبّرة. هناك مَن لم يقترع لنا. حصل تمرّد عليّ من بعض القاعدة، إضافة الى تذاكي بعض مسؤولي الحزب. طالبوا بالتغيير. رفضت تغيير أكرم شهيب ومروان حمادة الذي نجح بصعوبة في الشوف. كان لدينا في عاليه فائض في الأصوات، إلا أن بضعة آلاف صوّتوا لمارك ضو. أنا لم أعطه أيّ صوت. أخذ أصوات التمرّد».

عندما يتحدث وليد جنبلاط عن كتاب سيرته بالفرنسية، يصدر الصيف المقبل عن دار «Stock»، أعدّه صحافي فرنسي يتناول فيه محاور ومحطات سياسية في حياته، تشبه كتاب والده الراحل «Pour le Liban»، فذلك يعني أنه باشر مرحلة الابتعاد عن السياسة المباشرة. أخيراً كان في رحلة الى صقلية لبضعة أيام، زار في خلالها صديقة قديمة لوالدته مي، تملك قصراً عمره 400 سنة ذكّره بعمر قصر المختارة. في أثناء سفره، وقعت حادثة الكحالة. من هناك اتّصل بالرئيس نبيه بري وبوفيق صفا للتهدئة وتفادي الأسوأ. حادثة الكحالة أرجعت إليه ما عايشه عام 1970 عندما كان والده وزيراً للداخلية ووقع الاصطدام آنذاك بين المقاومة الفلسطينية ومسلّحين «اكتشف كمال جنبلاط بحسب ما كشفه في مجلس النواب بالصور أن الشعبة الثانية وراءه بتشغيلها مسلحين افتعلوا الحادث». على أنه أطرى «أداء الجيش في الكحالة. لم نكن في حاجة الى ما حدث، ولم نكن في حاجة الى الذريعة التي هي شاحنة السلاح».

عندما يتحدث عن مأزق الاستحقاق الرئاسي، يتمسك بوجهة نظر ينقسم الأفرقاء من حولها، هي التسوية التي يقرأها كلٌّ على طريقته. يلاحظ أن «أحداً لا يريد اليوم التسوية، لكنها أكثر ما نحتاج إليه. تسوية لمصلحة البلد وليس لمصلحة أيّ من الأطراف في هذا الفريق أو ذاك. يُفترض أن يعرف هؤلاء أن المعادلات الخارجية لا تنفع. نعوّل على الدعم الخارجي لا على انتظار القرار من الخارج. التباين واضح لدى الدول الخمس التي تتولى الاهتمام بالانتخابات الرئاسية. الواضح أنهم الآن غير مستعجلين. عندما وجّه جان إيف لودريان سؤالَيْه الى النواب، فلأنه متيقّن من أن تفاهمات الدول الخمس لم تنضج بعد. في المقابل، ردود فعل السلبية لبعض الأفرقاء على السؤالين تشير الى لامبالاتهم. كأن لا أحد يستعجل انتخاب الرئيس».

لا يوافق جنبلاط على رهان البعض أن صدمة ما أو حادثاً كبيراً سيرغم الأفرقاء على الذهاب الى التسوية أو الى انتخاب الرئيس: «لا أريد أن أستنتج أن من المتعذّر انتخاب الرئيس على البارد. ليس ضرورياً من أجل الوصول إليه اندلاع حرب أو إهدار دم. محطات كثيرة بعد اتفاق الطائف أمكن انتخاب الرئيس بتسويات. إلياس الهراوي ثم إميل لحود انتخبا بتسوية مغطاة بتفويض لسوريا حينذاك. ميشال عون انتخب بتسوية داخلية، وكذلك قبله ميشال سليمان. لا نحتاج الى أمر عمليات دموي لانتخاب الرئيس، يمكن أن يحصل سلمياً. بعض الأفرقاء في الداخل لا يريدون استيعاب هذه الحقيقة أو تصديقها. لا أفهم مبررات بعض الأفرقاء المسيحيين في رفض الحوار. لا بديل من الجلوس الى طاولة الحوار. نجلس ونتحدث، ونرى بعد ذلك ماذا يحصل. صحيح أن حزب الله رشّح سليمان فرنجية ويتمسك به، لكن في الإمكان الوصول معه الى حلّ وسط إذا جلسنا وتحاورنا، لا الرفض المسبق الذي يضاعف في المأزق ولا يحلّه. يمكن محاورته على اسم آخر. يجب أن نجلس مع السيد حسن نصر الله ليس من أجل انتخاب الرئيس فقط، بل أيضاً من أجل مستقبل لبنان».

يُعرب عن قلقه من «المجهول الذي تساق إليه انتخابات الرئاسة. قد لا نعرف كيف نخرج منه. لا أحد في الخارج جاهز لأن يفرض الحل كما حدث في الماضي. لا وجود لسوريا كي تفرض الحل بمفردها كعام 1990 أو بمؤازرة العرب كعام 1976. مع أنني لا أفهم سبب تخلّي العرب عن لبنان وانكفائهم عنه، لكن ما يصعب تقبّله الاستنتاج أن لا قدرة للبنانيين على الإمساك ببلدهم. هذا المنطق يعيدنا الى الماضي، الى مرحلة المتصرّفية. حينذاك فرض العثمانيون والدول الأوروبية الست تسوية تجسّدت بمجلس الإدارة قبل أن ينهار كل شيء في ما بعد منذ عام 1909 مع صعود تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقّي وسقوط عبد الحميد الثاني وإعلان الدستور العثماني. الضمانات الخارجية غير كافية ولا ديمومة لها. العودة الى حلول كتلك صارت في الماضي».