IMLebanon

إنتهاء عاصفة التمديد للمفتي دريان… المباغتة

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:

إنتهت العاصفة المفاجئة في دار الفتوى وهدأت الأصوات المتصاعدة تأييداً أو اعتراضاً على التمديد لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وبدأت القوى السياسية والكتل الدينية والاجتماعية تحصي خسائرها وأرباحها وتبحث عن حقيقة ما جرى وما حمله هذا الحدث من أبعاد وتداعيات في الساحة السنية وما رافقه من اضطرابٍ في الرؤية والتوجّهات عند مراكز القوى القائمة، الأمر الذي زاد ضبابية المواقف وصعوبة تحديد بوصلة القرار… لتنجلي الصورة عن لاعب جديد اقتحم الساحة بهدوء واستطاع تعديل المسار نحو «تمديدٍ آمن» تمثّل بـ»تجمّع العشائر العربية».

أدّى تراكم تدخّل «تيار المستقبل» وغيره من القوى التي لم تقم وزناً للمعايير الناظمة لعمل المؤسسة الدينية، في شؤون دار الفتوى، وخاصة تعيين الهيئة الناخبة خلال فترة سيطرة «التيار الأزرق» على القرار، والهيمنة على كثير من أعضاء الهيئة، إلى وصول أعضاء تحدّث عنهم أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي في خطبة الجمعة الأخيرة ووصفهم بأنّهم لا يلتزمون بالتعاليم الدينية ويرتكبون مخالفات صريحة وعلنيّة لها ويحملون الكثير من المفاسد ما أدّى إلى انحدارٍ خطِر في مستوى أعضاء المجلس الشرعي ومنع وصول أهل الصلاح والكفاءة إلى «برلمان المسلمين».

أوجدت مفاسدُ التدخّل السياسي حالةً من التردّد في الاستمرار بخوض استحقاق انتخابات عضوية المجلس الشرعي لدى نخبة من المرشّحين المعروفين بنزاهتهم وكفاءتهم ومكانتهم الاجتماعية إلى التفكير جدياً في الانسحاب وعدم خوض هذا الاستحقاق، نظراً لما رأَوه وعاينوه من فوضى وعبث وتدخّلات غير مبرَّرة في شؤون المؤسّسة الدينية واحتمال أن يزامِلوا أعضاء لا يتمتعون بالأهلية المعنوية والكفاءة ليكونوا أعضاء في المجلس.

باغتت التحرّكات للتمديد السياسيين ورؤساء الحكومات وقد ترجم هذه المباغتة غياب رؤساء الحكومات عن الجلسة ما جعل مجمل القيادات الحزبية والنيابية تستلحق غيابها عن الحدث ببيانات التأييد واتّصالات المباركة للمفتي دريان بينما عملت أدواتها الإعلامية على تضخيم هذه المواقف للظهور بمظهر الواقف وراء الحدث والمسيطر على الموقف، بينما كانت التحرّكات تجري بعيداً عن قبضتهم وتحكّمهم.

إنقسم معسكر التمديد للمفتي دريان إلى فريقين:

ــ الفريق الأول: هو فريق رئيس جمعية المقاصد فيصل سنّو ومعه عدد من أعضاء المجلس الشرعي والفاعليات، وكان يُعِدّ انقلاباً في جلسة السبت مبنياً على استغلال التمديد لفرض التعديل الأخطر في تاريخ دار الفتوى المعاصر والذي يعطي رئيس الحكومة حقّ تعيين لجنة أو نائب يقوم مقام المفتي في حال شغور المنصب حتى انتخاب مفتٍ أصيل. وقد انفضّ عن هذا المعسكر عدد من أعضاء المجلس الشرعي عندما علموا بهذا التعديل.

وقد أدّت مجموعة «حرّاس المقاصد» دوراً مهماً في الكشف المبكِّر عن هذا الانقلاب المبيَّت وعملت على التواصل مع الفاعليات الدينية والاجتماعية للتصدّي له بشكل مباشر.

ــ الفريق الثاني: عمل على ترتيب صفوفه «تجمّع العشائر العربية» وانعقدت سلسلة اجتماعات بعضها في ضيافة أحد وجهاء العشائر وكانت غايته تنقية مسألة التمديد للمفتي دريان من ألغام فيصل سنّو وحماية هذه الخطوة من التدخّلات السياسية السلبية، وبهذين العنوانين توافر عنصر الاستقرار وجرى إبعاد المغامرين عن إطار العمل المباشر لترتيب جلسة السبت الماضي.

لهذا جاء بيان المباركة الأول للمفتي دريان من «تجمّع العشائر العربية» ليأخذ التجمّع مكانته كقوة سياسية اجتماعية وازنة ومؤثِّرة وهي معروفة بالتناغم الكامل مع المفتي دريان، وظهور تأثير العشائر بهذا الشكل المحترف والهادئ ستكون له آثاره في الميدان السياسي في كل الاستحقاقات التالية.

كان اللافت في جلسة التمديد أنّها حصلت من دون مساومات مع السياسيين التقليديين الذين اعتادوا وضع أصابعهم في التفاصيل والقيام بمساومات ومقايضات لطالما أعاقت دار الفتوى ومفتي الجمهورية عن التحرّك في بعض الجوانب الحسّاسة وبعض الظروف الضاغطة. كما أنّها رفعت الحرج عن المفتي دريان بشأن «طحشة» فيصل سنّو باتجاه التمديد الذي حصل بلا فضلٍ منه، بل أصبح عبئاً على الدار وصاحبها بعد انكشاف حقيقة مشروعه السياسي من خلال اختراق المؤسسة الدينية.

ظهرت المباغتة عند السياسيين وعدم المتابعة من قبلهم في أنّ بعضهم اعتبر بيان مفتي الجمهورية قبل ظهر السبت برفض التمديد نهاية المطاف وصُدم بنتائج الجلسة.

لا يعني تحرّر دار الفتوى من السياسيين إشهار الخصام معهم، بل هو ترسيم لحدود الاستقلالية المطلوبة للمؤسسة الدينية حتى تستطيع القيام بدورها الإسلامي وملاقاة المرجعيات الدينية في إطار الشراكة الوطنية، وتتمكّن من تحرير أوقافها التي تقع تحت هيمنة القرار السياسي أو وضع اليد في الكثير من المناطق من قبل من تحوّلوا إلى «وجوه بارزة»، بينما تنتظر المفتي والمجلس الشرعي المنتظر مهام جسام لحماية الوجود السنّي وإعادة ترتيب الصفوف بعدما وصلت القوى السياسية السنية التقليدية إلى وضعية العجز عن المبادرة والغياب عن تحمّل المسؤولية، برعاية الحالات الناشئة في ظلال دار الفتوى، كما كان الحال عندما أعلن المفتي دريان دعوته للمشاركة في الانتخابات النيابية الفائتة ورفض المقاطعة من موقع الموجِّه والضامن للانتظام العام في المجتمع الإسلامي من دون المساس بالعلاقات الجيدة مع القوى السياسية.