IMLebanon

عن تقاطعات العونيين الهشّة!

كتب ألان سركيس في نداء الوطن:

لا يزال رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل يشرب من «بئر» الرئيس العماد ميشال عون، فكلّما شعر بضعف في الشعبية أو حاجة لإقناع النواب، يستعين بالجنرال على رغم كبر سنّه. فالسنوات التي عمل فيها عون على تجميع الرصيد لـ»التيار الوطني الحرّ» قد تذهب سدى نظراً إلى التراجع الهائل في الشعبية، وكل المحطات السياسية والتقاطعات التي بناها عون وانقلب عليها، باتت في مهب الريح.

يُعتبر عون من الزعماء الذين يذهبون إلى أقصى اليمين ثم يعودون إلى أقصى اليسار تحت مسمّى «الحاجة تبرّر الوسيلة»، ويُصنَّف العونيون بأنهم من أكثر الجماعات السياسية التي يستطيع الزعيم أخذها معه أينما يشاء من دون اعتراضات، ومن يعترض يكون نصيبه الفصل من «التيار» مثلما حصل مع المناضلين القدامى الذين واجهوا سلطة الإحتلال السوري وحليفتها السلطة اللبنانية باللحم الحيّ.

خسر التيار العوني الكثير من شعبيته بعد العام 2005، فمن تمثيله نحو 70 بالمئة من الشارع المسيحي وصل رقمه في إنتخابات 2022 الى حوالى 21 بالمئة. ومن أهم أسباب التراجع العوني هو بناء تقاطعات وسياسات معيّنة ومن ثم الإنقلاب عليها وعلى المبادئ التي قام عليها «التيار».

ومن يراقب سلوك باسيل يرى أنّه نسخة طبق الأصل عمّا كان يقوم به العماد عون، فالجنرال تقاطع مع قائد «القوات» سمير جعجع عام 1988 لمنع وصول النائب مخايل الضاهر إلى بعبدا، ومن ثم انقلب على «القوات»، ليعود ويتقاطع معها عند إندلاع حرب «التحرير» ضد السوريين، وما لبث أن ذهب إلى حرب «الإلغاء» لضرب «القوات».

وبعد نفي عون وسجْن جعجع، عاشت البلاد تحت سلطة الإحتلال السوري، وعندما رفع البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الصوت ودعا جيش الإحتلال إلى الإنسحاب من لبنان، تقاطع عون مع البطريرك صفير لكنه لم يشارك في «لقاء قرنة شهوان» لأنه اعتبر سقفها منخفضاً.

مرّت الأيام وحصلت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان عون يعتبر نفسه أب القرار 1559، لكنه انقلب عليه وعلى 14 آذار وسار بالمركب السوري لتأمين عودته إلى لبنان كما كشف الوزير السابق كريم بقرادوني، علماً أنه كان أول من اتهم النظام السوري باغتيال الحريري، وعلّل كل استدارته بتقاطعه مع قوى 14 آذار في يوم 14 آذار و»كل واحد مشي بطريقو».

ومع توقيع عون ورقة التفاهم مع «حزب الله» في شباط 2006، باتت هذه الورقة «المتحكّم الأكبر» بالسياسة اللبنانية، وعندما راهن البعض على انقلاب باسيل على التفاهم وتمركزه على ضفة أخرى نتيحة تقاطعه مع المعارضة على انتخاب الوزير السابق جهاد أزعور، عاد باسيل إلى الحوار مع «الحزب» تحت عنوان تحقيق مكاسب وطنية أبرزها اللامركزية المالية والإدارية والصندوق الإئتماني.

يدور الحوار بين باسيل و»الحزب»، ومشكلة باسيل هي في ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية ولا تطال الخط الإستراتيجي لسياسة «حزب الله» وتشريع سلاحه. وفي المعلومات أن الحوار المستمر وصل إلى درجات متقدمة وهدفه إعادة إحياء التفاهم الذي قام عليه «مار مخايل» وهو تأمين «التيار» الغطاء المسيحي لـ»الحزب» وسلاحه مقابل حفظ الحصة المسيحية لـ»التيار».

ولم يمنح باسيل «الحزب» جواباً نهائياً حول إمكانية انتخابه فرنجية مع وجود تقدّم في هذا المجال، ففي السابق لم يكن باسيل يقبل النقاش حتى بالفكرة واليوم بات أكثر انفتاحاً شرط تحقيق مجموعة مطالب سلطوية، ويضعها تحت خانة المطالب الوطنية.

ووسط الحديث عن تقدّم الحوار مع «الحزب»، أعاد باسيل وصل ما انقطع مع المعارضة وعاد إلى الحوار معها وأبلغها عدم موافقته على فرنجية واستمراره بالتقاطع مع أزعور وتصويته له في أول جلسة انتخاب يدعو إليها الرئيس نبيه برّي.

وإذا كانت سياسة باسيل توحي بالشيء وعكسه، إلا أنّ شكوك المعارضة تبقى في توقيت إعادة تأكيد باسيل على تقاطعه على أزعور، إذ ترى أطراف معارضة تخوّف باسيل من تقدّم اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون في السباق الرئاسي، لذلك يحاول الإيحاء لـ»الحزب» بقرب موافقته على فرنجية ويسعى لربط المعارضة باسم أزعور كي لا تذهب إلى ترشيح قائد الجيش، خصوصاً بعد حديث الموفد الفرنسي جان إيف لودريان عن مرشح ثالث والمبادرة القطرية المنتظرة.

لم يعد المهم اسم المرشح بقدر ما هو مهم إعادة إحياء روحية تفاهم «مار مخايل»، وهذا دليل على عدم قدرة باسيل على الخروج من عباءة «حزب الله»، لكن إعلان العودة إلى نصّ التفاهم سيكون مكلفاً مسيحياً ووطنياً، ولذلك يتركّز البحث الآن على الإخراج، فـ»حزب الله» يريد باسيل القوي إلى جانبه ولا تنفعه العودة إلى كنفه بلا المسيحيين، لذلك يحرص على تلميع صورته ومنحه مكاسب تحت عنوان «اللامركزية».