IMLebanon

توقّعات بازدياد النزوح السوري نحو لبنان

كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:

لا يزال النزوح السوري الجديد إلى لبنان على الوتيرة المرتفعة نفسها كما الأشهر الأخيرة، بحسب معطيات أمنية، ولم تتراجع أعداد السوريين الذين يحاولون الدخول إلى لبنان يومياً عبر المعابر غير الشرعية، على رغم الإجراءات التي يتخذها الجيش اللبناني لضبط الحدود مع سوريا، والمقررات الحكومية وتهديدات قوى سياسية لبنانية باتخاذ إجراءات تحدّ من هذا النزوح، وتصاعد الاحتقان اللبناني تجاه هذا النزوح والإشكالات الأخيرة بين لبنانيين وسوريين في أكثر من منطقة. وتتوقع مصادر أمنية أن تبقى وتيرة هذا النزوح مرتفعة لـ»الاستفادة» من إمكانية الهجرة عبر البحر قبل حلول فصل الشتاء وموسم العواصف.

كذلك أرخت عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية ضدّ اسرائيل تداعيات على لبنان، بحيث اضطر الجيش إلى تعزيز وجوده وتشديد إجراءاته سواء على الحدود الجنوبية أو على مداخل المخيمات الفلسطينية لمنع أي عمل أمني يجرّ الويلات على البلد. هذا بالتوازي مع عمل الجيش في الداخل، حيث يؤدّي مهمات أمنية عدة، ومنها أخيراً ضبط الإشكالات بين لبنانيين وسوريين وعمليات دهم مخيمات النازحين أو تجمعاتهم حيث يضبط أسلحة مختلفة، إضافةً إلى مهماته الاعتيادية الأخرى، ما يشكّل ضغطاً كبيراً على المؤسسة العسكرية.

إلى ذلك، يبقى احتمال اندلاع الجبهة الجنوبية مع إسرائيل قائماً، ما قد يدفع الجيش إلى نقل كثير من عديده إلى الحدود. وبالتالي، تؤثر هذه الوقائع كلّها على ضبط الحدود مع سوريا، والتي من الصعب أساساً ضبطها مئة في المئة بسبب الحاجة إلى مزيد من العديد فضلاً عن الطبيعة الجغرافية لهذه الحدود المتداخلة.

بالتوازي مع هذه المعطيات، تنقل جهات التقت مسؤولين روساً أخيراً، أنّ موسكو تتوقّع مزيداً من النزوح السوري إلى البلدان المجاورة، لأسبابٍ اقتصادية، لأنّ المساعدات التي كانت تقدمها روسيا وإيران لسوريا على مدى السنوات الماضية توقفت بنسبة عالية جداً، من الجهة الروسية بسبب انشغالها في الحرب على أوكرانيا وتبعات هذه الحرب على الاقتصاد الروسي، ومن الجهة الإيرانية بسبب العقوبات التي تضغط على اقتصادها وأوضاعها الداخلية. وبالتالي إنّ الوضع الاقتصادي في سوريا إلى مزيدٍ من الانهيار والتراجع، ما يعني مزيداً من هجرة السوريين إلى الدول المجاورة ومن ضمنها لبنان.

وإذ يرى البعض أنّ هناك تسهيلاً أو دفعاً روسياً للنزوح السوري الجديد بهدف الهجرة عبر البحر إلى أوروبا، للضغط على الدول الأوروبية، كأحد انعكاسات الحرب في أوكرانيا، خصوصاً أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله تناول هذا الطرح علناً أخيراً، يكرّر المسؤولون الروس أمام من يجتمعون بهم، أنّ موقفهم داعم لعودة النازحين، وموسكو كانت أوّل من طرح مبادرات في هذا الإطار. ويبدي المسؤولون الروس تفهمهم لتخوُّف اللبنانيين من الخطر الوجودي الذي يشكّله النزوح السوري، إلّا أنّهم يوضحون أنّ الحلّ على هذا المستوى ليس في يد موسكو بل يكمن بتوافق دولي، عبر حلّ سياسي شامل في سوريا، وعدم «تسييس» ملف العودة، أي عدم ربطها من قبل الدول العربية والغربية بشرط الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ونظامه.

بمعزل عن حقيقة الموقف الروسي من النزوح السوري، تشرح مصادر ديبلوماسية، أنّ أي مبادرة روسية على هذا المستوى ليست الّا «حبراً على ورق»، فلا إمكانيات أو وسائل لدى الروس لتطبيق أي خطة، إذ إنّ عودة ملايين النازحين السوريين من لبنان والأردن وتركيا إلى بلادهم، تتطلب تمويلاً، ولا يمكن أن تؤمّن روسيا هذا التمويل في غياب القرار السياسي العربي والغربي. وبالتالي من دون حلّ سياسي شامل، وبموافقة واشنطن تحديداً، لا حلّ لمسألة النازحين، ولا أمل في تحقيق في عودة وازنة.

أمّا بالنسبة إلى الحلول الجزئية التي يمكن للبنان أن يتخذها لمواجهة النزوح الجديد ولتحقيق عودة النازحين الموجودين في لبنان، فهي بحسب المصادر الديبلوماسية نفسها، ليست عبر الهجرة غير النظامية بحراً إلى أوروبا، كما طرح نصرالله، ذلك لأنّ لبنان لا يزال يشكّل هيكل دولة على الأقل، ويلتزم القانون الدولي، ولا يمكنه أن يلجأ إلى أساليب مخالفة لكلّ الأصول والأعراف، وأن يتحمّل خسارة آلاف الأرواح من النازحين خلال هذه الهجرة. فهذا سيرتّب تداعيات على لبنان، ومنها عقوبات وحصار، في وقتٍ أنّ جزءاً كبيراً من إقتصاده وعلى رغم تراجعه، «واقف» بسبب بعض العلاقات مع الغرب، وبالتالي إذا فُرضت على لبنان عقوبات أو حصار، سيصبح وضعه الإقتصادي أسوأ من الوضع المأسوي في سوريا.

على رغم ذلك، تعتبر المصادر إياها، أنّ النزوح السوري يشكّل خطراً وجودياً والتراخي في معالجته قد يوصل إلى تكرار سيناريو اللجوء الفلسطيني المستمرّ منذ 75 سنة، خصوصاً أنّ الموقف الأوروبي سلبي وغير مساعد في موضوع النزوح، فيما أنّ لبنان كان يعوّل عادةً على فرنسا وأوروبا لدعمه. لذلك هناك حلول جزئية يجب على لبنان أن يعتمدها إلى حين الوصول إلى الحلّ الشامل، لكنها تبدأ بتكوين السلطة عبر انتخاب رئيس وتأليف حكومة جديدة. إذ للتوصُّل إلى أي حلول أو الحصول على أي مساعدة أو دعم من الخارج، يجب أن يكون هناك سلطة فعلية تتواصل مع هذا الخارج. ولا خروج من «الورطة» في لبنان ولا مبادرات أساسية لمساعدته، لا من المؤسسات الدولية المالية ولا من دول أخرى، بلا رئيسٍ للجمهورية وحكومة كاملة الصلاحيات.