IMLebanon

السفارة “فوق”… المعتصمون “تحت”!

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

هنا عوكر وتحديداً مفرق السفارة. السيناريوهات والمشاهد ذاتها، تتكرّر في كلّ مرّة تدعو فيها القوى المؤيّدة للقضية الفلسطينية مناصريها للتعبير عن غضبهم. بات الملعب يعرف مراكز لاعبيه جيّداً. السفارة «فوق»، المعتصمون «تحت»، ويفصل بينهما عناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية. أمّا وسط الميدان فهي منازل المواطنين القاطنين هناك وأرزاقهم ومحلاتهم التي تتحوّل إلى كبش محرقة، لا يسلم من عبثية وعنفية التظاهرات.

في الأمس وعلى عكس الاحتجاجات الماضية، كانت «حقنة» الغضب سريعة الانفجار والاشتعال، إذ عمد المتظاهرون فور وصولهم إلى محاولة اجتياز السياج الشائك ورمي الحجارة والمناديل المشتعلة باتجاه القوى الأمنية والتي استمرّت بدورها في رشقهم بالمياه والقنابل المسيّلة للدموع بكثافة ما أدّى إلى إصابات وحالات إغماء في صفوف المتظاهرين، لتتطوّر المواجهات، مع سقوط الفواصل الحديدية ووصول المتظاهرين إلى بعض آليات القوى الأمنية ورشقها بالحجارة.

أتوا من مناطق بيروت والضاحية الجنوبية على متن درّاجات نارية وبعض السيارات والباصات، رافعين أعلام فلسطين وفصائل «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، وأيضاً رايات «حزب الله»، «حركة أمل»، «الحزب القومي السوري الاجتماعي»، «البعث» و»الشيوعي». سلكوا بشكل أساسي طريق المتحف – العدلية – الجسر الواطي – الدورة باتجاه الضبيه. وكانوا قد بدأوا بالتوافد الى مفرق السفارة الأميركية منذ الساعة الثالثة من بعد ظهر أمس، رافعين اللافتات الداعمة للشعب الفلسطيني ومطلقين الهتافات والشعارات المندّدة بالعدوان الإسرائيلي وبسكوت المجتمع الدولي عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل في حق المدنيين في غزة.

قسم منهم لم يستطع الوصول إلى ميدان «الإعتصام»، نظراً للإجراءات الأمنية التي اتّخذها الجيش والقوى الأمنية. أمّا من وصل منهم، فانضمّ إلى المشتبكين، الذين لم يكتفوا بصبّ جام غيظهم على العناصر الأمنية فقط. فـ»القضية» وما حدث في غزّة من استهداف وحشي للمشفى المعمداني، يستوجب هذا الغضب والشغب، من أجل لفت انتباه الدول والرأي العام المحلّي والعالمي، وفق تعبير بعضهم. لكنّ «فورة دمهم»، لم تُعفِ المحال ونوافذ البيوت والسيارات.

حتى أنّ المبنى الذي تمّ حرق أجزاء منه ليل الثلاثاء، نال نصيبه مجدّداً. وفيما أشار أحد المشاركين في التظاهرات إلى أنّ الحريق هو نتيجة القنابل المسيّلة التي أطلقتها القوة الأمنية، أكد أحد مواطني المبنى والشاهد على تطوّرات «يوم الغضب»، أنّ بعض المتظاهرين كانوا مجهّزين بعبوات حارقة، وعمدوا إلى رميها داخل «كاليري الياس الحاجّ»، لتشتعل النيران في المكان المحطّم. وسارعت عناصر الدفاع المدني إلى إخماده. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا المبنى كان يقطنه حوالى 250 فرداً من اللبنانيين. واستمرّت المواجهات لتحتدم عصراً، قبل أن يتمكّن الجيش من إبعاد المتظاهرين من محيط السفارة الأميركية في عوكر، وعاد الهدوء الى المنطقة، بعدما بدأ المتظاهرون مغادرة المكان باتجاه المسلك الشرقي لأوتوستراد الضبيه وهم يستقلّون الباصات. وعمدوا إلى قطع الطريق ما سبّب زحمة سير خانقة، ليعاود الجيش فتحها وليعودوا من حيث أتوا.

بعد عودة الهدوء إلى ساحة عوكر، بانتظار جولات جديدة في مناسبات مقبلة، عبّر أهالي المنطقة عن سخطهم وغضبهم، معبّرين عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في غزّة، ولكن ليس على حساب سلامتهم وبيوتهم وأرزاقهم. واعتبر أحد المواطنين «أن هؤلاء يشوّهون القضية الفلسطينيّة، فهذه ليست أرض مواجهة مع العدو الإسرائيلي، وإذا أرادوا توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية عبر سفارتها، فليفعلوا ولكن من دون أن يصبّوا غضبهم وعنفهم على هذه المنطقة وسكّانها».