IMLebanon

هل يستغلّ “الحزب” مشاركة “الجماعة” للتطبيع سنياً؟

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:

منذ أن تولّى الأمين العام للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقوش منصبه بعد انتخابات حملت أوجهاً لصراعٍ داخليّ وصّفه الإعلام بين خطين: إيراني وتركي، واجهت الإدارة الجديدة «اتهاماتٍ» بالاختلاط والاندماج بينها وبين حركة «حماس» مع إضافة البعد الإيراني… ومع انطلاق «طوفان الأقصى» سارعت «الجماعة» إلى الدفع بقوات «الفجر» إلى قلب المشهد مُعلنة بدء مرحلة جديدة، ما أدى إلى طرح سلسلة تحديات في وجه قيادتها تتمحور حول الموقف من مشروع «حزب الله» في المقاومة، وهل مقاومتها هي ذاتُها مقاومةُ «الحزب»، وهل مشروعها يصبّ في المشروع نفسه، ببعده الإيراني والمحلّي؟

الأسئلة الكبيرة تشرئبّ متصاعدة في البيئة السنّيّة حول مشاركة «الجماعة»: من حيث التوقيت، لماذا أَذِنَ «حزب الله» اليوم بمشاركة «قوات الفجر» في القتال؟ وهل هذه المشاركة هي مشاركة ندّيّةٌ متكافئة؟ أم هي مشاركة دونيّة اضطرارية لإثبات الوجود وتحقيق الحضور؟ أم أنّ هناك مساحة أخرى ثالثة برزخية تتموضع فيها «الجماعة» لم تتّضح حتى الآن؟ ثمّ كيف يمكن التوفيق بين شعار «الجماعة» ورؤيتها من الدولة وسيادتها واستقلالها، وبين منطق المقاومة مع ما يعتريه من لُبْسٍ وما يحتاجه من تفسير دقيق؟

لا يخفى على أحد أنَّ الشارع السنّيَّ احتفى بأوّل بيانات «قوات الفجر» وساد مناخٌ احتفاليّ ببروز قوّة سنيّة لها تاريخها في المقاومة. فهذا الشارع يتعطّش لأيّ بادرةٍ تحمل شيئاً من التوازن في وجه الاختلال الحاصل مع هيمنة «حزب الله» على الواقع الميداني والمشهد السياسي، فكيف لو كانت هذه البادرة في الوجهة التي يحمل تعاطفه التاريخي تجاهها وتدمج بين الحضور السياسي المقاوِم وبين نصرة فلسطين وحركة «حماس» ذات الامتداد الإخواني الواحد مع «الجماعة»؟

لكنّ ساعة التفكير حضرت بعد تتالي بيانات «قوات الفجر» لتبدأ الرسائل من الشارع السنّيّ تتصاعد، ليتّضح بعد حوارات متعدّدة مع قيادات في «الجماعة» أنّها أيضاً تدور في أروقة مراكز القرار وداخلها، ويمكن تقديمها على النحو الآتي:

ــ يحتاج «حزب الله» إلى تبييض صفحته في لبنان والعالم العربي والإسلامي، لذلك ترفض بعض الفعاليات السنية أن تكون خطوة «الجماعة» تغطية، ولو غير مباشرة، لارتكابات «حزب الله»، وبالتالي ترفض التطبيع مع «الحزب» الذي لم يبادر، رغم حاجته للشراكة مع السنة وسائر اللبنانيين، إلى مراجعة سياساته حتى أنّه لم يعتبر أنّ خطورة الوضع تستدعي تراجعاً عن محاولة فرض سطوته على الجميع في أيّ قضية من القضايا.

ــ لم تتقبّل الفعاليات السنية عدم وضوح العلاقة مع «حزب الله» وساد التساؤل عن صاحب الإمرة الميدانية وهل قرار الجماعة مستقلّ في ظل السيطرة الكاملة لـ»الحزب» جنوباً؟ وهو ما قدّمت «الجماعة» حوله إجابات عامة غير كافية؟

وصلت لقيادة «الجماعة» رسائل تأييد كثيرة، لكنّها كانت مرفقة بضرورة الحفاظ على الخصوصية والريادة والتكافؤ، وبالتالي تحقيق إنجاز سياسي محليّ وخارجي في صورة ووضع «الجماعة» والشارع السني، تماماً كما يستثمر «حزب الله» في المقاومة، من دون أن يعني ذلك تقليلاً من شأن مبدئية المنطلقات التي تتحرّك «الجماعة» على أساسها.

يسأل من يحاورون «الجماعة» عمّا يمكن أن يفعله «الحزب» إذا انتصر في أي واقعة مقبلة، هل سيهدي نصره للبنانيين أم لإيران؟ وهل سيكرّر 7 أيار جديداً؟ وماذا سيكون موقف «الجماعة» في هذه الحال؟

ــ ماذا بعد هذه المرحلة: هل ستتمكّن «الجماعة» من تثبيت مواقعها في المقاومة وتؤكِّد مشروعيتها؟ فتصبح حركتها الميدانية مثل حركة «حزب الله» بلا عوائق وبلا اصطدام مع الأجهزة الأمنية، وفي طليعتها الجيش ولا تتعرّض عناصرها للتوقيف والملاحقة خلال نشاط عناصرها في العمل المقاوِم، كما حصل في الآونة الأخيرة عند توقيف اثنين من عناصر الجماعة في محيط شبعا خلال تصنيعهم قواعد إطلاق الصواريخ.

ــ هل ستتمكّن قيادة «الجماعة» من حماية أهالي القرى والبلدات السنية الحدودية من توغّل قوات «حزب الله» في أراضيها، كما هو حاصل في شبعا، على سبيل المثال لا الحصر، حيث تضع قوات «الحزب» يدها على مزرعة بسطرة المحرّرة وتمنع أصحابها من الوصول إليها، لا بل إنّها تهيمن على أراضي الوقف السنّيّ في البلدة وأقامت عليها منشآت عسكرية من دون إذن إدارتها؟

لم تُحسن قيادة «الجماعة الإسلامية» مخاطبة جمهورها ومخاطبة اللبنانيين حول خطوتها، ولم تضع لها الإطار السياسي السني والوطني، بل اكتفت بالشقّ العسكري الميداني فقط، وهذا ترك الباب على الكثير والكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام على خطوة إيجابية غاب عنها التسويق المناسب، وربما يكون ذلك لغياب الأجوبة العميقة نظراً لطغيان الحاجة الآنية للاستجابة للحدث، وهذه ثغرة يمكن تداركها من خلال استجماع الموقف وتقديم رؤية شفافة وصريحة للرأي العام الإسلامي واللبناني تكون أقرب للواقع ولا تُفقِدُ «الجماعةَ» ما أنجزته على مستوى رؤيتها الثابتة للدولة والسيادة. فالمساحة الرمادية السائدة الآن ستنجلي والمطلوب توازن لصالح منطق الدولة والتضامن مع القضية الفلسطينية بما يحفظ استقرار لبنان، لأنّ فلسطين لن تكسب إذا خسر بلد الأرز ما تبقّى من استقرار.