IMLebanon

“تطمينات” من إيران بدل الضغط على ميقاتي

كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:

لم يعد هناك أي حرج لدى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في علاقته مع دول الغرب والولايات المتحدة الأميركية، بعد كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله يوم الجمعة الماضي، الذي وجد فيه معظم المراقبين أنه أبقى جبهة لبنان تحت سقف عدم توسيع الحرب، مع أنّ نصرالله أبقى على كل الاحتمالات مفتوحة، وحصر العمليات العسكرية بالدفاع عن لبنان، تحت سقف إشغال جيش العدوّ عن غزة عبر دفعه إلى نقل جزء من قواته إلى الجبهة مع لبنان. ولكن هذا استبعاد لخيار إقحام الجبهة اللبنانية في حرب شاملة مع إسرائيل حسب العديد من القوى السياسية.

واشنطن لم تكتفِ في الأسابيع الماضية بإعلان ميقاتي أنّ قرار الحرب والسلم ليس في يد السلطة اللبنانية، وأنّ المطلوب عدم انزلاق لبنان إلى الحرب، ولا بتشديده على التزام الدولة القرار الدولي الرقم 1701. فقد تبيّن أنّ ما يدور من اتّصالات شمل طلباً أميركياً من ميقاتي بأن يجتمع مجلس الوزراء ليصدر بياناً واضحاً يدعو إلى وقف الاشتباكات وإطلاق الصواريخ والقذائف من جبهة جنوب لبنان التزاماً بالقانون الدولي، وبأنّ المنطقة يجب أن تكون تحت سيطرة الجيش اللبناني والقوات الدولية تنفيذاً للقرار الدولي.

وهو طلب يدرك الجانب الأميركي مثل غيره استحالته، نظراً إلى معرفته بتعذّر انعقاد مجلس الوزراء بفعل توافق وزراء «التيار الوطني الحر» ومعهم «حزب الله» هذه المرة، (يضمنان الثلث المعطل حكماً) لرفض الأخير تلبية طلب أميركي من هذا النوع. وعلى افتراض أن مجلس الوزراء انعقد لهذا الغرض، فإنّ وزراء «الثنائي الشيعي» لن يقبلوا بصدور نص يؤدي في نهاية المطاف إلى تقييد حركة «الحزب» وحلفائه في الجنوب، بما فيها الأمر الواقع الذي شرّعه نصرالله في خطابه، والذي تجري ممارسته منذ 8 تشرين الأول من دون إذن السلطة الشرعية والجيش و»اليونيفيل»، والقاضي بإطلاق «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» الصواريخ والقذائف من الجبهة اللبنانية، تحت جناح «الحزب» ومظلة «الدفاع عن لبنان» وتحت سقف عدم توسيع الحرب.

إلى حدود قدرات السلطة السياسية اللبنانية شكر وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ميقاتي أثناء لقائه به السبت في الأردن على مساعيه لعدم توسيع الحرب وتجنّب انزلاق لبنان إليها، وتجاوز الضغوط على السلطة اللبنانية كي تأخذ مواقف يصعب تنفيذها.

أخذت واشنطن التطمينات بعدم فتح الجبهة اللبنانية في حرب شاملة من إيران نفسها، بحيث لم تعد بحاجة إلى ممارسة الضغوط على «الحزب» سواء عبر اجتماع لمجلس الوزراء، أم عبر مواقف القوى السياسية اللبنانية المعارضة لتفرّد «الحزب» في قرار الحرب والسلم. فالإصرار الأميركي على عدم توسيع الحرب عبّرت عنها المواقف المعلنة بما فيها الصادرة عن الرئيس جو بايدن بحجّة عدم وجود أدلّة على رعاية إيران عملية «طوفان الأقصى». ولاقاه وزير الخارجية الإيراني، مرات عدة ومن نيويورك نفسها، بالتأكيد أن طهران لا تريد اتّساع رقعة الحرب خارج غزة، حتى لو كان يصرّح بين يوم وآخر، بأنّ استهداف إسرائيل المدنيين في غزة يبقي الاحتمالات مفتوحة.

لكن المراقبين بدقة لنصوص المواقف والتصريحات الصادرة عن محور الممانعة يشيرون إلى أن نصرالله أبقى هذه الاحتمالات مفتوحة لأن الأمر الذي «يتحكّم بجبهتنا اللبنانية هو سلوك العدوّ الصهيوني تجاه لبنان»، وبمنعه من «القيام بعملية استباقية باتجاه لبنان»، باعتبار أنّه أوضح أنّ العمليات العسكرية من هذه الجبهة هي «للمساندة ولتخفيف الضغط عن المقاومين في غزة في ظل حالة الجنون والضياع التي ‏تُسيطر على قيادة العدو السياسية والعسكرية». أي أن الأولوية هي للمعطيات على جبهة لبنان.

مثلما أنّ مخاطر توسّع الحرب على الجبهة اللبنانية كانت حافزاً لتحرّك قيادات لبنانية عدة منها ميقاتي سواء مع «حزب الله»، أم مع الدول المؤثرة على إسرائيل كي تمتنع عن تحقيق طموح وزير الدفاع فيها يوآف غالانت وعدد من القادة العسكريين، بالإفادة من فرصة الحرب في غزة لتوجيه ضربة لـ»حزب الله» وللبنان، فإنّ الأخير كان مسرحاً لتبادل الرسائل الإيرانية الأميركية حول تغليب سياسة ضبط الجبهات، بدل انفلاتها. فالجانب الأميركي عرف كيف يوجه الرسائل عبر أصدقاء لبنانيين لـ»الحزب» وبالتالي لإيران. وطهران ردّت بالمثل سواء عبر بعض اللبنانيين، أم عبر قطر وعُمان التي يتردد أنها تحتضن مفاوضات جديدة بين الجانبين، تتناول المرحلة المقبلة من العلاقات الثنائية…

ثمة من يعتبر أنّ لبنان قد ينفذ من هذه الحرب من دون أن تمتدّ إليه، إذا بقيت واشنطن صامدة في رفضها محاولات تيار قوي في الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية، يريد توريطها في حرب مع إيران.