IMLebanon

الفاتيكان يقتنع بحقيقة خطر النزوح… هل يتحرّك؟

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

ترى بكركي أنّ الخطر على الكيان اللبناني لا يأتي من باب واحد، فوطن الأرز الذي احتفل بمئويته الأولى يُعاني صعاباً وتحدّيات جمّة في مطلع المئوية الثانية. ويأتي ملف النزوح السوري كأحد أهم التحدّيات التي تواجه الكيان وقد تُبدّل ديموغرافيته، لذلك تعمل بكركي على طرْق أبواب الدول الفاعلة من أجل مساعدة لبنان على حلّ هذه المعضلة.

ليست مشكلة النزوح ذات طابع لبناني فقط، ولو كانت لبنانية صرف لاجتمع القادة على رغم إختلافاتهم الكبرى واتخذوا القرار بإعادة النازحين وحلحلة جميع العقد، لكن هذه الأزمة مرتبطة بالنظام السوري وبالموقف الإقليمي والدولي. وعلى رغم تسلم فريق «حزب الله» السلطة منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، لم يُعطِ النظام السوري هذا الفريق أي ورقة أو تنازل يسمح بإعادة النازحين، حتى رحلات العودة الطوعية التي كان ينظّمها الأمن العام توقّفت.

وتُعتبر أوروبا القارة الأكثر إلماماً بملف النازحين، لكن مواقفها مخيّبة للآمال تجاه الوضع اللبناني والوضعية المسيحية، ولا تشعر بأي أسف للتغيير الديموغرافي الذي قد يطرأ إذا بقي أكثر من مليونَي سوري على أرض لبنان، ولأنّ هذا الملف يُشكّل أولوية عند البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، فقد استغل وجوده في روما من أجل إعادة طرح هذه القضية. وفي بداية أزمة النزوح كانت لدى الفاتيكان رؤية مختلفة لا تتناسب وحجم الحدث، إذ لام الكنيسة المارونية والرهبانيات على عدم فتح الأديرة أمام النازحين، وهذا الأمر تسبّب بإستياء عارم في الشارع المسيحي من موقف الفاتيكان.

واكتشف الكرسي الرسولي أنّ مخاوف اللبنانيين عموماً، ولا سيما المسيحيين، نابعة من خوف على الوجود، فلا يمكن للكرسي الرسولي تنظيم مؤتمرات ولقاءات حول الحضور المسيحي في لبنان والشرق وضرورة صونه، وفي المقابل يضرب الديموغرافيا المسيحية في البلد الوحيد الذي يتمتّع فيه المسيحيون بحضور سياسي وازن.

لم يتناسب موقف الفاتيكان في بداية الأزمة وعمق المشكلة، وقد وصلت الى الكرسي الرسولي التقارير التي تتحدّث عن الإنفلاش السوري في لبنان وفي المناطق المسيحية بالتحديد، والتوسّع في الأنشطة، وإذا كانت الأنشطة العسكرية تغيب حتى هذه اللحظة، إلا أنّ الكرسي الرسولي صار على علم أنّ النازحين السوريين باتوا أقوى من اللبنانيين في مناطقهم، بل هناك هجرة لبنانية ومسيحية كثيفة، فيما السوري يتمركَز ويوسّع نشاطه التجاري. فهِم الفاتيكان أخيراً أنّ ملف النزوح ليس إنسانياً فقط، فعند إنطلاق الحرب السورية كان هناك سوريون هاربون من قصف النظام والقتل والتهجير، لكن معظم المناطق السورية أصبحت آمنة، كما توجد شريحة سورية كبيرة تستوطن لبنان وتؤيد النظام السوري وتنتخب في السفارة السورية، وبالتالي فإنّ نداءات الفاتيكان بفتح الأبواب أمام السوريين في غير محلها.

هناك من ضلّل الكرسي الرسولي ولم يُطلعه بطريقة صحيحة على حجم الكارثة التي يسبّبها النزوح، على رغم أنّ البطريرك الراعي كان يُطلع البابا ودوائر الفاتيكان على كل ما يحصل، لكن عندما وصل خطر النزوح إلى أوروبا شعرت «القارة العجوز» بالخطر فتحرّكت لكي تنقذ نفسها وتبقي لبنان غارقاً في أزماته.

لا يُشكّك أحد في حرص الفاتيكان على لبنان، لكن المشكلة في مقاربة الملفات بواقعية وليس بطريقة وجدانية أو حقوقية، فالبطريرك أطلع البابا مباشرة والمسؤولين الأوروبيين الذين التقاهم على خطر موجة النزوح الثانية التي تراكمت بعد الموجات الأولى، وطلب المساعدة والمعونة لكي يبقى لبنان الذي يسعى الفاتيكان للحفاظ عليه. وينتظر الشعب اللبناني تحركاً فاتيكانياً خارجاً عن إطار ما تروّج له بعض المنظمات التي تهدف إلى توطين السوريين تحت عنوان القيم وحقوق الإنسان وعدم التفرقة بين الشعوب، وإلا على لبنان السلام.