IMLebanon

عندما يراهن “الحزب” على واشنطن

كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”: 

ماذا ينتظر «حزب الله» حتى ينفّذ تهديداته السابقة بتدمير إسرائيل بعدما كان أمينه العام السيد حسن نصرالله أكّد أكثر من مرة أنّ صواريخه قادرة على تدمير أي هدف في أي مكان داخل الدولة العبرية؟ ولماذا يكتفي بحرب الإستنزاف الدائرة على الحدود بينما يستكمل الجيش الإسرائيلي السيطرة البطيئة على قطاع غزة وتدمير قدرات حركة «حماس» العسكرية؟
إنتظر العالم خطاب السيد حسن نصرالله الأول بعد عملية «طوفان الأقصى» فخرج يوم الجمعة في 3 تشرين الثاني الحالي ليعلن البقاء ضمن دائرة التصعيد المضبوط ضمن قواعد الإشتباك المستمر في الإلتزام بها، والتهديد بأنّ استهداف المدنيين سيُرَدّ عليه بالمثل. ثم خرج في خطابه الثاني بعد ثمانية أيام ليعلن أنّ الميدان هو الذي يقرّر مصير المعركة. في الخطابين لم يخرج نصرالله من دائرة الإنتظار والخوف من توسيع الحرب التي يمكن أن تنعكس عليه وعلى قدرات حزبه العسكرية وعلى لبنان دماراً شاملاً قد لا يكون بالإمكان الخروج منه قبل وقت طويل.

بعكس حرب تموز

على عكس ما فعله في حرب تموز 2006 يبدو أنّ نصرالله يحاول الهروب من قرار لا قدرة له على تحمّله. وفي مقابل التهديدات الإسرائيلية اليومية بالردّ القاسي عليه إذا حاول توسيع دائرة الحرب وخرج عن قواعد الإشتباك، يبدو وكأنّ «الحزب» من خلال ردود فعل مقرّبين منه يراهن على العقلانية الأميركية التي تلجم الجنون الإسرائيلي.

فواشنطن منذ عزّزت قواتها البحرية والبرية والجوية في المنطقة تمسك بقرار الحرب وتحدّد خطوطها العريضة وعناوينها وترسم طريق الخروج منها. وهي حدّدت الهدف بالقضاء على حركة «حماس»، وتغطي بذلك العمليات الحربية الإسرائيلية في قطاع غزة، وحرّكت بقوة دبلوماسية الوضع السياسي بالتزامن مع الوضع العسكري، لرسم مرحلة ما بعد الحرب والحلّ الذي يمكن أن يكون مقبولاً عربياً ودولياً وإسرائيلياً لإدارة قطاع غزة.

بالنسبة إلى «حزب الله» فقد تفاجأ بحجم الحشد الدولي الداعم لإسرائيل في حربها ضد «حماس» وتهديدها بتوسيعها لتشمله بحيث تجعل مصيره مشابهاً لمصير «حماس». ولذلك استهاب «الحزب» الدخول في هذه الحرب. في حرب تموز 2006 تفاجأ «الحزب» بالردّ الإسرائيلي الكبير على عملية 12 تموز التي تمكّن فيها من أسر جنديين إسرائيليين، ولم يكن بمقدوره تلافيها لأنّ إسرائيل كانت اتّخذت القرار وكان «الحزب» هو الهدف.

ولذلك لم يجد الأمين العام لـ»الحزب» حرجاً في الخروج بخطاب مباشر أعلن فيه استهداف بارجة حربية إسرائيلية في استعراض إعلامي مشوّق. ولذلك راهن كثيرون على أنه سيخرج بخطاب مماثل بعد عملية «طوفان الأقصى» وبدء الحرب الإسرائيلية ضد «حماس»، ولكنّه لم يفعل. كما فاجأ العالم باقتحام المشهد العسكري والسياسي في حرب تموز فاجأه أيضاً بالإبتعاد عن الإنخرط الكبير في هذه الحرب مع أن نتائجها ستنعكس عليه حتماً، سواء شارك فيها أو بقي في دائرة التقيد بقواعد الإشتباك مع تجاوزات بسيطة لم تؤدِّ بعد إلى انهيار المعادلة لأنّها لا تزال تحت سقف الإنضباط.

متى يقاتل «الحزب»؟

السؤال المطروح حالياً في مرحلة الإنتظار الطويل الذي يمارسه «الحزب» هو متى يمكن أن يوسّع دائرة الحرب؟ وهذا السؤال مرتبط حكماً بسؤال آخر أكثر أهمية وهو: إذا لم يقاتل «الحزب» الآن فمتى يقاتل؟

منذ بدأت حرب غزة راهن «الحزب» على أنّ حركة «حماس» مستعدة ميدانياً، وأنّها ستنتصر في هذه الحرب، وأن القطاع سيتحوّل إلى مقبرة للجيش الإسرائيلي إذا بدأ هجومه البرّي. وكانت «حماس» تؤكّد هذه الإحتمالات وتقول إنّها ستخرج من تحت الأرض لمواجهة الجيش الإسرائيلي معتمدة على شبكة الأنفاق المعقّدة والطويلة التي استعصى كشفها على المخابرات الإسرائيلية. في المقابل كانت إسرائيل تعلن أنّها ستشنّ الحرب بهدف القضاء على «حماس»، وأنّ هذه الحرب لن تكون خاطفة بل طويلة وستراعي ظروف الميدان. وقد أثبتت الوقائع أنّ الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية نجحت وبدأت تحقق أهدافها مع السيطرة على القسم الشمالي من القطاع، وعلى ما قالت إسرائيل إنّها مقرّات قيادة الحركة داخل المستشفيات وإنّها مرتبطة بشبكة الأنفاق تحت الأرض.

في ظل حرب كهذه لم يكن من الممكن الرهان على صحوة الضمير العالمي وعلى التظاهرات في شوارع العواصم الغربية، ولا على التضامن العربي الذي لا يمكن أن يغيّر في مسار الحرب. السيطرة الإسرائيلية على شمال غزة كانت نقطة تحوّل في مجرى الحرب، ذلك أنّ قدرة «حماس» على الدفاع في القسم الجنوبي ستكون محدودة أكثر خصوصاً في ظلّ تداعيات الإنهيار المتواصل في دفاعاتها العسكرية وفي معنوياتها. لقد برهنت التطورات أنّ «حماس» لم تدرس جيداً احتمالات ردّ الفعل الإسرائيلي وهي عرّضت نفسها والفلسطينيين في قطاع غزّة لحرب مدمّرة لم يكن من الممكن تلافيها بعد عملية «طوفان الأقصى».

وفي حرب من هذا النوع تتفوّق القدرات الإسرائيلية على قدرات «حماس» التي يمكنها أن تشنّ عمليات محدودة بينما ستخسر حتماً في حرب طويلة ومدمّرة كالتي شنّتها إسرائيل في ظلّ حصار مطبق على القطاع. وهذا يعني تدمير كل ما تمكّنت «الحركة» من بنائه خلال عشرين عاماً تقريباً من العمل تحت الأرض وفوقها. وهذه الهزيمة إذا استمرّت العمليات العسكرية، وهي ستستمرّ كما هو متوقّع، ستؤدّي إلى خسارة «حماس» القواعد التي أيّدتها قبل عملية «طوفان الأقصى» وبعدها بحيث سيتمّ تحميلها مسؤولية المغامرة وسوء التقدير، الأمر الذي أدّى إلى تكرار مشهد نكبة 1948 وتهجير أهالي القطاع. وهذا الأمر سيؤدّي أيضاً إلى سقوط الحركة عسكرياً وشعبياً.

«الحزب» و»حماس» وجسر العبور

مراقباً ما تعرّضت له «حماس» في غزّة، يتجنّب «الحزب» الوقوع في الخطأ الذي ارتكبته الحركة. ولكن إذا كان بإمكانه تجنّب الحرب الكبرى فهل يمكنه تلافي نتائج الحسم ضد «حماس»؟ ومقارنة أيضاً بمرحلة حرب تموز 2006 بدا وكأنّ بيئة «الحزب» تعاطت مع التطورات العسكرية وكأنّها مستفردة ومعزولة. في حرب تموز بدا النزوح من المناطق الجنوبية مرحّباً به ومحتضناً في البيئات اللبنانية الأخرى. منذ بدأت الإشتباكات على الحدود بعد 8 تشرين الأول الماضي بدأت عمليات نزوح كثيفة وبدأ البحث عن منازل للإيجار في مناطق بعيدة عن خطر الحرب. وبدل استقبال النازحين وفتح البيوت لهم بدا وكأن هناك بيئات تنتظر الإستفادة من هذه الموجة مادياً باعتبار أن لكلّ مرحلة ظروفها ولكلّ بيت آمن ثمن.

مواقع كانت تستخدمها «حماس»؟

شكّلت «الحركة» جسر العبور إلى القضية الفلسطينية بالنسبة إلى إيران و»حزب الله». القضاء على الحركة يعني تدمير هذا الجسر. لا يمكن لـ»حزب الله» أن يملأ الفراغ الذي سينشأ عن مثل هذا الأمر بأي تنظيم آخر. على العكس سيجد نفسه محاصراً بمسألتين: الحلّ المنتظر الذي تعمل عليه واشنطن لمرحلة ما بعد «حماس» بغطاء من السلطة الوطنية الفلسطينية وبعض الدول العربية والغربية ومن الأمم المتحدة.

والمسألة الثانية تتعلّق بسلاح «الحزب». إذا لم يستخدم «الحزب» سلاحه في مثل هذه الحرب فمتى يستخدمه ولماذا يستمرّ بالإحتفاظ به؟ وإذا كان السيد نصرالله اعتبر أنه يقوم بحرب إشغال ضد إسرائيل لإعاقة عملياتها العسكرية ضد «حماس» فماذا سيفعل إذا حسمت الحرب ضد «حماس»؟ وبماذا تعود مفيدة حرب الإشغال؟ وكيف يمكن أن يتصرّف «الحزب» طالما أنّ إسرائيل ستصبح بعدها قادرة على التركيز الكامل على الجبهة مع «الحزب»؟

قيادة الجيش والمنطقة الرمادية

لا يزال «الحزب» مقيماً في المنطقة الرمادية بين توسيع إطار الحرب وبين البقاء في دائرة قواعد الإشتباك طالما أنّ المعركة مستمرّة في غزّة وطالما أنّها لم تبلغ نهاياتها بعد، وطالما أنّ «حماس» لا تزال تقاتل، وطالما أنّ إسرائيل لم تعلن بعد انتصارها الكامل وانتهاء العمليات التي يبدو أنها لا تزال طويلة. وهو في الحالتين يخسر من رصيده. فهو خاسر طالما أنّه في حرب استنزاف، وهو في الوقت نفسه يعتبر أن دخوله في هذه الحرب الكبرى قد يعرّضه لخسارة أكبر، خصوصاً أن إسرائيل تهدّد بالردّ عليه وتوسيع الحرب، وأن واشنطن هي التي لا تزال تردعها.

ولذلك قد يكون المخرج الأنسب لـ»الحزب» في تسهيل الحل الداخلي في لبنان انطلاقاً من التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، بحيث يصبح هذا التمديد بمثابة التمهيد لانتخابه رئيساً للجمهورية يستطيع أن يضمن انخراط «الحزب» في هذا الحلّ مقابل قبول «الحزب» بإعادة بناء الدولة والمؤسسات، وبتطبيق القرار 1701 والعودة إلى خيار التهدئة في الجنوب، وتأجيل البحث في موضوع سلاحه. فحرب غزة لا يمكن أن تنتهي إلا برسم خارطة سياسية وأمنية جديدة في المنطقة ولبنان سيكون حتماً من ضمنها.

والفشل في تأمين انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس، التي كان من المتوقع أن تبحث في موضوع التمديد لقائد الجيش، يعني أنّ «الحزب» لم يحسم خياراته بعد، وأنه لا يزال يراهن على عامل الوقت. ولكن هل يمكن أن يساعده الوقت في تحسين شروطه أم أنّ ما يتوفّر له اليوم من مخارج قد لا يعود متاحاً بعد استنزاف هذا الوقت؟ وهل يتّكل على ضمانات واشنطن وموفد الرئيس بايدن أموس هوكشتاين بعدما وافق على رعاية واشنطن لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟