IMLebanon

وظيفة جبهة لبنان… وحوار أميركا – طهران

كتب وليد شقير في “نداء الوطن”: 

خلال جولات التباحث اللبناني مع الموفدين والسفراء الأجانب حول التهديد المحتمل لاندلاع الحرب على الجبهة اللبنانية، لم يحصل المسؤولون اللبنانيون في أي مرة على أجوبة جازمة وحاسمة أو على ضمانات من الدول القادرة على التأثير في الموقف الإسرائيلي، بألا تنزلق المواجهات التي تحصل في الجنوب إلى حرب.

خلال الزيارة السريعة التي قام بها المستشار في البيت الأبيض لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين إلى بيروت في 6 تشرين الثاني، بهدف تأكيد حرص واشنطن على عدم توسّع الحرب، اتفق مع مسؤولين لبنانيين على أنهم يتولّون الحديث مع «حزب الله» من أجل الحؤول دون أي تصعيد يقود إلى فتح الجبهة الجنوبية، وأن يتولّى الجانب الأميركي بدوره التحدّث مع إسرائيل ويؤدّي دوره معها لمنع اندفاعها العسكري نحو فتح الجبهة مع لبنان.

الجانب الأميركي سبق أن طلب ضمناً وعلناً أكثر من مرة من حكومة بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت الامتناع عن فتح جبهة حرب مع «حزب الله»، ناصحاً غالانت بعدم الإقدام على هذا الخيار الذي كان ميّالاً إليه منذ الأسبوع الأول الذي تلا 7 تشرين الأول. فهو اعتبر أنّها فرصة الجيش الإسرائيلي لتوجيه ضربة لـ»حزب الله»، حسب وجهة نظره، لكن الجانب الأميركي خالفه الرأي وأصرّ على العودة عن هذه الفكرة، فباتت المواقف المعلنة للجانب الإسرائيلي أنه لا يريد توسيع الحرب، وأنّ الأمر مرهون بانضباط «حزب الله».

لكن فريق المتطرّفين لم يغادر كلياً هذا الخيار ويغتنم الفرصة من أجل إعادة ترجيحه، وإلا ما كان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن وصف في اتصال مع غالانت السبت الماضي بعض الضربات التي يوجّهها جيشه من الشمال إلى الجنوب اللبناني بأنها «لاستفزاز» الحزب، ولجرّه إلى الحرب.

في الوسط الإسرائيلي العسكري وحتى الشعبي توجُّه يعتبر أنّ الأسباب نفسها التي استدعت شنّ الحرب على غزة، تنطبق على جنوب لبنان. ومثلما يريد مستوطنو غلاف غزة الاطمئنان إلى أنّ عودتهم إلى منازلهم ستكون آمنة من هجمات جديدة تقوم بها «حماس»، فإنّ مستوطني الجليل شمال إسرائيل الذين نزحوا إلى مناطق آمنة، يريدون الاطمئنان إلى أنّ «حزب الله» لن يقوم بهجمات مماثلة للتي قامت بها «حماس» وهذا يحتاج إلى توجيه ضربة لـ»الحزب»، وفق هذا المنطق الأمني لدى جزء من الرأي العام والعسكر في الدولة العبرية. لكن يصعب على تل أبيب أن تطلق جبهة حرب ثانية إذا كانت واشنطن لا تريدها، وإذا صحّت الأنباء عن أنّ حواراً بعيداً من الأضواء انطلق بين الجانبين الأميركي والإيراني في جنيف ويشمل ضبط جبهة لبنان وعدم تصعيد الوضع فيها.

من الجهة اللبنانية، تولّى المسؤولون التواصل مع «الحزب» قبل زيارة الموفد الأميركي، وبعدها، لكنهم لم يحصلوا في أي مرة على تأكيد جازم من قيادته بأنه لن تقع المواجهة الواسعة مع إسرائيل. حتى عندما يتواصل المسؤولون اللبنانيون مع المسؤولين الإيرانيين، كما حصل خلال اجتماع الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الرياض على هامش القمة المشتركة العربية الإسلامية في الرياض السبت الماضي، أو في اللقاءات التي تجمع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب مع نظيره حسين أمير عبد اللهيان، فإنّ جواب طهران كان على الدوام أنها لا ترغب في توسيع الحرب، لكنها لا تتدخل في قرارات حلفائها لأنهم الأقدر على تقدير الموقف مقابل مواصلة إسرائيل اعتداءاتها، وارتكابها المجازر في غزة.

على الرغم من أنّ بعض هؤلاء المسؤولين اللبنانيين يرون أنّ أي انخراط لحلفاء طهران في حرب واسعة وفق شعار وحدة الساحات، يحتاج إلى قرار من القيادة الإيرانية، يسود الاعتقاد لديهم بأنّ لدى «حزب الله» قدراً من الاستقلالية في الحسابات التي تثنيه عن المغامرة بحرب شاملة مع إسرائيل. وإذا كان صحيحاً أنّه باستطاعته إلحاق الضرر والخسائر بإسرائيل، فإنه يحسب حساب الدمار الذي سيصيب مناطق تواجده، والخسائر المادية التي ستصيب بيئته في الجنوب وفي البقاع، دماراً وقتلى في ظلّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي المزري الذي يمرّ فيه البلد.

يستدلّ البعض على ذلك من إشارات كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه السبت الماضي الذي شدّد على الآتي:

– أنّ «الأداء في جبهة لبنان ارتقى درجة معينة، ما زاد منسوب القلق لديه… وسنستمر في هذا الأداء… وستبقى هذه الجبهة ضاغطة». أي أنه وضع حدوداً لوظيفتها.

– حرص على إظهار تضحيات «البيئة الحاضنة المباشرة التي تتحمّل عبء هذه المواجهة وعبء تقديم الشهداء والجرحى، والتهجير من القرى الأمامية، والخسائر المادية». أي أنه يدرك ثقل الأثمان التي تتكبّدها هذه البيئة الرافضة تكرار مآسي الحرب.