IMLebanon

“لبنان لا يريد الحرب”… بالقول أو بالفعل؟

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

طغت مشهديّة الإعتداءات الإسرائيليّة وفظاعتها على الإختلاف السياسيّ في لبنان، مع تقدّم أخطار الانخراط في الحرب والبحث في سبل الاستجابة لتداعياتها، كما على الأصوات المطالبة بتطبيق القرار 1701، ورفض الانصياع لسردية «حزب الله» وتحكّمه بقرار الحرب والسلم.

فبعد تركيز خطاب القوى السياسيّة المعارضة على رفض دور «حزب الله» العسكري إلى جانب القوى الأمنيّة والعسكريّة منذ 2005، دفعت الأخطار المرتبطة بتفلّت الجبهة العسكريّة الجنوبية وتمدّد الحرب إلى لبنان، بغالبيّة القوى السياسيّة والمجتمعيّة إلى وضع الطابع الإنساني قبل السياسي في مقاربتها تطوّر الأحداث في المنطقة؛ قبل أن تبرز في موازاة ذلك، ملامح ارتداد التزام «محور الممانعة» قواعد الإشتباك مع العدو على الحدود، إلى الداخل اللبناني، مع تعرّض المطالبين بتجنيب لبنان ويلات الانخراط في الحرب لحملات تخوين، وضعها المتابعون في إطار الترهيب، والتمهيد لفرض قواعد داخليّة جديدة تُترجم «الانتصار» في لبنان.

إلى ذلك، بدأت ملامح التضامن الإنساني تخرج عن إطارها السليم، بحيث أنّ الاستعدادات التي أقيمت في غالبيّة المناطق اللبنانية لإستضافة النازحين من الجنوب والضاحية، وتحديداً في الجبل، نزولاً عند رغبة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط، قبل أن يلاقيه بذلك البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بدعوة الأبرشيات إلى تقديم المساعدات للنازحين من الجنوب، تحولت مادة سجاليّة دفعت جنبلاط إلى إستنكار أي كلام تحريضي، وتشديده على أنّ وحدة الصف الداخلي فوق كل إعتبار.

ورأى البعض، أن أخطار الحرب دفعت بغالبيّة المكوّنات اللبنانية إلى تجاوز لغة الانقسام الداخلي على خلفية الموقف من «حزب الله»، واعتماد خطاب منسجم نسبياً في مقاربتها للحرب، تخطى في بعض الأحيان المزايدة على «الإعلام الحربي» في استنكار الأعمال التي تقوم بها آلة القتل الإسرائيليّة ورفض استهدافها المدنيين في غزة.

وفي ضوء ذلك، أوضح الأستاذ في كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانيّة الدكتور جوزيف عساف لـ»نداء الوطن»، أنّ الخوف من تداعيات الحرب المباشرة على حياة الإنسان، ساهمت في تقليص الفوارق بين السياسيين وسعيهم الدؤوب إلى تحقيق مشاريعهم السياسيّة والإقتصاديّة الخاصة. ورأى أنّ الدوافع الوطنيّة إنعكست على المحتوى الإعلامي، وأدت إلى إعتماد خطاب ومصطلحات موحّدة في التقارير الإخباريّة، رغم توقفه عند بعض ما تتضمّنه من مبالغات أحياناً.

ووسط تأكيده أهميّة التكاتف بين اللبنانيين من أجل إمرار موجة الخطر على لبنان، وتجنّب الإنخراط في الحرب، شدّد على وجوب عدم استغلال تداعيات الحرب الكارثية التي تشهدها غزة راهناً، والتي قد تطال لبنان إذا انزلق إليها. ورأى أنّ أصول اللعبة السياسيّة الصحيحة ومبدأ التضامن الإنساني في وجه الاخطار المحدقة لا ينبغي إستثمارهما في مقاربة الملفات الداخليّة، والسعي إلى تغليب كفّة فريق على آخر في السياسة.

وافترض أنّ محاولة إستثمار الظروف التي فرضتها أخطار الحرب داخلياً من شأنها أنّ تُخرج شدّ الحبال بين القوى السياسيّة عن إطاره السليم، وتدفع بالمعارضة للقيام برد فعل أعنف، يرسّخ الإنقسام والشرخ في المجتمع، في حين تتطلب الظروف العمل على جمع اللبنانيين حول كلمة سواء تساهم في تخطّي الاخطار التي تواجههم.

ومع شجبه محاولة تخوين أي كان، وتحديداً الذين يشددون على أنّ «لبنان لا يريد الحرب»، أكّد حق جميع اللبنانيين في المطالبة بتجنّب ويلات الحرب وتداعياتها عليهم وعلى مستقبلهم في ظل التحديات الاقتصادية والماليّة التي يمرون بها، ووضع ما يُثار على بعض وسائل التواصل الإجتماعي في إطار اللعبة السياسيّة الإقليمية وما تفرضه من أجواء متشنجة وغليان يطال لبنان، الأمر الذي يُترجم بتهديدات وحملات تخوين، ويشرّع الطريق أمام طرح كل الخيارات، مقابل تشديد شريحة كبيرة من اللبنانيين على رفض «خيار تكرار الماضي»، فهل المطلوب «قواعد إشتباك» بين أبناء الوطن الواحد تبعدهم عن تكرار مآسي وويلات الماضي، وتجنّبهم إسقاط رفضهم الحرب على رفضهم «الحزب»؟!.