IMLebanon

الأرثوذكس يحسمون خيارهم… والمطران عودة “سيّد” المواجهة

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

تصوّب قوى سياسية محسوبة على محور الممانعة، منذ إندلاع حرب غزة، على موقف المسيحيين، وتركّز على البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وعلى متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، والهدف سياسي بامتياز، وليس من باب الحرص على أهالي غزة.

منذ اليوم الأول لإندلاع حرب غزة، إتخذ كل من الراعي وعودة موقفاً واضحاً في التضامن مع القضية الفلسطينية، لكن هناك من يريد إرجاع الارثوذكس إلى مرحلة الأحزاب القومية التي لا تعترف بنهائية الكيان.

في القاموس الأرثوذكسي، تلك المرحلة انتهت الى غير رجعة، والوضع الارثوذكسي مغاير للوضع السني، ومن يدرس توزيع النواب الارثوذكس في مجلس النواب يكتشف هذا الأمر. هناك 10 نواب أرثوذكس من أصل 14 ينتمون إلى القوى السيادية والمستقلّين، وهؤلاء النواب هم: فادي كرم، غسان حاصباني، ملحم خلف، غسان سكاف، سجيع عطية، نزيه متى، الياس اسطفان، أديب عبد المسيح، الياس جرادة وجميل عبود. وهناك 3 نواب ينتمون إلى «التيار الوطني الحرّ» وهم: أسعد درغام، جورج عطالله والياس بو صعب، فيما يوجد نائب واحد فقط ينتمي إلى 8 آذار وهو عضو «التكتّل الوطني» ميشال المرّ.

وشكّلت جلسة الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة في حزيران الماضي معياراً في التوجّه السياسي العام لدى النواب الأرثوذكس، فهناك 10 نواب سياديين ومستقلّين لم يصوّتوا لمرشّح «حزب الله»، أي رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، بينما إلتزم نواب «التيار الوطني الحرّ» قرار قيادتهم بالتصويت للوزير السابق جهاد أزعور باستثناء بو صعب الذي صرّح بأنه صوّت بورقة بيضاء، في حين لم ينل فرنجية إلا صوتاً أرثوذكسياً واحداً هو صوت المرّ، وبالتالي يوجد 12 نائباً أرثوذكسياً لم يمنحوا أصواتهم لمرشح «حزب الله».

يكشف هذا الأمر التوجّه الأرثوذكسي الذي طغى عليه الخطّ السيادي والمستقلّ، وشكّلت الإنتخابات النيابية الأخيرة الضربة الكبرى لحلفاء سوريا و»الممانعة»، فسقط كل مرشّحي هذا الخطّ. ولم يحصد الحزب السوري القومي الإجتماعي أي مقعد أرثوذكسي أو غير أرثوذكسي، وانكسرت الصورة التي حاول رسمها بأنّه الممثل الأكبر في البيئة الأرثوذكسية، خصوصاً في الكورة. وكذلك خسر «تيار المردة» مقعد الكورة الأرثوذكسي.

ويبقى صوت المطران عودة الأقوى والأجرأ، فابن أنفه – الكورة يقف في وجه كل محاولات خفْت صوته، سواء من بعض الإكليروس الأرثوذكسي الموجود في سوريا، أو من بعض سياسيي الداخل.

وتبرز نقطة داخل الإدارة الدينية الأرثوذكسية مغايرة تماماً للإدارة داخل البطريركية المارونية، ففي الكنيسة المارونية يُعتبر البطريرك رأسها وقائدها، وسلطته تمتد على كل الأبرشيات والكنائس المارونية في لبنان والعالم، بينما يختلف الوضع كلياً لدى الكنيسة الأرثوذكسية، فسلطة بطريرك الأرثوذكس معنوية وليست سلطة مطلقة، وكل مطران بطريرك على أبرشيته، وهناك إستقلالية، والدليل ما يفعله المطران عودة في بيروت من مشاريع تربوية واجتماعية، وينفّذها من دون العودة إلى البطريرك.

ساهم وجود البطريرك الأرثوذكسي في سوريا وابتعاد البطريركية عن هموم لبنان ومسيحييه، في فكّ الإرتباط بين أرثوذكس لبنان وسوريا، وبالتالي تختلف النظرة السياسية والإستراتيجية بين البلدين.

يُصرّ عودة على استكمال المواجهة السياسية وعدم الاستسلام لقوى الأمر الواقع وتخطّي إرادة المسيحيين والتصدّي لكل سياسات التخوين، وهو يفعل فعله في قضية فلسطين والاستحقاق الرئاسي وملف التمديد لقائد الجيش، فالمطران الذي وقف في وجه الاحتلال السوري في خطّ المواجهة مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، يُكمل المواجهة ذاتها بالتنسيق مع البطريرك الراعي.

يرسم المطران عودة الطريق ويحاول توجيه عدد من النواب الأرثوذكس، ليس لتحقيق أهداف وغايات سياسية، بل لحماية البلد من الحرب والانهيار. ولديه قناعة بعدم قيامة البلد ما دام هناك سلاح غير شرعي يتحكّم بالمفاصل السياسية والإدارية ويستطيع فتح الحرب ساعة يشاء، وهناك قادة سياسيون فاسدون يُمعنون في ضرب الشعب وتجويعه، لذلك يبقى صوت المطران عودة الأعلى وسيواصل العمل الذي بدأه وسيساعد قدر الإمكان في أن يكون للجمهورية رئيس لا أن يتحكّم الفراغ بمفاصل الدولة وبكل شيء في هذه الجمهورية ولا ان تخطف «الدويلة» الدولة، وسط التأكيد الأرثوذكسي على مبدأ لبنان أولاً وأخيراً.