IMLebanon

دوائر الدولة تتعطّل مجدّداً… وهذه هي الحوافز المنتظرة

كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:

بينما تكثّفت الجهود في الأيام الأخيرة لإعادة فتح أبواب الدوائر العقارية المغلقة تحت ضغط الموظفين، وقد رفض قسم كبير منهم العودة إلى العمل منذ فتحت ملفات الفساد فيها، جاء قرار كبار الموظفين الإداريين في وزارة المالية بالإضراب منذ يوم الأربعاء الماضي، ليفرض شللاً تاماً متجدّداً في الإدارة العامة، بعدما انسحب على سائر موظفيها، بانتظار القرار الذي سيتوصّل إليه مجلس الوزراء في ما يتعلق بمرسوم الحوافز الذي أعلن عنه إثر جلسة مجلس الوزراء الأخيرة.

بحسب معلومات «نداء الوطن»، فإنّ مشروع المرسوم الذي ذكر أنه أحيل إلى مجلس شورى الدولة لإبداء الرأي قبل عرضه على اللجنة الوزارية المختصّة لإتخاذ القرار، يقوم على حوافز مالية متدرّجة لموظفي السلك الإداري غير الدبلوماسي، بحيث تبدأ هذه الحوافز، إذا لم تدخل عليها تعديلات لاحقة، بمليون وستمئة ألف ليرة لموظفي الفئة الخامسة والأجراء ومقدّمي الخدمات الفنية عن كل يوم حضور فعلي، لترتفع مئتي ألف ليرة مع كل فئة من الفئات الأربع المتبقية وتصل إلى مليونين و400 ألف ليرة لموظفي الفئة الأولى، ومليونين و800 ألف ليرة لرؤساء الهيئات الرقابية، على أن تدفع هذه الحوافز من السلفة المعطاة لوزارة المالية بموجب المرسوم رقم 11301 تاريخ 18نيسان 2023 والتي كانت قد أعطيت لدفع مساعدة إجتماعية موقّتة لجميع العاملين في القطاع العام مهما كانت مسمّياتهم، وللمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي.

وفقاً لمشروع المرسوم، يعاد النظر بهذه الزيادات في حال حصول تغيير ملحوظ بسعر صرف الدولار. على أن يعتمد في تحديد أيام الحضور الفعلي على الجداول المستخلصة من آلة البصم الإلكترونية التي تثبت حضور الموظفين، تحت طائلة سقوط الحق بالإستفادة منه، وإتخاذ الإجراءات والتدابير الإدارية والمسلكية بحق من يتخلف عن الحضور. وعليه، يشترط للإستفادة من الحافز الإلتزام بالحضور الفعلي إلى العمل. وبالتالي يؤدي الغياب غير المستند إلى سند قانوني إلى الحرمان من الحوافز عن كامل أيام الشهر. علماً أنّ هذا المرسوم، في حال طبّق، سيشمل أيضاً موظفي البلديات والمؤسسات العامة، في حال توفر الإعتمادات اللازمة لذلك، على أن تتقدّم البلدية التي لا تتوفر لديها الإعتمادات، بدراسة مالية واضحة لطلب سلفة خزينة وفقاً لأحكام المادة 203 وما يليها من قانون المحاسبة العمومية.

الهدف المحدّد لهذه الحوافز في مشروع المرسوم تفعيل عمل الإدارات العامة، وزيادة الإيرادات، وتحسين الخدمات العامة. ولكن إلى حين تحقّق هذا التوازن، فهو يحمل مخاطر إبقاء الإدارة محاصرة وسط معادلة «الإنفاق الذي لا توازيه المداخيل»، بعدما كانت «الحلحلة» ولو الجزئية التي شهدتها بعض دوائر الإدارة العامة، قد أشاعت الآمال بعودة الإنتظام لها.

في المقابل، إستهجن البعض قرار الإضراب الشامل بذريعة «المطالبة بالحوافز وتحسين الأوضاع المعيشية» خصوصاً أنّ جزءاً من موظفي القطاع العام كما يشهد هؤلاء، لا يعتمد على راتبه «الرسمي» في توفير المداخيل، وما يسمّى بالإكراميات «سائحة» في الدوائر، «والشاطر بشطارته». ومن هنا يعتبر هؤلاء بأن قرار الإضراب لم يرق حتى لبعض موظفي الدوائر الرسمية أنفسهم.

هذا في وقت تحدّثت فيه معلومات عن إبتزازات تمارس، خصوصاً من قبل موظفي الدوائر العقارية المتوقفة كلّياً عن العمل في جبل لبنان، لإنتزاع عفو شامل عن الموظفين الذين خضعوا لتحقيقات قضائية وأفرج عن جزء منهم بكفالات وسندات إقامة.

وتلفت إلى ضغوطات تمارس لعودة هؤلاء إلى أعمالهم من دون أي محاسبة. بمقابل ما يراه البعض في الإعتكاف المطلبي عن العمل في هيئة إدارة السير، من غطاء لفتح أبواب النافعة أمام موظفيها الذين يطالبون بإستعادة مراكزهم، بعدما سُلّمت إدارتها بشكل إستثنائي لإدارة أمنية. وهذا ما يجعل من إضراب موظفي الإدارة العامة المتجدّد، حالة منفصلة عن الحالتين، وخصوصاً أنها بدأت مع من سمّاهم رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر «أوادم» وزارة المالية، وامتدّت لتشمل سائر موظفي القطاع.

وكان الإتحاد العمالي قد أصدر بياناً عشية الإضراب الشامل الذي بدأ على مستوى الإدارة العامة، وما لفت فيه إستهجانه لطريقة تعاطي المعنيين مع ملف هيئة إدارة السير، ليعرب عن قناعة لديه «بأن ملف هيئة ادارة السير، ومنذ فتحه من اكثر من سنة، لم يكن الهدف منه مكافحة الفساد او الاصلاح، بل العمل على تصفية هذا القطاع وطرد موظفيه تمهيداً لبيعه وتقاسم إيراداته بين النافذين وحيتان المال، وما يحصل حالياً من قرارات عشوائية وفرض رسوم خارج القانون يؤكد ذلك».

فهل هذا يعني بأنّ الإتحاد العمالي إنضم إلى صفوف من يمارسون الضغوطات لإعادة الموظفين المشتبهين إلى وظائفهم؟

في إتصال لـ»نداء الوطن» مع الأسمر أكد «أنّ ما يهمّنا هو أن نلغي ظاهرة الفساد من إدارة السير ومن كل دوائر الدولة. ولكن ما نراه، هو توقّف عجلة الإدارة تحت ستار محاربة الفساد» ورأى «أنه بشكل او بآخر، النظام العام متّهم كله بلبنان، فهل أوقف الإنتظام العام لسنوات طويلة قبل أن تصدر الاحكام»؟ وطالب بالحدّ الأدنى، بتسريع المحاكمات، معتبراً «أنّ ما يطبق على موظفي إدارة السير، سواء الموجودين منهم بالخدمة أو الذين أحيلوا إلى القضاء، غير عادل. فمن هم بالعمل، لا يتقاضون رواتبهم بصورة دورية، ولا تطبق عليهم الزيادات المقرّة للقطاع العام بصورة منتظمة، ولا سيما ما يتعلق ببدل النقل، بينما المطلوب بالنسبة لمن أحيلوا على القضاء أن تسرّع محاكماتهم».

وهذا برأي الأسمر «ما يحصل أيضاً بالدوائر العقارية في جبل لبنان وبكل الدوائر العقارية. فهذه الدوائر مغلقة منذ سنة تقريباً، فهل أصدروا أحكاماً، أهكذا نكافح الفساد؟ علماً أن من بين الموظفين هناك ابرياء كما هناك مدانون، والمطلوب أن نحاكم الفاسد، لا أن نحوّل كل الإدارة على القضاء، في حين أن القضاء لا يصدر أحكاماً وهي قد تتأخّر سنوات، فماذا نفعل؟ هل نوقف الإدارة سنوات؟ علماً أننا نتحدث هنا عن إدارات منتجة تدرّ آلاف المليارات على الخزينة العامة».

ورداً على سؤال أكّد أنّ المقصود إعادة من لم تثبت إدانته فقط من بين الموظفين، مع إخضاع الجميع للرقابة، إذ لا يجوز أن نعطّل الإدارة لمجرّد الشبهات، وإلا فلتبادر الدولة لإيجاد بديل من الموظفين المدنيين وليس العسكريين، معتبراً أن التجربة مع هؤلاء حتى الآن لم تكن مشجّعة.

وفي ما يتعلق بالإضراب الذي بدأه موظفو الإدارة العامة، إعتبر «أنه بدأ مع جماعة أوادم شفّافين لا يتقاضون غير رواتبهم التي لم تعد تكفي لشيء. ونحن هنا نتحدّث عن الذين لا يتقاضون رشاوى، لأنّ من يرتشون لا مشكل لديهم. ونحن ندعو إلى إحالة كل مرتكب إلى القضاء وأن يحاسب». وإذ لفت إلى أنّ مرسوم الحوافز الذي يدرس في الحكومة قد يحسّن من أحوال هؤلاء، رأى «أنه قد يعطي بعض الحلول إنما بظل الإنهيار الذي نعيش لا حل إلا بالنهضة الإقتصادية، الأمر الذي لم تباشر به الدولة حتى الآن». ومن هنا أكد الأسمر «أننا مع هذا الإضراب وندعمه حتى الوصول إلى حقوق الموظفين».